جزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه للمسلمين. أحبتي أعيش حالة من الكآبة منذ أشهر ولا أجد من يقف بجانبي في مشاكلي.. وأنا من عائلة كريمة وأعمل في وظيفة مرموقة، وكنت قد مررت منذ سنتين بتجربة مؤلمة مع شاب تعلقت به كثيرا، ولكن لم نوفق.
وبعد هذه التجربة حاولت النسيان عن طريق الانشغال في الإنترنت، ومن خلال الشات تعرفت على شاب متزوج ويبلغ من العمر 38 عامًا، ولديه أولاد، وجدت فيه شخصًا مختلفًا، واحترمت نظرته للمرأة الشرقية واحترامه لعقلها وحقوقها، ثم بدأ يحكي لي عن نفسه وعن مغامراته النسائية مع الساقطات، ونتجت هذه المغامرات من عدم تفاهمه مع زوجته وعدم وفاقهما معا؛ حيث إنها جافة الطباع ومتعالية؛ فقد تزوجها زواجا تقليديا، وكانت هذه العلاقات المشبوهة هروبًا من هذه الحياة وهذه المشاكل، وقال لي بأنه لا يريد أن يطلق زوجته حتى لا تنهار.
المهم استمرت العلاقة بيننا وزادت لدرجة أنه زارني ذات مرة في عملي، ويومها تأكدت من أنه شاب هادئ وخجول وطيب جدًا، والتصرفات السيئة التي يقوم بها ليست من طبيعته. المهم قررت أن أساعده على التغير، وأن أقربه إلى الله وأصرفه عن الزنى وأصلح العلاقة بينه وبين زوجته.
وحاول ذات مرة إقناعي بالزواج من أحد أصدقائه ومرة أخرى من أخيه، ولكني لم أقتنع بالاثنين، وبعد فترة صارحني بحبه والرغبة بالزواج مني فنهرته وهددته بالابتعاد عنه، وذكرته بزوجته. أنا أعلم بخطئي في الاستمرار معه، ولكن لا أعرف لماذا فعلت ذلك؟ فقط أشعر أني مسؤولة عنه ولا أستطيع أن أتخلى عنه، فهددته بالابتعاد عنه إذا كرر هذا الطلب، فدمعت عيناه، وقال: لا أريد من الدنيا غيرك وغير إسعادك.
وأصبح يقابل قسوتي في الحديث بصدر رحب، ويعاملني معاملة لا مثيل لها، وحدث أن تعرضت لأزمة شديدة جدًا لم أستطع أن أصارح بها أحدا، وهو الوحيد الذي وقف بجانبي فيها، فأصبحت بعدها أفكر فيه كثيرًا حتى أني صارحت أمي، ولكني قلت بأنه مطلق لمحاولة استنشفاف رد الفعل، فكان منها أن قالت: إن ما أشعر به هو العطف تجاهه، ومن مصلحتنا نحن الاثنان أن نبتعد عن بعض؛ حيث إنه زوج غير مناسب لي.
في هذه الأثناء كانت العلاقة بينه وبين زوجته تسوء بشدة، وصارحني بأنه لا يرغب في الاستمرار معها حتى لا يضطر إلى العودة لما كان يفعله في معصية الله، فحاولت إقناعه بالمحاولة معها مرة أخرى، وأكدت له أنه لو تركها فلن أتزوجه.
وبالفعل ترك لها البيت، ولكن لم يطلقها، وفي هذه الفترة تعرفت على شاب آخر ظننت أنه خير لي، ولكن بعد شهر من الارتباط لم نتوافق، وخلال هذا الشهر قطعت علاقتي بالأول. وبعد مدة أرسل لي الشخص الأول يخبرني أن حياته مع زوجته انتهت، وهنا أحسست بالحب نحوه، وأصبحت أراه كل يوم، وتطورت العلاقة بيننا، ووصلت لمقدمات زنى، وكنت أشعر بضيق من حين لآخر، وأصب عليه غضبي فلا أجد منه غير الحب، ووعدني بأنه لن يلمسني مرة أخرى. وحدث أن تقدم لي عريس وحزنت جدًا؛ فكيف أكون مع غيره؟ فواجهت أهلي بحبي له، فثاروا عليّ، وقالوا بأني سرقته من عائلته.. مررت بأسوأ أيام حياتي، وشعرت أني أحبه حبا يفوق الوصف، ولا أريد زوجا غيره، وكان يريد أن يقابل والدي، ورفضت؛ لأنه لا يزال متزوجا، فقررت الابتعاد عنه نهائيًا وهو يبكي ويرجوني ألا أتركه.
شعرت بألم فظيع لفراقه، وفقدت الرغبة في الحياة، وأُصبت باكتئاب حاد، ولجأت إلى الله والاستخارة في أمر الزواج منه، وابتعدت بالفعل، وفي هذه الأثناء عرفت من صديقة لي أنه لا يزال يحبني ولا يزال على أمل أن أعود إليه.
استخرت الله كثيرًا قبل أن أبعث له رسالة، ووجدت أنه قد تغير كثيرًا وأصبح الآن يصلي وأقلع عن الخمر وأنه ينوي العمرة، وأخبرته بنيتي للحجاب فشجعني جدًا، وأخبرني أن الطلاق معلق من ناحية زوجته لإصرارها على أخذ الشقة ومبلغ من المال، ويبدو أن زوجته لن تسمح له بالطلاق قبل أخذ كل شيء منه، وهو سلبي بعض الشيء ولا يستطيع مواجهتها، ويأمل إنهاء الأمور بسلام من أجل الأولاد الذين يقوم بتلبية جميع متطلباتهم ومتطلبات البيت ولو على حساب وقت عمله، وزادت الخلافات مع زوجته؛ وهو ما جعلني أخشى أن تحول حياتنا جحيما خاصة مع سلبيته.
أنا يا سيدتي في عذاب شديد؛ فأنا أحبه جدًا، وأشعر أنه شخص يستحق أن أخوض معه التجربة؛ فهو شخص طيب وحنون وكريم، ولا أريد أن أرتكب خطأ بالزواج من غيره، وإن لم أستطع الزواج منه فلن أتزوج أصلا، وعمري الآن 28 عاما، وأهلي لن يصبروا عليّ طويلا، وأخاف من الاستسلام لضغوطهم وأتزوج غيره فأندم باقي عمري.
07/6/2025
رد المستشار
الأخت الكريمة، نشكرك على ثقتك بنا، وندعو الله أن يجعلنا عند حسن ظنك، كما نود أن نؤكد لك أننا معك وبجوارك حتى تنتهي معاناتك وكآبتك؛ فلا تبتئسي ولا تستسلمي لليأس، فلكل مشكلة حل بإذن الله وعونه، وكل ألم وعذاب له نهاية، ولن تجدي منا إلا صدورًا متسعة، ولن تجدي منا إلا كل تفهم وتقدير لمشاعرك وآلامك، ومن قصتك يمكننا ملاحظة ما يلي:
* لقد ذكرت أن علاقتك بوالدتك ليست قوية، ولذلك فلا يمكنك أن تصارحيها بما تعانينه. ووالدتك بعيدة تماما عن أمر كهذا. والحقيقة أن هذه الشكوى وهذه الملاحظات تفتح الباب لمناقشة الكثير من مسببات هذه الأزمة الأسرية الشائعة للأسف الشديد.. لماذا لا تكون الأم هي الأقرب لابنتها؟ وما هو الخلل الذي يمنع من التواصل ويعيق الحوار بين الأبناء والآباء؟ وما هي البرامج التربوية التي تتيح لنا التغلب على هذه الفجوة؟ سؤال مطروح نلفت النظر إليه، وإن كانت الإجابة عليه غير ممكنة في هذه العجالة.
* لقد اتبعت هواك، وارتكبت سلسلة من الأخطاء، بدءًا من التصور الساذج أنك مسؤولة عنه وأن عليك هدايته، مع السماح بتطور العلاقة في المجال الخاص، ومرورًا بالحديث معه في أخص شئونك، وهو ما شجعكما على التمادي في العلاقة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من مقدمات الزنا، وكل هذا مما يستوجب التوبة والاستغفار وعقد النية على عدم العودة لهذه المعاصي مرة أخرى. ومن البديهي أن ينطبق هذا على علاقتكما الآن، فهو أجنبي عنك حتى تحسمي أمورك بين نفسك ومع أهلك، فأري الله من نفسك حسن التوبة، وتوقفي عن مقابلته تماما، ولا تستسلمي لنداء العاطفة لأنها ستجركما مرة أخرى للمعاصي.
* كل معرفتك بهذا الإنسان وانطباعاتك عنه جاءت من خلال ما قصّه عليك هو، أو من خلال نظرتك أنت له، وكما تعلمين فإن "عين المحب عن كل عيب كليلة" و"حبك الشيء يعمي ويصم"، فهلا حاولت التعرف عليه أكثر من خلال نظرة موضوعية بعيدة عن تأثير العاطفة؟ وهل حاولت التعرف عليه أكثر بسؤال الغير عنه؟
وأعتقد أنه من المفيد أن نذكرك أن قصته عن غياب التوافق بينه وبين زوجته هي قصة قديمة ومكررة، تُحكى دائما في بداية التورط في علاقة جديدة، والله وحده يعلم هل ظهور طرف جديد بما يحيط هذا الظهور من مقارنات بينه وبين الزوجة (أو الزوج) هو الذي يفجر هذه المشاعر؟ أم أنها وسيلة للإيقاع بالحبيب الجديد؟ المهم أنه من الضروري أن تتعرفي على هذا الإنسان جيدا، وكما قلت لك بمنتهى الموضوعية حتى يكون اختيارك عن بينة.
* إذا وجدت بعد البحث والسؤال أن صفاته تتوافق مع ما تريدين في شريك حياتك؛ فعليك ساعتها أن تتدارسي الأمور جيدًا، على أن تضعي كل الاحتمالات نصب عينيك؛ فلقد اخترت الارتباط برجل له زوجة وأولاد؛ فهل تريدينه خالصا لك من دونهم؟!! كل الاحتمالات واردة؛ فهي زوجة تريد أن تحافظ على زوجها وأولادها وبيتها، وقد تكون محبة له، ولم يتبين لها ما يدعيه هو من عدم توافق. وهنا فلا بد أن تتوقعي ثورتها، ومضايقاتها له، أو محاولتها استمالته ليعود إليها، وقد يفكر في العودة إليها حرصًا على مصلحة الأولاد.
والأمر الذي أبرأ بك أن تتورطي فيه هو محاولتك أن تمنعيه من رعاية أولاده، سواء ظلوا معها، أو فضل هو أن يضمهم له إذا تزوجت أو رفضت ضمهم لرعايتها؛ فهؤلاء الأبناء هم أبناء الرجل الذي تحبينه، وسيظلون أبناءه، وسيظل مسؤولا عنهم، سواء بقي مع والدتهم أو انفصل عنها، ودورك أنت أن تدفعيه للحدب على أولاده ورعايتهم لا أن تمنعيه عنهم، وتصرفك هذا -إن حدث- لا يعنى إلا أنك إنسانة أنانية لا تفكر إلا في مصلحتها ولو على أجساد الآخرين، وهذا ما نبرأ بك أن تتورطي فيه.
فلا بد أن تتقبلي تحمل مغانم هذه الزيجة ومغارمها، أو الكف عن التفكير في هذا الرجل، ولن يختار غيرك، هل تريدين أن تشاركي هذا الإنسان حياته على أن تشاركيه كل ما فيها وتتحملي معه ظروفه؟ والزواج عموما لا يعتبر رحلة في بحور السعادة، ولكنه رحلة يشارك كل طرف فيها الآخر ظروفه؛ فالزواج مسؤولية مشتركة، وعلى كل طرف أن يتحمل نصيبه من هذه المسؤولية.
وفي حالتك عليك أن تدركي جيدا أن لهذا الرجل ولدين، وسيظلان ولديه مهما كانت الظروف، والمرأة العادلة الحكيمة هي التي تدفع زوجها للاستمرار في تحمل مسؤولية من هو مسؤول عنهم، ولا تدفعه دفعًا للتخلي عنهم؛ لأنه لو تخلى عنهم اليوم فإنها لا تأمن أن تدور عليها الدوائر ليتخلى عنها وعن أولادها غدا.
* إذا تيقنت أنك تريدين فعلا هذا الإنسان، وأنك على استعداد لتحمل كل ظروفه بما فيها أن تصبحي في وقت من الأوقات زوجة ثانية لو فضل أن يعيد زوجته حرصًا على مصلحة أولاده، وبغية أن يكرمها لأنها أم هؤلاء الأبناء؛ فستكون أيسر مهمة لك هي مهمة إقناع والديك؛ لأنهما في النهاية لا يريدان إلا سعادتك، ولو وجدا أنك تعلمين جيدا أين سعادتك وأنك مصرة على طلبها من هذا الطريق فسوف يعطيانك موافقتهما ومباركتهما إذا لمسا منك هذا الإصرار.
أختي الحبيبة، خلاصة ما أردت أن ألفت انتباهك إليه أن عليك أن تحسمي أمورك، وتراجعي نفسك جيدا: هل حبك لهذا الإنسان سيمكنك من تحمل حياته وظروفه كما هي؟ وهل حبك لهذا الإنسان سيفيض عطاء وحدبا لأولاده الذين لم يكن لهم ذنب في أن والدهم قد تزوج زواجا تقليديا، وأنه لم يتوافق مع زوجته، وأنه وجدك في طريقه فأحبك واختارك زوجة له؟ هؤلاء الأبناء لا ذنب لهم في كل هذا، وكل ما يريدونه هو رعاية وحب والدهم فلا تحرميهم منه، وشاركيه في رعايتهم إن كنت فعلا تحبينه، وتابعينا بالتطورات.