وساوس وقهور المبطلات ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني12
حتى ذلك الوقت كنت أظن الحديث الشريف أعلاه موجها لمريض الوسواس القهري... وكنت أحدث مرضاي متأكدا من أنه لا ريح تخرج وإنما هي من عبث الوسواس، وأن علينا انتظار العلامة الموضوعية أي شم الرائحة أو سماع الصوت، إلا أن مرضى الوسواس أقنعوني بأن الريح التي يقصدون وبها يشعرون كثيرا ما تكون ريحا حقيقية.... ومن الطبيعي هنا أن يذهب التفكير الطبي بي إلى متلازمة القولون المتهيج أو العصبي والمشهورة العلاقة علميا وبحثيا باضطرابات القلق والاكتئاب خاصة المزمنة منها وكثيرا ما تتحسن أعراضه مع عقاقير الم.ا.س.ا، وفكرت في دراسة العلاقة لكن أحدا لم يكن يهتم من الزملاء تخصص الأمراض الباطنية (أو الداخلية)، ثم عرفت لاحقا من مرضى موهوبين في التعبير أن علاقة اضطراب القولون الوظيفي بالوسواس الخاص بخروج الريح ربما لا تحتاج إلى دراسة، فقد أحسنوا الوصف بما تترجمه آلية الآثار الجسدية للقلق والخوف والتي تسبب انتفاخا وأصواتا وريحا بالتالي أكثر، هذا وغيره من الأمثلة......
تعلمت بالتجربة العملية إذن -وأحسب أن نفس الشيء حدث مع رفيف يرحمها الله وإن لم نتحدث فيه لكن مقارنة ردودها القديمة بالجديدة تبين ذلك- أن حديث سيد الخلق عليه الصلاة والسلام عن الوسوسة بخروج الريح موجه لعامة المسلمين وليس للموسوسين، الحديث يتعلق بالأصحاء عقليا وليس من ضمنهم مرضى الوسواس القهري، فالظاهرة التي يصف المصطفى صلى الله عليه وسلم حدوثها ويرجعها إلى فعل الشيطان يمكن أن تحدث عرضيا لكل مسلم فيستطيع العمل بما في الحديث... لكن حدوثها لمريض الوسواس أمر مختلف لأن مريض الوسواس القهري مثلا في حالة وسواس خروج الريح معرض لخداع الأحاسيس أي أنه قد يسمع وقد يشم ما هو غير موجود فيما يتعلق بالريح! وبالتالي يعفى من هذا الأمر يعني يعتبر أي إحساس بخروج الريح وسواسا! ولا يكرر لا وضوء ولا صلاة لأن وضوئه لا تنقضه الريح! ليس هذا فقط وإنما لأن اضطرابه ومخاوفه المزمنة والمرتبطة بالعبادة تؤدي في غالبية الحالات -إن لم يكن كلها- إلى اضطراب وظيفي في القولون بما يتسبب فعلا في انتفاخ البطن ومدافعة الريح قبيل وأثناء العبادة... فأصبحتُ ورفيف الصباغ نقول ليس فقط تجاهل أو تأكد بيقين، وإنما نقول ريحك لا تنقض الوضوء ولا تبطل الصلاة!
وأذكر عندما عرض لنا في إحدى الاستشارات حكم سلس الريح لأسباب طبية ورخصت رفيف لأكثر من حالة بناء على شكها في وجود التهاب عضوي في القولون، بينما أحدهم قال (أنا مصاب باضطرابات القولون العصبي بسبب حالتي النفسية السيئة، فعندما أبدأ في الوضوء للصلاة أخاف وأتوتر من خروج الريح، وهذا التوتر هو ما يأتي بالريح والضغط، فأصبحت أعيد الصلاة) فقالت رفيف -باعتبارها مشكلة طبية (دون سلس الريح فموضوع آخر)- (ولا أستطيع إفادتك شرعًا إلا بأنه إذا لازمك الريح عند كل صلاة بحيث لا ينفك أبدًا أبدًا ولا فائدة من الإعادة، فأنت في حكم من معه سلس ريح، ولا ينتقض وضوؤك حتى لو خرج الريح منك أثناء الصلاة، وتصح صلاتك)...
قلت لها على صفحات الموقع (مريض وسواس خروج الريح والذي عادة يحدث معه الخوف والتوتر عند الإقدام على الوضوء أو الصلاة أو التلاوة.... إلخ يأخذ حكم مريض سلس الريح من بابه... أي دون تفاصيل.... فهو أي مريض وسواس قهري خروج الريح سيشتاط توتره وخوفه من خروج الريح فيدخل الحمام ليفرغ أمعاءه قبل الوضوء احترازا من وجود ريح وقد يعصر بطنه إن استطاع (والخوف من الريح ينفخ أحشائه بالريح) ثم هو سيقف قبل الوضوء برهة يستشعر أحشائه هل فيها شيء من ريح؟؟ (والخوف من الريح ينفخ أحشائه بالريح) ثم هو سيبدأ الوضوء (أحيانا في خضم وساوس وقهور أخرى تتعلق بأفعال الوضوء والشك والتكرار فيتوضأ (والخوف من الريح ينفخ أحشائه بالريح) ثم يستشعر الريح في بطنه أو دبره...خاصة عند رفع إحدى رجليه... ثم يستشعر أنه خرج وقد يخرج فعلا لأن (الخوف من الريح ينفخ أحشائه بالريح) وقد لا يخرج شيء لكن المسكين قد يشم وقد يسمع وقد...!! ولا شيء يخرج!! المهم أنه سيشك فيعيد بعض أو كل الوضوء ثم هو قد ينهي وضوءه شاكا ليلحق الصلاة.... ثم هو يعود ليعيد الوضوء والصلاة.... هذا المريض أولى (من مريض القولون العصبي الطبي في رأي رفيف) أولى بأن نقول له (لا ينتقض وضوؤك، حتى لو خرج الريح منك أثناء الصلاة، وتصح صلاتك) كان هذا كله جزءًا مما جعلها تضيف إلى خط الدفاع الأول ضد الوساوس والقهور (وهو البحث عن الرخص بين المذاهب في إطار الأحكام الخاصة التي تتيح له التلفيق) خط الدفاع الثاني وهو الوصول بالأحكام الخاصة إلى آخرها أي إسقاط التكليف عن الموسوس في موضوع وسواسه!
إشكالات المريض مع فتاوى خروج الريح:
ربما الإشكالية الأشهر التي تصيب مرضى هذا النوع من الوسواس هي التي تحدث بسبب ما يسمى في كتب الفقه "سلس الريح" الدائم والمتقطع لوجود أشكال وألوان من الفتاوى في الموضوع، ولأن مريض وسواس خروج الريح سرعان ما يبدأ في مراقبة نفسه فيجد المشكلة تتقطع! وبعدما كان يأخذ بحكم السلس تجده واقعا في الشك والتساؤل هل تحق لي الرخصة؟ أحدهم يقول في إشارة لخروج الريح: (مشكلتي ليست عضوية، بل مشكلة نفسية لكن أعراضها حقيقة 100/100 (وكان ينتظر الوقت الذي ينقطع فيه الريح ليتوضأ ويصلي فقلنا له (كيف بربك تختار وقتا ينقطع فيه الريح ويجب عليك انتظاره؟ كيف إذا كان صوت الأذان ووقته والوضوء والصلاة كل هذه محفزات للخوف من خروج الريح وهذا الخوف والتوتر يجعل القولون مستثارا وكذلك المثانة البولية عند البعض-بل إني أشبهه لمرضاي بمنفاخ كهربي يشغله التفكير في الوضوء أو الصلاة).
والحقيقة الطبية هي أن سلس الريح وسلس الريح المتقطع بغض النظر عن تفسيراتها الطبية هي حالات لا يمكن تشخيصها لا في مريض الوسواس القهري الديني ولا حتى في مريض متلازمة أو اضطراب المرجع الشمي Olfactory Reference Disorder أي المرضى الذين يوسوسون أو يعتقدون أن رائحة سيئة تصدر عن أجسادهم، والخلاصة أن كل الكلام الموجود والمتداول عن هذا الأمر على ألسنة الفقهاء ومقدمي الفتاوى إنما يتعلق بالأصحاء عقليا، وكذلك حديث سيد الخلق المصطفى عليه الصلاة والسلام أعلاه، أما مريض وسواس قهري خروج الريح فإنه غير مكلف بالأساس بمراقبة الريح أو إعطائها أي وزن ما دام أقبل على وضوئه أو صلاته.
كذلك تتعلق بوسواس خروج الريح إشكالية التعمد أو تعمد إخراج الريح فأحيانا بعدما يأخذ مريض وسواس خروج الريح بالرخصة فيبدأ في تجاهل موضوع الريح يبدأ في الوسوسة بأنه أصبح يتعمد إخراج الريح في الصلاة، فتراه يعود ثاني لممارسة نشاط ذهني حسي -لا يمارسه الإنسان الصحيح وهو ضبط الفتحات ومراقبتها- بل وبعضهم يبدأ في حصر الأكل والشرب أو أنواع معينة منه وتأجيله لما بعد صلة العشاء، كلها أنشطة موسوسين تبعدهم مع الأسف بشكل أو بآخر عن علاقة الإنسان السوية بطبيعته كإنسان، أو أحيانا يحدث ذلك التعمد على خلفية من وسواس حفظ الوضوء، فبعد فترات من اعتياد الانخراط في حالة الشدَّ أو الحصر لمنع خروج الريح، أو حالة الترقب المحموم للدبر و/أو القبل... وغالبا ما يسبق ذلك محاولات مرهقة لإخراج للبراز والريح قبل الضوء.... ثم يقع البعض -مع الحركة العادية في الحياة- في حالة من الشك الخبيث في هل ما زلت على وضوئي؟ أم أحدثت؟ ويحاول التذكر وهكذا... ثم كثيرا ما يشق عليه ذلك كله فيأتيه الوسواس بأن يطلق الريح لينتهي هذا كله، فإذا أطلق الريح استراح لبرهة ما يكاد حتى يأتيه الوسواس بأنك تعمدت إطلاق الريح وفي ذلك استسهال أو استهانة أو استهزاء... إلخ، أو في بعضهم إن دامت الراحة قليلا تجده يوسوس بأنه أصبح يستمتع بإخراج الريح وأنه إذا صار مسموحا به أخذا بالرخصة فلن يستطيع منع نفسه من الاستمتاع به، ومن المفيد جدا في مثل هذه الحالات أن يشرح للموسوس أولا قابليته العالية للشك في دواخله إضافة إلى عجزه عن إحسان قراءتها أو التيقن منها بسبب عمه الدواخل، وبيان أن التَّعَمُّدَ كحالة إنسانية تستلزم الإرادة الحرة والتواصل الواثق بين المرء ودواخله والمنعدمين في حالة الوسواس القهري، أي أنه يعجز عن التعمد وأنه بالأساس غير مكلف بمراقبة الريح.
المراجع:
1. وائل أبو هندي، رفيف الصباغ، محمد شريف سالم ويوسف مسلم (2016) نحو فهم متكامل للوسواس القهري، البابُ الثاني: العلاج السلوكي للوسواس القهري، سلسلة روافد 138 تصدر عن إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة الكويت
ويتبع>>>>>: وساوس وقهور المبطلات ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني14
واقرأ أيضًا:
استشارات عن وساوس الصلاة / استشارات عن وسواس خروج الريح