السلام عليكم ورحمة الله:
مشكلتي يا دكتور تتلخص في أنني لست أنا.. لا أشعر أنني أنتمي لهذه الإنسانة التي هي أنا.. لا أتذكر متى بدأ معي هذا الشعور ولكنني أيضا لا أتذكر أنني انتميت لذاتي أبدا.. أشعر بغربة فظيعة عن ذاتي.. اليوم كتبت بحثا في الجوجل بعنوان الغربة عن الذات لأنه بالفعل هذا ما أشعر به ووجدته في موقعكم بنفس اسمه وهو من الأمراض النفسية بصراحة شعرت بأني سعيدة لأني أول مرة أستطيع أن أستوعب ما يجري لي.. سأذكر لك حالتي الغريبة وما يحصل لي منذ صغري بسبب عدم انتمائي لذاتي.
حينما كنت في المدرسة كنت كل يوم أعاقب لأنني كنت لا أذاكر ولا أحل واجباتي لا أدري لماذا؟؟؟ ولكني أنسى موضوعها لحين ذهابي للمدرسة اليوم التالي، استمرت هذه الحالة معي طوال مدة دراستي إلى أن أنهيت المرحلة الثانوية وأنا الوحيدة التي لا أحل الواجبات!
كنت حينما تسألني المعلمة عن واجبي وكأنني كنت في غيبوبة وللتو استيقظت فأستغرب من نفسي فعلا لماذا لا أحل واجباتي.. لا أهتم بنفسي إطلاقا ولا بأي شيء يخصني.. حتى جسمي وبشرتي أحيانا تجف وتتشقق وأستثقل أن أقوم بالعناية بها وترطيبها.
حينما يمدحني أحد أو يثني علي لا أشعر بسعادة وكأنني لست المعنية.. أشعر بغربة حينما أرى وجهي في المرآة وأرى جسمي.. دائما متشائمة وخايفة من المستقبل ومزاجي متعكر..
في الآونة الأخيرة أصبحت تراودني مشاعر مخيفة ومتشائمة مثلا إذا كنت مسافرة فأني أكون متأكدة أنه سيحصل لي حادث وأموت وأظل طول الطريق خائفة وعلى أعصابي.. حتى إذا سافر زوجي أو أحد قريب مني أشعر برغبة في البكاء وغثيان وأشعر بأني لن أراه ثانية.
لا أشعر بالأشياء المفرحة في حياتي حتى حينما تزوجت مع أنني كنت أتمنى أن أتزوج والحمد لله تزوجت ومن الرجل الذي كنت أتمناه ولكن مع هذا لم أشعر بأي شعور لا بفرحة ولا بشيء، اللحظات الجميلة بيني وبين زوجي والتي كنت أتمناها قبل الزواج كنت فيها كالجماد بلا مشاعر..
كل شيء في حياتي كنت أتوقع أنه سيسعدني ويبهجني لا أشعر بطعمه حتى أهلي دائما ما يرددون أنت لا تشعرين بالنعمة اللي أنت فيها.. مشاعر الحزن والقهر هي الأساس في حياتي مع أن حياتي ولله الحمد في الحقيقة ليس بها ما يحزن ولكن صدقني مجرد معاقبتي لأبنائي تجعلني أعيش في حالة كره شديد للذات ومحاولة انتقام حتى من نفسي..
أرجوك يا دكتور ساعدني
جزاك الله عنا ألف خير.
12/11/2007
رد المستشار
صديقتي؛
من الواضح أن هناك احتمالا أن كان هناك إهمالا جسيما من أهلك في طفولتك... كيف لم يتابع أحد منهم دروسك وواجباتك المدرسية؟؟
أعتقد أنك اتخذت من إهمالهم أو ما أوَّلته على أنه إهمال، كقدوة لعدم اهتمامك بنفسك وسببا لأن تظلي في حالة إهمال لنفسك إلي أن اغتربت عن نفسك... هذا يؤدي إلي إحساس أو الشعور بالوحدة والغربة في بقية مجالات الحياة...
إحساسك بالذنب وكراهية الذات عند معاقبة أولادك غالبا يحدث لأنك تشعرين بأن هذا قسوة تذكرك بما أوَّلتِهِ في صغرك علي أنه قسوة من أهلك (الإهمال هو عنف صامت ومستتر)... وإهمالك لدراستك بالنسيان كان عنفا مستترا أو محاولة انتقام من نفسك ومن أهلك معا.
خوفك من الموت سببه الحقيقي أنك لا تعيشين الحياة بالطريقة الطبيعية والتي ترضين عنها... من يعيشون الحياة بعمق لا يفكرون في الموت أو يخافون منه أكثر من اللازم، أي أن خوفهم من الموت لا يعطل إي شيء في حياتهم... التشاؤم سببه أنك لا تسمحين لنفسك بالاستمتاع بما هو حقك أن تستمتعي به (زوجك، أولادك، وحياتك بصفة عامة)
بوسعك أن تقرري أن تبدئي في الانتباه لما في حياتك من أشياء جميلة مهما قلت ومهما صغر حجمها...انتباهنا لما لدينا يزيد إحساسنا به على شرط ألا نقلل من قيمته في ذهننا بالحوار الداخلي السلبي.
لماذا لا تبدئين في التعرف على نفسك من جديد والتطوير من نفسك في أي مجال تريدينه... من هذه التي ترينها في المرآة؟؟ ماذا تريد؟؟ كيف تشجعينها على الاستمتاع؟؟ أم أنك ترفضينها؟؟ وإن كان ذلك، فلماذا؟؟ ولمصلحة من؟؟ لماذا أنت غاضبة منها وعليها؟؟ ماذا فعلت؟؟ وما هو الجرم الذي اقترفته كي لا تستحق أن تسعد بحياتها وما لديها من نعم (مهما صغرت أو قلت)؟؟؟
الحزن يحدث بسبب أمل لن يتحقق... ما هو هذا الأمل الذي لن يتحقق والذي يسبب لك الحزن؟؟؟.. القهر هو إحساس بأن الإنسان مرغم على ما لا يرضى أو يرغب في التعامل معه.. ما هو الذي أنت مرغمة عليه؟؟ أليس كل شيء من اختيارك؟؟ أو على الأقل كيف تفهمينه وكيف تتعاملين معه، أليس هذا من اختيارك؟؟ أوليس حزنك وهمك بسبب اختيارك للتركيز على أشياء معينة وأحاسيس وذكريات معينة؟؟
أعط نفسك الحق في أن تختاري البدء في حياة مختلفة... ما الذي سوف تخسرينه إذا بدأت في الاستمتاع بالحياة؟؟ إذا بدأت في مصادقة نفسك وحب نفسك وإعطائها ما تستحق من خير؟؟
إن متوسط عمر النساء حوالي 85 سنة.. فكيف تريدين أن تعيشي الخمسين عاما القادمة؟؟ لا أحد يقدر أن يفعل هذا إلا أنت.. ولن يعيش أي شخص آخر حياتك بدلا منك.. ما الذي يمنعك؟؟
عندما تفكرين في هذه الأسئلة وتجدين لها إجابات إيجابية فلن تشعري بالوحدة أو بالغربة بعد ذلك ولكن هذا يتطلب أن تذكري نفسك بالإيجابيات وأن تحرصي على ممارسة الأفعال والأفكار الإيجابية إلى أن تصبح هي العادة الجديدة التي تحل محل العادات السلبية في التفكير والفعل (أو عدم الفعل).
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك وبمشكلتك التي جاءت لا من باب المشكلات وإنما عبر جسر التواصل ووجدت فيها ما يستدعي الرد..... لا أضيف بعد ما تفضل به مجيبك غير أنني أرى في حالتك خاصة في الآونة الأخيرة ما قد يكون شكلا من أشكال خلطة القلق والاكتئاب (المزمنة ربما) ولذلك أنصحك إن لم تنجحي في اجتياز الأزمة بعد تطبيق ما نصحك به مجيبك أن تلجئي لطبيب نفساني... فلربما تفيد حالتك بعض العقَّاقير أو جلسات العلاج السلوكي المعرفي، وأهلا بك.