بسم الله الرحمن الرحيم،
وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد، أما بعد: أستاذي العزيز أحمد عبد الله، رغم أني لم أرك -رغم أنك من بلدي- فإني فخور بك، وكم أتمنى أن أصبح إنسانا له شخصية مثل شخصيتك، رغم أني لم أر منها إلا ردودك وحلولك للمشاكل فإني أرى أن هذا كاف لي، ولا أنسى توجيه التحية إلى كل الفريق.
منذ أكثر من سنة تخرجت في الكلية التي لم أحب أن أدخلها، ولكن لما دخلتها حاولت أن أحبها، بل أقنعت نفسي أنها كلية جميلة ذات دراسة شاملة، بل إنها كافية لإدراك وفهم ما يدور حولي، وتخرجت العام الماضي وأصبحت محاميا، إلا أني لم أحب أن أمارس المهنة إلا من خلال شركة أكون فيها محاميا أو إداريا.
وبدأ مشوار الأميال بالبحث عن العمل والمكان المناسب لي، وأقسم لك يا سيدي إني لم أجد بابا إلا طرقته في التقديم للوظائف والبحث الجاد في العمل، ومهما أصف لك من التعب والمجهود في البحث لظننتني أبالغ، ولم أحتمل هذا العناء في البحث إلا لأنني أبغي الحلال، ولم أبتعد عن ممارسة المهنة إلا لهذا السبب.
ستقول لي: إنك يمكن أن تمارس المحاماة في الحلال، أقول لك: لن تعمل ولن تأخذ قضية واحدة؛ فالمهنة تشترط فيمن يمارسها أن يكون راشيا وكذابا، ولا أقصد مجرد الكذب البسيط، بل الكذب في كل شيء وأي شيء والنفاق، وبصراحة شديدة لم أحتمل هذا؛ لأني للأسف الشديد تربيت بطريقة خاطئة، وهي طريقة لا للحرام في زمن الحرام.
ومن كثرة التقديم في كل شيء، والله لقد قدمت في وظائف لا تناسبني، ورغم ذلك يا سيدي فإنني لم أجد وظيفة أبدأ بها حياتي.
في آخر المطاف قلت أتحمل وأنزل المحاماة، وبدأت أبحث عن محامٍ أمين في عمله إلى أن وجدت، ولكن تخيل بمكافأة بسيطة جدًّا، أخي الأصغر -عمره 11 عاما- يأخذ أكثر منها في ورشة يعمل بها، ولكن رضيت بها، وبدأت بها، واشتغلت في المهنة، إلا أنني لم أتحمل أن أكمل فيها؛ ليس بسبب الرشاوى المطلوب مني دفعها ومحايلة الموظف لكي يؤدي واجبه المنوط به، رغم أنه واجبه الذي يتقاضى عنها مرتبه؛ بل لأنني أعمل من الساعة السابعة صباحا إلى الثانية عشرة مساء، تخيل طوال النهار لف على المحاكم في كل مكان.
لقد أُصبت بإحباط، كيف أعمل كل هذا الشغل، ولا يكون هناك أجر يوازي مجهودي وتعبي هذا؟ أصبحت أحس بأني فلاح أخذ يبذر البذور في الأرض ويرعاها ويحرثها، ويقوم على خدمتها، وأخذ ينتظر ثمرة مجهوده فلم يجد؛ حيث إن الأرض بور لا تنبت.
فماذا أفعل؟ وكيف أبدأ حياتي؟ وأنا مطلوب مني أن أتزوج بسبب ما يحيط بي من فتن ومناظر مخلة، ولا أستطيع أن أصف لك ما يحرقني وأنا أرى فتاة متبرجة، وأنا لا أستطيع أن أغض بصري، ولا أستطيع أن أحصن نفسي.
أصبح لدي شعور بأن كل شيء يضيع، حتى إنني أصبحت أنتظر الموت؛ حيث إن أشخاصا كثيرين من حولي يموتون، فأحسست أني كثير النسيان في كل شيء، ولدي شعور بأنني لم أنجح في حياتي، وأني عالة على أهلي، وأحس بأني تائه، ويوما وراء يوم أزداد تيهًا، أصبحت شارد الذهن لا أفكر إلا في فشلي، حتى الدراسات العليا فشلت فيها السنة الماضية، وآخر فرصة لي السنة القادمة رغم أني كنت متفرغا لها وذاكرت كثيرا جدا.
وأصبحت كثير الهلوسة أثناء النوم، لا أعرف هل هي أحلام، أم كوابيس أم أحلام يقظة، أصبحت لا أعي ما أنا فيها، ولا أعرف ماذا أفعل في هذه الدنيا. أنا متعب جدا من كل شيء، وأصبحت لا أعرف أين الحلال وأين الحرام، فكرت أن آخذ قرضا من الصندوق الاجتماعي للتنمية بفائدة صغيرة، فقالوا لي: إن هذا ربا محرم.
وأصبحت أفقد الثقة في كل مسؤول يظهر، ويتكلم عن مشاريع التنمية التي نحن بصددها؛ حيث إني بعد مرور الوقت أكتشف أنه مرتشٍ، كيف يكون مرتشيا ومرتبه يصل إلى أرقام خيالية لم أصدقها يوما، تصل إلى نصف مليون جنيه شهريا؟ ولكن أخيرا لا أملك إلا أن أقول كما قال موسى عليه السلام "يضيق صدري ولا ينطق لساني".
16/7/2025
رد المستشار
أهلا وسهلا بك يا أخي الكريم، وأرجو أن أكون عند حسن ظنك.
طبعا أنت تدرك أن ما تشكو منه هو للأسف ما يعاني منه جيل بأكمله، وربما الملايين من شباب أمتنا التي تعاني من علل متعددة، منها البطالة المتصاعدة، وغياب التنسيق بين خطط التعليم وبرامجه، واحتياجات سوق العمل، فضلا عن التعاون العربي المنتظم؛ فيصبح من المتاح أمام الشاب أن يجد عملا مناسبا بعد تخرجه في الجامعة.
ومن المضحكات المبكيات ما سمعت عنه مؤخرا أن إعلانا نشرته بعض الصحف، يدعو فيه أصحاب القلوب الطيبة إلى أن يكفل القادرون منهم خريجا أو أكثر بالنفقة والرعاية حتى يستطيع الشاب أن يتوظف ويتزوج، وبدلا من شعار "اكفل يتيما" يبدو أننا سنقرأ عبارة "اكفل خريجا"، ولعله بالفعل يكون حلا للبعض، فيخرجون به من الطريق المسدود الذي وضعتهم فيه أحوالنا المضطربة، وخطط التنمية المتعثرة في بلداننا؛ الأمر الذي أشار إليه مؤخرا تقريرالتنمية العربية الصادر عن الأمم المتحده
ومؤشرات هذا التقرير، والنتائج التي تمخضت عنه خطيرة لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
ومن اللافت ألا يجد مثلك عملا مناسبا؛ فالأصل أننا محتاجون إلى جهود مضاعفة لاحترام القانون، والعمل على إقراره في حياتنا؛ لأنه في "غياب" القانون، أو "نعاسه" تضطرب حياتنا على النحو الذي نراه، وأنت تدري أكثر منا بملايين القضايا المتراكمة، وبطء إجراءات التقاضي، وما يضيع من حقوق من جراء هذا الوضع.
ومن الفادح بمكان أن يفسد قطاع القانون والقضاء؛ فالقضاء مثل الطب في خطورة دوره؛ الأول يتكفل بحقوق الإنسان، والثاني يتكفل بسلامة الأبدان، وإقرار مجتمع يحترم القانون والقضاء، ويحرص على نظافة وقدسية هذه المساحة، هي مهمة تفوق جهدي وجهدك، ولكن تحتاج إلى جهود أوسع، ووقت أطول، وهذا حديث آخر أتركه، ليس زهدا فيه أو تقليلا من أهميته، ولكن الآن هذا ليس مكانه رغم خطورته.
أعود للشق الشخصي من قصتك، وأعتقد أن أمامك اختيارات، منها: المحاولة من جديد، وخاصة فيما يخص دراساتك العليا، وأرجو لك التوفيق هذه المرة، والاهتمام بتقوية خلفيتك العلمية في تخصصك، لا تنفصل عن الخبرة الميدانية التي تحاول أن تكتسبها بالممارسة، ولا ينفصل هذا أو ذاك عن تحسين قدراتك البيانية؛ فالبيان قولا وكتابة من أهم مهارات المحامي الناجح، ولغتك العربية يا أخي تحتاج إلى عملية ترميم؛ فلا يخلو سطر من رسالتك من خطأ نحوي أو إملائي، فيكف تطمح إلى النجاح كمحامٍ؟!! سامحني على تصحيح هذه الأخطاء؛ لتكون رسالتك مقروءة، وسامحني على صراحتى فأنت تثق بي، وهذا واجبي.
وأمامك اختيار: أن تنفض يدك من المحاماة، وتتجه إلى مجال عمل آخر يناسب ما ترى نفسك متميزًا فيه، ولعلك فكرت في هذا فعلا، حين حاولت الحصول على قرض من الصندوق الاجتماعي، والأهم من القرض أن يكون لديك الموهبة أو الدراية الكافية بإنجاح مشروع استثماري تحصل على القرض من أجله، أما التجريب بأموال تستحق أقساط سداد متصاعدة الفائدة.... إلخ؛ فأعتقد أن خبرة آخرين لم يحالفهم التوفيق كانت ناتجة عن تسرعهم، وظنهم أنهم لو امتلكوا المال فإن هذا سيكون كفيلا بتدفق الأرباح عليهم، وهذا تصور يبدو ساذجا أو طفوليا، فما هو المشروع الذي درسته، وتعتقد أنك ستنجح فيه؟!
وقد تختار أن تظل في دائرة القانون، ولكن بشكل مختلف، وهنا أطرح عليك اقتراحين محددين: أحدهما أن تبحث عن عمل في مجال عمل المنظمات غير الحكومية مثل مراكز حقوق الإنسان وغيرها؛ فهم يحتاجون محامين أو دارسين للقانون يقومون بالبحث في مجالات الاهتمام القانوني بهذا العالم الواسع، ولا أدري هل طرقت أنت هذا الباب فعلا أم لا؟!
والاقتراح الثاني: أن تبحث عن عمل بالقانون في بلد آخر، وعلى قدر معلوماتي فإنني أعرف أن شهادة القانون التي حصلت عليها مقبولة في بعض البلدان الإفريقية والعربية، وفي كل الأحوال سيضاعف من فرص حصولك على عمل أن تجيد اللغة الإنجليزية؛ فما هو مستواك في اللغة الإنجليزية؟!!
وستجد على غلاف عدد ديسمبر من إحدى المجلات الشهرية الثقافية سؤالا، هو سؤال الساعة، أو أحد الأسئلة التي تشغل الرأي العام منذ فترة، والسؤال هو: لماذا لا يتزوج المصريون؟ وداخل المجلة محاولات للإجابة، ولا أبالغ إذا قلت بأن المشكلة لا تختص بالمصريين وحدهم، بل تمتد لتشمل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وهذا يعني أنك جزء من هذه الأمة "العظيمة" بمشاكلها المزمنة!! دعنا أولا نحل مشكلة العلم، وننشغل بالحصول على مصدر كسب معقول؛ لأن هذا مدخل لازم للتفكير في الزواج. وتابعنا
ويتبع>>>>: دفتر الأحوال المزمنة: متاعب خريج مشاركة