وساوس الحيض والاستحاضة: أحكام الرسم والنحت م2
بعد الوسواس: ملاحظات ذهنية
السلام عليكم، سبق وشاركت رحلتي مع الوسواس القهري بمختلف فصولها في هذا الموقع. وصلت حالتي لمراحل شديدة، لدرجة أثرت على قدرتي على الدراسة، وتسببت في تأخر دراسي لعدة سنوات ورسوب، رغم تفوقي طوال سنوات دراستي إلا أن حضر الوسواس في عمر ١٦.
عشت فترات من التوتر المستمر، تشنجات حركية، وتأنيب ضمير متصاعد، وسواس تعمق قهري يغطي جميع جوانب الحياة، شك في دواخلي، طقوس قهرية وتجنب... تقريبًا غطّيت جميع فصول الوسواس ولعبت دورًا في كل مسرحياته، وكل شيء كان يمر ويُراجع تحت ضوء "مقدّس" أو "علمي" مربك ولا يهدأ".
اليوم، بعد مرور فترة طويلة من تراكم الخبرات والوعي والعمل النفسي مع نفسي والمختصين هنا، وخاصةً د. وائل — حضرت معه جلسات علاج أونلاين، ومقالاته كانت بمثابة تشريح نفسي دقيق ومهيب لمريض الوسواس — ود. رفيف أيضًا التي جمعت وأحصت فسددت وقاربت لنا، كان لهما فضل كبير علي، جزاهم الله عني خير الجزاء ونفع بعلمهم وبارك فيه.
الآن خفّت حدة الوسواس، وصار الضجيج أهدأ، والرؤية أوضح، وبدأت أعود لإيقاع الحياة، لكن بدأت ألاحظ ملامح أخرى من طريقة إدراكي للعالم حولي. أنماط لا تسبب أذىً مباشر أو إعاقة، وأحيانًا أشعر بالاتساق معها، لكنها تتكرر، وأصبحت ألاحظها بوضوح، خاصة بعد أن خرجت من كهف الوسواس وعدت للاندماج مع العالم، فبدأت أدركها بالتباين بيني وبين الآخرين.
لهذا السبب أشارك الآن هذه الملاحظات والمواقف كما هي، بحثًا عن فهم أعمق؛ من الممكن أن يساعدني على فهم نفسي بوضوح أكبر. مع الإشارة إلى أني لا أعاني الآن من أي أعراض نفسية شديدة، على العكس تمامًا، أنا في أفضل مراحل حياتي. إيقاع حياتي الخارجي أصبح أعلى مع تخطي رسوب المدرسة ودخولي لتخصص علمي في الجامعة وانتقالي للعيش وحدي، فأصبح داخلي أهدأ قليلاً.
في المحاضرات، وسابقًا في حصص المدرسة، يكون تركيزي عاليًا جدًا، حد الانتباه لكل كلمة وتفصيلة ولنبرة الأستاذ. أستوعب كل كلمة وأدونها، حتى التفاصيل الصغيرة، خاصة إذا كنت مهتمة. سأحس أنني لا أستطيع الفصل بين المهم والغير مهم، وأدخل كل المحتوى بطريقة منهجية إلى دماغي، لكن في نفس الوقت هذا مرهق جدًا ويعيق تقدمي أحيانًا. أكتب كثيرًا، أسجل كل كلمة أسمعها، حتى لو كانت ملاحظة جانبية. أدوِّن، أعلّق، أحدد، وأراجع. أحيانًا أحس أن عقلي كأنه يسجل الكتاب، ويعيد عرضه وقت المراجعة من كثر التكرار.
ورغم ذلك، للآن في الجامعة، مستواي وتقدمي ممتاز.
لكن ألاحظ أني أنتبه لشرح المحاضر، وأيضًا في نفس الوقت، لكل شيء يدور حولي في القاعة: الدردشات الجانبية، حتى لو كانت في آخر القاعة، رنة التلفون، طقطقة الأصابع، صوت الضغط على القلم... هذه الأصوات، وإن كانت بسيطة، تبدأ تشتغل داخلي بطريقة غريبة. أبدأ أحس بضيق نفسي، كأني محاصَرة، ويصبح لدي شعور غيظ داخلي، كأني على وشك الانفجار، حتى لو لم أُظهر هذا خارجيًا. الصوت لا يمر مرور الكرام، كأنه يدخل فيّ ويحتاج وقتًا ليمر. المشكلة أني في نهاية اليوم أكون منهكة عقليًا من توسع التركيز. في أحد الأيام، الطالبات في القاعة بدأن يصرخن بصوت عالٍ، انفعلت داخليًا جدًا. لما عدت لغرفتي، كان رأسي ثقيلًا، لدي صداع، وظللت أبكي حتى نمت. في اليوم التالي، لم أستطع الذهاب للجامعة.
في يوم آخر، كنت مرهقة قليلًا وسمعت صوت من الغرفة المجاورة كان قرآن بصوت مرتفع جدًا بالنسبة لي. ما شعرت به لم يكن انزعاجًا طبيعيًا… بل ضيق نفسي شديد. أحسست أن الصوت يسحبني لأسفل. كان صوت القارئ له تردد حاد ومنخفض في نفس الوقت (أنا أتحسس من أصوات بعض الأشخاص). كنت منفعلة وفي نفس الوقت أحلل الصوت، شعرت أن صوته يشبه صوت زجاجة مكسورة تمر على لوح زجاج، أو فلين يحتك، وبدأت أتخيل موجات صوته وترددها، لكن لم أستطع تحديدها. فكرت: هل هي فعلاً هكذا حادة؟ يجب أن أرجع لتسجيل صوته وأتأكد من تردد الموجات.
الضوء أيضًا: منذ خمس سنين تقريبًا، وأنا أعيش في الظلام. فقط أستخدم ضوء المكتب، ويكون أصفر، وتحت المكتب، لا فوقه، ورأسه نحو اللوح، لا يظهر. باقي الأماكن مثل المطبخ وغيره فيها فقط ضوء صغير أصفر مستشعر للحركة. الضوء نفسه، أشعر أن عقلي لا يحتمله، لكن أيضًا إذا أنرته، أبدأ أرى كل شيء واضحًا جدًا، كل ذرة غبار، كل تفصيلة، وكل نملة حرفيًا. وهذا مرهق جدًا، لذا أطفئه. الروائح نفس الشيء: أحيانًا أشم رائحة أكل من المبنى المجاور وأشعر بضيق وصداع.
أنا لا أستخدم مواقع التواصل، لا سناب، لا إنستغرام، لا تويتر ولا غيرها. أحيانًا يوتيوب لأن مقاطعه طويلة، وأحيانًا لا أحتمله، وممكن أن أشاهد مسلسلًا واحدًا فقط. أتأثر كثيرًا، لا أتحمل زخم الصور، الآراء، الأصوات، الأفكار، خاصة المقاطع القصيرة المتتالية، حتى لو كان أحد بجانبي يتابعها. إذا استخدمتها، أحس بشعور غريب، كأني عالقة في نقطة، يوجد سيال متدفق في عقلي، أحس أن عقلي يحاول أن يمسك شيئًا، يحاول معالجة كل هذا، لكنه لا يستطيع، يتأخر أو يعلق. فأبدأ بالشعور بأني تائهة، فأتوقف وأحذف التطبيق. وهنا كانت المفارقة بالنسبة لي، أن أرى أغلب الناس تشتكي من إدمان هذه المنصات، وأنا غير قادرة حتى على استخدامها، وفي نفس الوقت هذا يعطيني شعورًا بالغربة أحيانًا، كونها صارت من المسلمات، وأحيانًا أكون خارج السياق في التجمعات بسبب هذا.
أنا أعيش في عزلة شبه تامة. لا أختلط مع الناس إطلاقًا. أحيانًا، عندما أبدأ بالتحدث مع أحد، يأتيني شعور غريب، وأتذكر لحظاتي الجميلة مع نفسي، أحس أني خنت نفسي، وأندم، وأنسحب، وأقول لنفسي: لن أرجع لنفس الفعل. حرفيًا، كل الأيام أقضيها مع نفسي: لا أهل، لا أصحاب، حتى لا أتواصل معهم أونلاين. لكن ليس لدي شعور بالوحدة أبدًا، على العكس، أحس براحة وسكينة واتساق مع وحدتي. وفي نفس الوقت، لا أعتبر الوضع الحالي كحكم مؤبد. لا، أنا فقط وجدت نفسي تلقائيًا أنتهج هذا الأسلوب في الحياة، فليس لدي مانع أن أجرب مستقبلًا شيئًا آخر، أقصد أني منفتحة على التجارب الاجتماعية، رغم أنها ستكون تحديًا بالنسبة لي، لأنني بعد الاجتماع الطويل مع الناس أحس أيضا بإرهاق عقلي، يتبعه بالعادة عزلة بسيطة ولو خلال اليوم.
أيضًا أحيانًا أشعر مع العادات اليومية أو الروتينية بشعور غريب، خاصة التي تتكرر كثيرًا مثل العبادات. أحياناً، أحس أنها غير مألوفة وجديدة. فأبدأ أتساءل: ما هذا الفعل؟ وكيف ظهر؟ ولماذا أقوم به؟ وأنجرّ لدوامة الأسئلة. مثلًا مع الصلاة، أصل بالسلسلة لفكرة وجود الإله. وهنا يكون مختلفًا عن الوسواس. أشعر بالغرابة من الشيء أكثر من كونه قلق ولا يكون مزعجاً جداً، ولا أحاول الوصول لإجابة أو الاطمئنان، فقط تساؤل، وفي النهاية يذهب.
ليس لدي مشاعر سلبية مسيطرة، لا قلق، لا اكتئاب، لكن لدي شعور أن كل مدخل خارجي — صوت، صورة، إنارة، رائحة، فكرة، شعور — ممكن أن يثقل علي، حتى لو كان بسيطًا. ليس لأنه سلبي، بل لأنه يأخذ مكانًا في ذهني، وأنا لا أقدر على معالجته بسرعة. يحتاج وقتًا، وأحيانًا وقتًا طويلًا، حتى يرجع لحجمه الطبيعي وأكمل يومي.
بدأت أفكر أن الوسواس من البداية وجد هذه التركيبة العقلية لدي فاستخدمها ضدي. من خلال بحثي الشخصي، مررت على مفهوم (Low Latent Inhibition LLI) التثبيط الكامن المنخفض، وكذلك مفهوم Sensory Processing Sensitivity (SPS) أو الحساسية العصبية تجاه المعالجة الحسية.
وجدت أن بعض الصفات والتجارب التي أعيشها تتقاطع مع ما يُذكر عن هذه المفاهيم.
لكن لا أستطيع أن أجزم بنفسي، ولا أستطيع التأكد بشكل كامل إلا بعد طرحه لمختص.
25/3/2025
رد المستشار
الابنة المتصفحة الفاضلة "Shaima" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واستعمالك ومتابعتك خدمة الاستشارات بالموقع.
حياك الله يا "Shaima" أثلجت صدري بعميق ملاحظتك وفرط تحليلك وصحيح لغتك، ليس هذا فحسب بل أحسب أنك ساعدتني في فهم الدور المفترض لخلل التكامل الحسي الحركي في عِلِّيَّةِ اضطراب الوسواس القهري وأشكر لك هذا، حيث يؤدي ذلك الخلل إلى نقص التحكم القشري المثبط في الناتج الحركي القادم من الهياكل تحت القشرية مثل النوى القاعدية والمهاد، والتي توصف بأنها "مفرطة النشاط" في مرضى الوسواس القهري، وللتوضيح فإن لقشرة المخ قبل الجبهية دورا في التثبيط الكامن وهو العملية المعرفية التي يتم من خلالها تصنيف المحفزات التي لا تحمل أي أهمية تحفيزية واضحة على أنها غير مهمة ولا تستحق المزيد من الاهتمام فيستطيع العقل التركيز فقط على المفيد،
وحين يكون التثبيط الكامن منخفضا ينتج انخفاض القدرة على تصفية المنبهات غير ذات الصلة، مما يدفع الأفراد إلى ملاحظة ومعالجة معلومات أكثر من معظم الناس. وبينما قد يؤدي هذا إلى الإبداع والابتكار، إلا أنه قد يؤدي أيضًا إلى الإفراط في التحفيز، والإنهاك العقلي المعرفي، والذي عبرت عنه أبلغ تعبير حين قلت (شعور أن كل مدخل خارجي — صوت، صورة، إنارة، رائحة، فكرة، شعور — ممكن أن يثقل علي، حتى لو كان بسيطًا. ليس لأنه سلبي، بل لأنه يأخذ مكانًا في ذهني، وأنا لا أقدر على معالجته بسرعة. يحتاج وقتًا، وأحيانًا وقتًا طويلًا، حتى يرجع لحجمه الطبيعي وأكمل يومي)
عدم القدرة على استبعاد غير المهم هو -من الناحية العصبية المعرفية- على الأرجح فرط نشاط من المستوى اللا إرادي (بنى الدماغ تحت القشرية) مع عجز الإرادة عن ضبطه أي عجز التثبيط القشري الكامن عن تصفية المحفزات البيئية ويتراوح الوعي أو الاستبصار بهذا العجز بين حالة وأخرى، أما كيف يترجم ذلك معرفيا بالنسبة للشخص والآخرين هل يرونه فرط تأمل؟ فرط حساسية؟ نقصا في مهارة الاعتياد؟ ضعفا في مهارة التجريد؟ وأيضًا هل ما يشعر به الشخص عند عجزه عن استبعاد غير المهم هو الشك في أهميته؟ أم العجز عن الاستبعاد رغم التأكد من عدم أهميته؟ -وكلا الحالتين ممكن بالمناسبة- لكن كل هذه أسئلة ما نزال بحاجة إلى إجابات أوضح لها رغم العدد الضخم من الدراسات في هذا المجال.
وأما الشعور الغريب الذي أحيانا يصاحب العادات اليومية أو الروتينية (خاصة التي تتكرر كثيرًا مثل العبادات.فتحسين (أنها غير مألوفة وجديدة) فتبدئين التساؤل: (ما هذا الفعل؟ وكيف ظهر؟ ولماذا أقوم به؟) وتنجرّين لدوامة الأسئلة. (مثلًا مع الصلاة، أصل بالسلسلة لفكرة وجود الإله. وهنا يكون مختلفًا عن الوسواس) فيكون شعورا (بالغرابة من الشيء أكثر من كونه قلق ولا يكون مزعجاً جداً، ولا أحاول الوصول لإجابة أو الاطمئنان، فقط تساؤل، وفي النهاية يذهب) الحقيقة أن هذا من الوسواس لكنه يأخذ شكلا من أشكال الانفصال النفسي يسمى اختلال الإنية العرضي وهو كثير الحدوث بين الموسوسين، ولكني أظن أن كونه أقل إزعاجا بالنسبة لك من الوسواس ليس إلا نتيجة خبرتك الطويلة مع العذاب في براثن الوسواس.
أسأل الله لك التوفيق، ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعينا بالتطورات.