السلام عليكم
لا أعلم كيف أبدأ؟ وهل هناك أصلا حاجة لذكر مشكلتي أم أكتفي بأن أطوي صدري على مشكلتي، وألملم جراحي وحدي، وأكفكف دمعي وحدي؟ فهذا ما أستحقه؛ أن أحيا وحدي... الحقيقة أنا أرسل لك لا لأسمع ردا على مشكلتي؛ بل فقط أردت أن أبوح لأحد دون أخجل أو أكتم عنه شيئا من تفاصيل مشكلتي...
على كل حتى لا أطيل:
أنا طالب جامعي، في الحادي والعشرين من عمري، أعمل في حقل الدعوة إلى الله أو هكذا أدعي وأتظاهر، ولما أرى من تنافس الجميع حولي لبلوغ رضا الله حاولت أن أكون مع السائرين، ولا أخفي عليك أني دائما ما كنت في صبايا أشعر بأن الله قريب مني، وكأني محور الكون عند الله، وكم كنت سعيدا بهذا الشعور، ولكن مع مرور الزمن ومرحلة البلوغ وقعت في داء العادة السرية -للعلم ليست هذه هي مشكلتي الحالية- واستمررت عليها مدة من الزمن، ولكني قررت أن أحاول التوقف عنها تماما، وتابعت كل ما كتب عندكم عنها، وسمعت كل الشرائط المتعلقة بها.
المهم أنى في هذا العام ومن قبل 6 أشهر عزمت عزما وعقدت عهدا بيني وبين نفسي أن أمتنع تماما عن هذه العادة، وأن أحافظ على كمّ معين من العبادات والنوافل في مقابل أن يرزقني الله رؤية رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليلة العيد... بالطبع كانت هذه أمنية مني وتشجيعا لي على الصمود، وبفضل من الله توقفت عن العادة مدة 4 أشهر، وكانت قبلها أكبر مدة استطعت التوقف فيها شهرا واحدا أو يزيد قليلا، ومنيت نفسي أن أكون قد تحررت تمام من رق العادة السيئة.
واجتهدت قدر المستطاع في تحقيق باقي الشروط التي اشترطتها على نفسي في العهد، والحمد لله مررت بفترات قرب من الله وصفاء نفس.. وبدأ شهر رمضان، وتأهبت أنتظر آخر ليلة؛ لعلي أنال مناي وحلمي، ولكن العجيب أن مشكلتي بدأت مع رمضان.. فتور عجيب في الطاعة، وقلب قسا بشكل عجيب، لا أحس إقبالا على الطاعة، ولا أشعر لرمضان بلذة، كنت أختم القرآن 3 مرات في رمضان، لكنى لم أختمه ولا لمرة واحدة هذا الشهر، كنت أتوسل إلى الله أن يقيلني، وأن ينظر إلي لعله يرى ضعفي، فيرحمني، وكنت أشعر أحيانا أن الله استجاب دعائي؛ فأفرح، وأبتهج، ولكن سرعان ما يقسو قلبي بسرعة جدا، بسرعة لم أعهدها حتى أيام المعصية، ومرت الأيام، وبدأت العشر الأواخر، وأنا أترنح من يوم ليوم، ولكن ما إن بدأت العشر الأواخر حتى انهارت قوتي تماما؛ فما عدت أخرج من بيتي بتاتا، ولا حتى لأي صلاة إلا ما ندر، ولم أصلِّ التراويح في هذه الأيام المباركة سوى مرتين، ولم أعتكف كعادتي، رغم أن الظروف كانت متاحة وميسرة.
ثم ما لبثت أن عدت للمعصية مرة ثانية، ولكن هذه المرة ليس تحت وطأة شهوة، ولكن تحت وطأة من ضاقت به الدنيا؛ فلجأ للمعصية كوسيلة من تدمير النفس وتحطيمها، وإعلامها أنه لا مكان لي في رحمة الله ورعايته، ولعلك تدرك شعوري الآن بعد أن كنت أطمح لرؤية رسول الله هاأنا ذا أعود أقل أقل أقل من أي إنسان آخر، دخل رمضان وخرج منه، لا أخفي عليك أني أكتب لك هذه الرسالة الآن وأنا أجهش بالبكاء أحيانا، وأحيانا أخرى أحاول تصنع التجلد، وأنني إنسان ضال؛ فأعيش كما يعيش الضالون المنحرفون، لا أعلم كيف وصلت لما أنا فيه الآن، وقد تهربت من كل واجباتي الدعوية ومن ملاقاة الناس.
ولا أعلم كيف ستستمر بي الحياة؟
ملاحظة:
أنا أعيش وحدي في منزل، وأسرتي جميعها مسافرة في الخليج، وهذا أول رمضان أقضيه وحدي، وإن كنت لا أرى لذلك أي سبب فيما حل بي؛ بل على العكس كنت أحيانا أسعد بوحدتي لأصلي وأقرأ القرآن بصوت مرتفع، ولأناجي الله كيفما أشاء.
8/4/2023
رد المستشار
إن أحد أخطر الأمور التي تواجهنا ونحن نتعامل مع مشكلة العادة السرية هي حالة التهويل والتضخيم للمشكلة التي تصل بصاحبها لأن يتصور نفسه شيطانًا إن هو مارس العادة السرية، وفي المقابل سيكون ملاكا إن هو تخلص منها.. ونحن نتعامل معها من منطلق العادة الضارة على كل المستويات التي يقوم بها إنسان يحتاج للتخلص منها؛ ليصبح إنسانًا سويا في هذه النقطة؛ لتتكامل شخصيته بحرصه على كل ما يجعلها سوية منتظمة، وليس فقط بتخلصه من العادة السرية.
هذه النظرة الإنسانية المتوازنة التي نحاول أن نحرص عليها ونحن نطرح الحلول للتخلص من العادة السرية هي جزء من حل المشكلة؛ لأن الإحساس الشديد بالذنب الذي يوصل صاحبه لحالة شديدة من الإحباط تجعله يفقد الأمل، ويدخل في دائرة خبيثة تبدأ من "أنا مذنب كبير؛ لأنني مارست العادة السرية، وبالتالي لا أمل عندي أو لا مكان لي -كما تقول في رسالتك- في رحمة الله؛ فأنا شيطان، وعليه فسأستمر في ممارسة العادة السرية بإفراط شديد، ولا أحاول التوقف، ولا مانع من أن أمارس كل الأخطاء؛ لأنني شيطان يستحق التحطيم والتدمير"!
هذا الإحساس الخاطئ بالذنب هو أخطر ما نواجه، ولذا فإننا أول ما نوصله من رسائل لمن نساعده في التخلص من العادة السرية هو: فلتهدأ نفسك؛ لأنك تتعامل مع عادة ضارة، سنحاول التخلص منها ببرنامج سلوكي تدريجي، ينجح أحيانًا ويفشل أحيانًا أخرى، ويتدرج الأمر حتى يتحول الأمر إلى نجاح كامل، ولو حدثت انتكاسة فهي لا تعني نهاية العالم؛ بل أن يقوم الشاب على فوره بالاغتسال والعودة إلى أنشطته الطبيعية وبرنامجه السلوكي المعتاد.. فما حدث مجرد ضعف قد اعتراه في مواجهة شهوته مع اتخاذه كل التدابير.. ونجاحه يشعره بالقوة في تغيير سلوكياته الضارة أو السيئة، ويكون ذلك جزءًا أو بداية لتخلصه مما يراه غير مناسب أو يراه ضروريا لاستكمال شخصيته سواء على المستوى النفساني أو الثقافي أو الاجتماعي أو الديني.. فنجاحه في التخلص من العادة حدث عادي، مثل تخلصه من أي سلوك لا يرغب فيه.
إن رسالتك تجسيد لهذا الذي قدمنا له آنفا؛ فأنت رأيت في تخلصك من العادة السرية شيئا عظيمًا يستحق أن ترى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة العيد.. ولا أدري ما سبب تحديدك لهذا الأمر؟ وما هو المصدر الذي أوحى لك بهذه الفكرة؟ وبالتالي فأنت قد بدأت رمضان بتوقعات عالية عن نفسك، وكيف ستصبح ملاكا يقابل النبي في نهاية الشهر، ولأسباب مختلفة منها غياب أهلك عنك لأول مرة في حياتك في شهر رمضان، وهو عامل مهم لا يغفل.. فترت عبادتك، ولم تستطع أن تؤدي ما تتوقعه من نفسك، والذي تتصور أنك تستحق به المكافأة برؤية النبي -صلى الله عليه وسلم.
إن توقعاتك العالية، وعدم قدرتك على الوفاء بها هي التي أحبطتك لتدخل الدائرة الخبيثة، ويكون بدل الملاك الذي تصورت أنك ستتحول إليه عند نهاية الشهر رمضان شيطان تسعى لتدميره بالمعصية والأخطاء كما تتصور.. لست ملاكًا ولا شيطانًا.. بل أنت شاب ملتزم، وقع في المعصية أو الخطأ، ويحتاج لأن يقلع عن الخطأ أو المعصية، ويتوب عنها، ويأخذ نفسه بالتدرج، ولا يضع توقعات غير صحيحة أو واقعية.
وراجع معنا البرنامج السلوكي للتخلص من العادة السرية في حلنا المعنون المواقع الساخنة.. الاستمناء .. وداعاً للإدمان، ورؤيتنا عن العادة السرية في حلنا المعنون العادة السرية... طريقي إلى الجنون: أريد حلا، وعندها ستتوازن حياتك، وستتوازن شخصيتك، والزم صحبة الأخيار، واعتبر ما حدث مجرد وهدة (حفرة) بسيطة تقوم منها نافضًا عنك الغبار لا أكثر ولا أقل.. بهدوء.. بغير إفراط ولا تفريط.. باعتدال.. فإن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه.. والمنبت لا أرض قطع ولا ظهر أبقى.. إنها التوجيهات النبوية التي تدعونا إلى الهدوء، والتي تراعي إنسانيتنا وكوننا أبناء آدم الذي كرمنا الله؛ لأننا نحمل الأمانة باختيار التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها، وحملها الإنسان، وهو أهل لحملها بشرط أن يكون إنسانًا لا ملاكًا ولا شيطانًا.