مشكلتي هي الوحدة والهم والحزن؛ فأنا لم أتزوج حتى الآن، وقد تجاوزت الخامسة والثلاثين..
ماذا أفعل وكل من حولي متزوجات ولهن أطفال، أو مخطوبات، وأنا لا حول لي ولا قوة،
تعبت من الانتظار..
إلى متى هذا العذاب يا رب؟
12/6/2025
رد المستشار
الأخت الكريمة ، أقدر معاناتك وأنت تقضين الليالي وحيدة مهمومة وحزينة في انتظار الحبيب والعريس المنتظر لتنعما معا بدفء الحياة الزوجية، وبضحكات أطفالكما التي تغرد في عشكما الجميل، هذا حقك المشروع، ولو الأمر كان بأيدينا لزوجنا كل من يريد الزواج ويبغي العفاف -رجلا كان أو امرأة-، ولكن لأن الأمر ليس كذلك فلا نملك لك إلا الدعاء أن يرزقك الله الزوج الصالح الذي يسعدك ويعينك على طاعته .
ولكن حتى يحدث هذا تعالي نتأمل الأمر من عدة زوايا مختلفة قد يعينك تدبرها على حالك، ويخفف بعضا من معاناتك حتى يأذن الله بالفرج من عنده:
أولا: لقد أكدنا مرارا في صفحتنا هذه على أن الزواج والأبناء رزق، والرزق قد يأتي مبكرا وقد يتأخر، ولا حيلة في الرزق إلا بالدعاء. فالبداية تكون بالدعاء المستمر لله سبحانه، ارفعي أكف الضراعة، واسأليه زوجا صالحا يسعدك ويعينك على طاعة الله، وأنت موقنة من استجابته لدعائك ولا تملي من الدعاء؛ لأن الأمر كله بيد الله -عز وجل- فهو القائل سبحانه: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" (البقرة: آية 146)، وقد يعينك على أمرك أن تقدمي بعض التنازلات في مسألة الارتباط؛ فإذا تقدم لك أرمل أو مطلق طالبا الزواج منك، وتوافر فيه التدين، وحسن الخلق، ووجدت قبولا في نفسك تجاهه؛ فلا تترددي في قبوله بعد استخارة المولى –عز وجل-.
ثانيا: هناك حكاية قديمة تُحكى عن "رجل حمل همومه في جوال وسار بها، وقابل في طريقه أحد الحكماء الذي سأله عما يحمل، فقال له: أحمل همومي، وهي ثقيلة جدا علي. فعرض عليه الحكيم أن يستبدل بهمومه هموم أحد البشر الآخرين التي يسهل عليه حملها، فوافق الرجل على الفور وهو في قمة السعادة؛ لأنه سيتخلص من الحمول التي أحْنَت ظهره، وذهب إلى الأرض التي تجمعت بها أجولة هموم البشر، ووضع عنه حمله الثقيل وسطها، ثم بدأ يزن كل جوال ليختار منه أخفها عليه، وعندما استقر رأيه على أخف جوال، طلب منه الحكيم أن ينظر إلى ما به من هموم؛ فوجدها همومه هو".
والدرس المستفاد من هذه القصة أن الإنسان إذا نظر حوله فإنه سيجد حتما من البشر من تتضاءل همومه ومنغصاته بجوار منغصاتهم وهمومهم؛ لأن الحياة الدنيا لن تخلو من هم وجوانب نقص؛ فهي دار كدٍّ وتعب وشقاء، أما السعادة بدون كدر والهناء بدون منغصات فلن يكون إلا في الجنة متعنا الله جميعا بها، فإذا كان الأمر كذلك فارفعي عن عينيك النظارة السوداء، وتوقفي عن البكاء على اللبن المسكوب، وتأملي في أسباب السعادة التي أتاحها الله لك، وتذكري أن الزواج وإنجاب الأطفال وإن كان نعمة من الله فإنه في أحوال كثيرة كان سببا لشقاء مقيم من جراء المعاملة السيئة للزوج الذي لا يتقي الله في زوجته، أو أبناء لا يعرفون إلا عقوق الوالدين، وهؤلاء المعذبات بالزواج يوددن لو عادت بهن الحياة ليتمتعن بصفو الدنيا قبل الزواج، فهلا اعتبرت بذلك، وحمدت الله على أنه لم يبتلِك بهذا البلاء.
ثالثا: تؤكدين أنك تعايشين الهم والغم والوحدة، وأنت تتألمين لحالك وتغبطين من سبقنك للحياة الزوجية، ولكن هلا نظرت إلى ما تخسرينه بسبب معايشة هذه المشاعر السلبية، إن خسارتك فادحة؛ لأنك تخسرين صحتك النفسية والبدنية أيضا، كما تخسرين وقتك الغالي الثمين، والوقت -كما تعلمين- هو رأس مالنا الذي يتسرب من بين أيدينا ونحن عنه لاهون، وكل يوم تطلع فيه الشمس ينادي ويقول: "يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد؛ فاغتنمي فإني لا أعود إلى يوم القيامة"، تبددين صحتك وأوقات فراغك فيما لا يفيد!! وصدق حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"، وتخسرين أيضا الثواب العظيم الذي وعد الله به عباده الصابرين، فقال: "ِإنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُمْ بِغَيْرِ حَسَاب"، فهلا نفضتِ عنك الهم والغم؛ وسألت الله أن يرزقك سكينة من عنده؛ لتتجنبي هذه الخسائر، وتحفظي صحتك، وتُحسني استغلال وقتك؟
رابعا: تعالي ننظر للأمر من زاوية مختلفة، وسوف أطرح عليك تساؤلا هاما، بل هو أهم تساؤل في الحياة، وهو: لماذا خلقنا الله سبحانه رجالا ونساء؟ هل خلقنا فقط للزواج والإنجاب؟ أم شاءت قدرته أن يخلقنا لما هو أخطر من ذلك؟ لقد خلقنا لمهمة عظيمة هي مهمة الاستخلاف في الأرض وعمارتها؛ فقال: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة"، وجعل الزواج والتناسل أحد سبل عمارة الأرض؛ ولكنه ليس السبيل الوحيد؛ فهناك سبل كثيرة لذلك، وعلى العاقل أن يجتهد في البحث عما يناسبه من سبل عمارة الأرض، فلا يخرج من الدنيا إلا وقد خطَّ خطًّا في صفحتها، ليحقق مراد الله من خلقنا.
فاجعلي لحياتك قيمة ومعنى؛ وذلك بوضع خطط وأهداف مرحلية، اشغلي بها ذهنك ووقتك، وعايشيها وعيشي بها، وانظري في هواياتك واستمتعي بها ونمِّيها، ونمِّي عقلك بقراءة مفيدة أو نشاط ثقافي هادف، أو شاركي في نشاط اجتماعي أو خيري، وتخيري ممن حولك الصحبة الصالحة التي تعينك في هذه الأعمال، ومن أفيد الأنشطة التي تعود عليك بخيري الدنيا والآخرة رعاية الأطفال الأيتام؛ فهم يحتاجون لأم وأنت تحتاجين لأطفال، فامسحي على رؤوسهم، وضَمِّدي بيدك الحنونة جراح قلوبهم؛ ليكونوا لك أطفالا لم تنجبيهم، وتتمتعي بصحبتهم في الدنيا، ويمتعوك بصحبة حبيبنا المصطفى -عليه الصلاة والسلام- في الجنة، حيث قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وفرج بين إصبعيه.
ونرجو منك مراجعة إجابات سابقة لمستشارينا، منها:
فضفضة فتاة على أعتاب العنوسة
تأخر الزواج: سحر البوال ووقف الحال!
تأخر الزواج: عزوف الشباب عن الحلال!
تأخر الزواج والأخذ بالأسباب!
تأخر سن الزواج…على من نطلق الرصاص
تأخر الزواج: صوت عالٍ، وصدى أعلى
تأخر الزواج: الكلمة الأخيرة دائما للنصيب!
أختي الحبيبة.. هذا هو السبيل، أدعو الله أن يعينك على أمرك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الرضا بالمقسوم، وقريبا نسمع خبر زفافك السعيد بإذن الله تعالى.