السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى د. أحمد عبد الله تحية عطرة بعطر الإيمان أوجهها لك يا سيدي الكريم، ووالله إن إجابتك على استشارتي: الزواج المختلط: القاهرة – الشام – نواكشوط أثلجت صدري، وعززت ثقتي بقناعاتي، كل ما قلته يا سيدي الكريم رائع، وأعرفه من قبل، ولكن لشدة ما وجدت في مجتمعي من رفض لفكرة الزواج من حامل جنسية مختلفة عني، شككت بما أعرفه، خصوصا أنني لم أخض بحر الزواج من قبل، فقلت: ربما كان الأمر يختلف بالنسبة للزواج، ورأيت أن أستشير من أثق برجاحة عقولهم وإخلاص قلوبهم ومتانة دينهم.
والحمد لله كانت الإجابة التي توقعت، والآن أستطيع أن أطرح الموضوع بقوة، وأستطيع أن أدافع عنه. سألتني إن كانت هناك مثل هذه الحالة التي أمر بها من خلال اشتراكي في خدمة الزواج، ليس بعد، وكن متأكدا يا سيدي الكريم أن أول من سيعلم بمثل هذا الأمر حين يحصل هو أنتم، وهل لي غيركم مرشد ومنقذ في متاهات الحياة؟!
أنا أشبّهكم بمن فتح ملجأ للأيتام، ولكن على صعيد العالم كله. وأنا أريد إذا حدث شيء من هذا القبيل أن أكون على استعداد له، خصوصا أنني أرغب أصلا، بل لا أرضى أن أرتبط إلا بمن هو من خارج بلدي؛ فأنا قد يئست أن أجد شابا متدينا وذا عقل منفتح في هذا البلد.
والسبب في ذلك هو سيطرة الفكر الصوفي على الشباب المتدينين هنا، وهذا ما أريد أن أطرحه كموضوع جديد في أعمالكم الجليلة التي تقوم بها أنت ود. وائل إن ما تفعلانه الآن كان حلما طالما راودني، وكنت أنوي أن أتابع في مجال الدراسات العليا في التربية وعلم النفس لأحققه، ولكنكما سبقتماني؛ فجزاكما الله كل خير ووفقكما وسدد خطاكما.
وأنا سعيدة لأن أطباء متخصصين أخذوا هذا العمل على عواتقهم؛ فأنتما ولا شك أكبر كفاءة مني، وأكثر قدرة على القيام بمتطلبات هذه المهمة الجليلة، وأنا أتطلع بشوق إلى اليوم الذي أقتني فيه كتبكما، وأجد مكتوبا ما كنت سأنذر نفسي لكتابته، فجزاكما الله خير الجزاء.
أعود إلى الموضوع الذي أرغب في إضافته إلى كتبكما، وهو: الفكر الصوفي والمرض النفسي، لا أعرف إن كانت لديك سيدي الكريم خلفية عن الفكر الصوفي أم لا؟ ولكنني أستطيع أن أجزم أنه لا يورّث إلا المرض النفسي، وهذه شهادة من مجرّبة؛ إذ كنت إحدى الضحايا، والحمد لله كتب الله عز وجل لي الشفاء على أيديكم.
قد تتساءل: ومن قال لك: إن ما عانيته كان مرضا نفسيا بالمعيار الطبي للمرض النفسي؟ أنا قلت لنفسي.. أقصد: أنني عندي عادة، وهي أنه لا يمر بي شيء من أمور الحياة إلا أوسعته بحثا وقراءة، المرض العضوي والنفسي والنواحي الدينية والتربوية و… كل مشكلة أتعرض لها أخرج منها وفي يدي معرفة وثقافة عنها. وبالنسبة للمرض النفسي الذي عانيته كان الاكتئاب، كل ما ذكر في موقع مجانين في صفحة الاكتئاب كنت أعاني منه، ولم أشف تماما حتى الآن.
ولكن بدأت أشهد تحسنا ملحوظا منذ رمضان الماضي لسببين:
1- تعرفت على موقعكم.
2- تعرّفت على الدعاة الجدد.
من موقعكم بدأت أرمم الفجوات النفسية الكثيرة التي كنت أعاني منها. ومن الدعاة الجدد بدأت أرى الفكر الإسلامي المستنير البعيد عن الخرافة. وهكذا.. الآن أنا بدأت أقترب من الصحة النفسية الكاملة بنسبة 95%، الحمد لله أدام الله هذه النعمة على كل المسلمين ومتعهم بها. وأنا لم أصل إلى درجة الصفر، ولكن أظن أنني كنت أقف عند درجة 30% بعد أن وصلت فترة من الزمن إلى درجة 15%. لا أعاد الله هاتيك الأيام.
وأنا مستعدة لأي طلب تطلبونه مني في سبيل تحقيق هذه الغاية، أي أسئلة أو استفسارات أو مهمات أو… أو… ولكن لا أدري هل طلبي هذا صعب التحقيق؟ وإذا كان كذلك فما السبب؟ ودمتم لنا سالمين.
وهناك سؤال يراودني دائما: لنفرض أن أحدهم أرسل إليَّ عرضا للزواج وقبلته وتناقشنا ورأى كل منا أنه مناسب للآخر، أي وصلنا إلى المرحلة الأخيرة: كيف لنا أن نتأكد من صدق بعضنا؟ بصراحة أنا لم أكن مقتنعة بفكرة الزواج على الإنترنت، ورفضت طويلا خوضها، وفي النهاية قبلت، ولكنني حتى الآن لا أعرف كيف سأتأكد من صدق الطرف الآخر؟ وكيف سأثق به؟ برأيي هذه مشكلة أكبر من مشكلة اختلاف الجنسيات، وإقناع الأهل بها.
5/4/2025
رد المستشار
الأخت الكريمة..
سعدت بك وبرسالتك، وأشكرك على ثقتك، ونرجو أن نكون عند حسن ظنك دائمًا. لا تنزعجي ولا تسبقي الأحدث؛ فكما أن الزواج من أقدار الله سبحانه فإن مساره يكون مختلفًا من إنسان إلى إنسان، والقاعدة العامة الوحيدة هنا أن الانتقال إنما يكون من خطوة إلى خطوة بترتيب وهدوء، وعلى مهل.
فالانتقاء السليم ثم الحوار العميق والسؤال الواسع ينبغي أن يتزامن مع نمو المشاعر فكأنما تصعد في سلم القبول درجة درجة.
ولكنك تلفتين النظر إلى نقطتين تنفردين بإحداها، وتشيرين مذكرة لنا بالأخرى، والنقطة التي تنفردين بإشارتها هي مسألة العلاقة بين الصوفية "والمرض النفسي"، والأدق و"الصحة النفسية"؛ لأن في بعض الممارسات الخاطئة ضمن برامج بعض الطرق ترتسم ملامح إحداث المرض النفسي أو المعاونة في التمهيد له، وبالمقابل فإن بعض المفاهيم والبرامج الأخرى يمكن أن يكون من كنوز العلاج المعرفي والسلوكي، وأقول هذا على قدر معرفتي بالصوفية، وهي معرفة ليست واسعة أو عميقة بدرجة كافية.
والنقطة الأخرى هي موقع الخرافة من تشكيل العقلية الإسلامية المعاصرة، وهو موضوع هام وخطير، وليست الصوفية وحدها هي مصدر الخرافات الكثيرة التي تملأ بعض كتب التراث، وعقول بعض المسلمين. ومن تدابير القدر أنني حضرت محاضرة قريبة أقامها مركز الدراسات الإسلامية بالقاهرة، وكان الموضوع النقاشي يدور عن "ثقافة المسلم بين العلم والخرافة"، وتضمن النقاش أطروحات جريئة وأخرى محافظة في شأن التعامل مع التراث الإسلامي من حيث هو مصدر أساسي -في بعض أدبياته- للخرافات التي تملأ عقول المسلمين عن الدين وعن العالم. وكان من ضمن الأمثلة التي تعرضت لها المحاضرة نصًا لكلام منقول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي هذا الكلام المنسوب إليه -هكذا زورًا ودون سند- سب غريب لجنس النساء، ومخالفة صارخة لأوضح أحكام الإسلام ونظراته للمرأة ومكانتها.
وفي بطون هذه الكتب القديمة تقبع نقول منها الإسرائيليات، ومنها ما يقترب من حكايات التراث الشعبي لعصرها، وهي تخلط العلم الصحيح بالروايات الأسطورية غير ذات الثبوت، والعودة إلى القرآن وصحيح السنة الشريفة هي البداية الصحيحة لتعديل هذا الفهم والتفكير الخرافي الشائع بين المسلمين، وأحسب أن صفحتنا تساهم في هذا الميدان بنصيب موفور، ولكن ربما من زاوية أخرى، وبطريقة مختلفة عما يقوم به الدعاة، وفي كل خير.
في ضوء ما تقدم، وانتهازًا لفرصة استعدادك للعمل أرى أن نبدأ بوضع ورقة ترسم تضاريس الموضوع المنشود بحثه مثل: الصوفية والصحة النفسية مثلا، ودعينا نعمل على هذا النص المبدئي بغية تطوير وإنضاجه وتكميله.. والكرة في ملعبك الآن.
سعدت بلقائك، وأهلا بك دائمًا.
ويتبع>>>>: الصوفية والصحة النفسية: إنقاذ الإسلام... م1