السؤال في العقيدة
السلام عليكم ورحمة الله بارك الله فيكم فضيله دكتور شيخ رفيف الصباغ
سؤالي ما هو معنى قاعدة من شك في كفر النصارى يكون كافرا كفر الشك
وما هو الفرق بين الشك الحق والشك الوسواسي في ذلك الأمر
3/12/2024
رد المستشار
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هذا موضوع شائك، يغلب عليه الجهل فيمن يتناوله، والأمر يسير جدا، ويمكن فهمه بناء على قاعدتين:
الأولى: العقائد مبنية على أمر الآخرة:
كل أصحاب عقيدة سواء أكانت سماوية من الإسلام والنصرانية واليهودية وكذلك أصحاب الأديان الأخرى يرون أن من لا يؤمن بمعتقدهم فهو كافر. يعني كافر بعقيدة الآخر، فاليهودي يرى المسلم والمسيحي كافرا، لأنه لا يؤمن بعقيدته كما يؤمن هو بها، والمسيحي يرى اليهود ونحن المسلمين يرانا كفارا، لأننا لا نؤمن بعقيدتهم، بل النصارى يرون كفر بعضهم بعضا حسب مذهبهم، فالكاثوليك يرون الأرثوذكس والبروتستانت كفارا، وكل واحدة منهم ترى الطائفة الأخرى كافرة، فلماذا ينكرون علينا نحن المسلمين أن نؤمن أن غير المسلمين كفارا، بمعنى أنهم لا يؤمنون بدين الإسلام؟!! فهل النصارى واليهود وغيرهم يؤمنون بالإله الذي نؤمن به؟ وهل يؤمنون بأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله؟!! هم لا يؤمنون بذلك مطلقا. قد يؤمن بعضهم أن الإسلام دين وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول، لكنه دين المسلمين وليس دينهم ومحمد رسول المسلمين، وليس رسولهم.
وما لا يعرفه كثير من الناس أن اليهود والنصارى إن لم يؤمنوا بأن المسلمين كفارا، هم أصبحوا في عقيدتهم كفارا، وهذا هو الشيء نفسه، إلا أن يعذر الإنسان بالجهل، فكيف لي وأنا مسلم أن أعتقد أن من يقول: عزير ابن الله، أو من يقول: المسيح إله، أو ابن إله، أو أن الله ثالث ثلاثة، كيف لي أن أعتقد أن هذا مؤمن في عقيدتي؟! هو مؤمن في عقيدته التي أراها فاسدة، فهو في عقيدته وعند أتباع دينه مؤمن، ولكنه في عقيدتنا كافر، كما أنني في عقيدته كافر، وفي عقيدتنا مؤمن.
والحكم على غير المسلمين بالكفر ليس حكما بشريا ولا اجتهادا من العلماء، كما يدعي البعض، ويحاولون أن يصوروا المشايخ والعلماء في الإسلام أنهم متشددون، بل الله تعالى هو الذي حكم بكفرهم. وهذه بعض الآيات التي تدل على ذلك:
يقول الله تعالى عن بني إسرائيل: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ@830; [البقرة: 61]
ويقول الله عن اليهود والنصارى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ@830; [البقرة: 87-88].
وقال الله في النصارى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ@830; [المائدة: 17].
وقال أيضا: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ@830; [المائدة: 72].
وقال أيضا: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ@830; [المائدة: 73].
وقال أيضا: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ@830; [المائدة: 78]..
فمن علم من القرآن ذلك، وزال عنه الجهل، لكنه يرفض ما جاء في القرآن، مع علمه اليقيني؛ فهو كافر؛ لأنه كفر بما جاء في القرآن، أما من كان جاهلا بالحكم، فالمرجو أن يعذر عند الله بجهله، إلا إذا زال عنه الجهل.
أما ما يسمى من بعض الأشخاص الذين ينتسبون إلى العلم من بعض الدعاة، وكذلك بعض العلماء الذين يخرجون على الفضائيات، ويحاولون أن يميعوا دين الله ويشترون به ثمنا قليلا من الجاه أو السمعة، فبئس ما يشترون.
القاعدة الثانية: العلاقة مع غير المسلم في الدنيا:
لا يعني أننا نؤمن بكفر اليهود والنصارى، وكذلك هم يؤمنون بكفرنا أن يكون هذا سبب عداوة وحرب واعتداء، بل إن الله الذي أخبرنا أنهم كفار، هو من أمرنا بالإحسان إليهم في المعاملة، كما قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ@830; [الممتحنة: 8-9].
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إيذاء غير المسلم الذي يعيش في بلاد المسلمين، وجعل من يؤذي غير المسلم كأنه آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن النبي ليغضب من المسلم الذي يؤذي غير المسلم بغير حق، فيقول رحمة الله للعالمين ورسول الله الكريم – صلى الله عليه وسلم-: "من آذى ذميا فقد آذاني". وحتى يضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل، فإنه كان يبيع ويشتري مع اليهود في المدينة، وكان يزور جيرانه من غير المسلمين...
وهنا نفرق بين الاعتقاد الذي يتعلق بالآخرة، فهذا لا شأن لنا فيه، وأنه يجب علينا ان نؤمن بما أخبرنا الله به، وبين أمور الدنيا، التي تقوم على المصالح، فهنا يجب علينا معاملة غير المسلمين، كما علمنا قرآننا وعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم.
والدين الذي حذرنا من فساد عقيدة غير أهل الإسلام، هو الدين الذي أمرنا أن نحسن إليهم، وبهذا يحل الإشكال.
والله أعلم
ويضيف د. وائل أبو هندي أهلا وسهلا بك يا "أبو الليث علي" على مجانين وشكرا على الثقة، ليس لدي ما أضيف بعد ما تفضل به د. مسعود صبري، فقط أعتذر لتأخرنا عليك في الرد لأن السؤال كان بحوزة د. رفيف الصباغ يرحمها الله التي وجهت سؤالك إليها، ولكن الموت أدركها قبل أن تجيب، وأما بالنسبة لسؤالك عن الفرق بين الشك الحق والشك الوسواسي، فالتفريق بسيط ففي حين يرضى صاحب الشك الحق بشكه ولا يحاول التخلص منه فإن صاحب الشك الوسواسي تراه معذبا بالشك يحاول الخلاص منه ولا يستطيع. ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعنا بالتطورات.