وساوس وقهور المبطلات ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني13
ب_ الشك في نزول نقطة بول أو مذي:
وهي الوسوسة بخروج شيء من القبل، أي الشك في خروج نقطة بول أو مذي مُبْطِلَةٌ للطهارة ومنجِّسَةٌ لما أصابت، وتحدث الشكوى من ذلك فيما يقارب نصف مرضى (48.8%) وسواس النجاسة كما وجدت دراستنا المشار إليها سابقا، وفي كثير من الحالات تسبق أو تصاحب وسواس خروج الريح، وغالبا ما ترتبط هذه الصورة من وساوس المبطلات بالمبالغة في الاستنجاء فضلا عن ارتباطها بتكرار الوضوء والإسراف في التطهير وتغيير الملابس، أي أنها قد تكون أحد أشكال أو عواقب المبالغة في التطهر من النجاسات بما يستدعيه من فرط الخوف والمراقبة والتدقيق في المشاعر الحشوية، وهو ما يترجم إلى قابلية أعلى للشك في خروج النقطة، وكذا ما يصاحبه من تهويل لأثر النجاسة، بما يضخم مشاعر الخوف والضيق والشك ويدفع المريض إلى التفتيش و/أو التطهير القهري، لكن هناك حالات -غالبا من الإناث- تبدأ فيها المشكلة بعد حادث عارض تخرج فيه نقطة بول أثناء الصلاة أو غيرها ربما لسبب طبي عابر لكنه يوقع الحالة في خوف من حدوث ذلك في الصلاة، وترقب دائم لمنع حدوثه! أحيانا لفترة طويلة حتى بعد علاج السبب الطبي، ويكون هو ما أدخلها لأول مرة في الوسوسة.
وخروج النقطة يمكن أن يحدث أثناء الوضوء أو أثناء الصلاة أو التلاوة أو في أي وقتٍ للراغب في حفظ الوضوء، وكثيرا ما يدفع الموسوس إلى إعادة الوضوء أو الخروج من الصلاة لتكرار الوضوء والصلاة، ويرتبط ذلك الشك بالتفتيش في الملابس أو الحفاضات، كما يمكن أن يكون الوسواس في شكل الشعور المستمر بأن نقطة بول ستنزل بما يدفع المريض إلى قبض عضلات صمام القناة البولية الخارجي، وهو ما يشغل أغلب وعي المريض أثناء الصلاة وربما منذ الشروع في الوضوء أو مباشرة بعد الاستنجاء، معنى ذلك أن لدينا من يشتكي من الشعور بوجود نقطة في المبال مهددةٍ بالنزول بما يترتب عليه من قبض للعضلات في الحوض، ولدينا من يشعر بنزول النقطة فعلا وما يترتب عليه من تفتيش وشك وتطهير، لكن لدينا أيضًا فئة يدفعهم ذلك إلى إطالة التبول والإسراف في عصر البطن والحزق لإخراج ما تبقى ثم انتظار القطرات المتبقية بعد ذلك لمدة قد تصل إلى 45 دقيقة! وعادة ما يوقعهم ذلك في فخ جديد مرتبط بالخوف من نزول نقطة بول بعد الاستنجاء وقد شرحنا تلك الصورة سابقا ضمن وس.وق. النجاسة تحت عنوان: معضلة فضلة البول أو البول المتبقي.
إشكالات سلوكية معرفية في علاج وسواس نزول النقطة
أولى هذه الإشكاليات تحدث عندما يبحث المريض عن سبب طبي عضوي لحالته سواء عن طريق الإنترنت أو سؤال الطبيب دون إعلامه بوجود وسواس قهري، فهناك من سيحمل تشخيص سلس البول الإجهادي (تسرب البول في أوقات زيادة الضغط على المثانة بسبب الحركة أو النشاط؛ ما يؤدي إلى تسرب البول. من هذه الحركات السعال، والضحك، والعطاس، والجري، أو رفع الأوزان الثقيلة. ولا يرتبط السلس الإجهادي بالإجهاد النفسي، وهو أكثر شيوعًا عند النساء منه عند الرجال)، وهناك من سيحمل تشخيص سلس البول الإلحاحي (تتشنج عضلة المثانة. بما يؤدي إلى شعور مفاجئ بالحاجة إلى التبول بشكل سريع، أو تسرب البول عند الشعور بالرغبة المفاجئة والشديدة في التبول، أو بعدها بوقت قصير) وهذا قد يكون ناتجا عن التهاب مؤقت وأحيانا لسبب نفساني عند انتفاء الأسباب المعروفة طبيا وحين يحدث لمريض الوسواس فإنه كثيرا ما يرتبط بالمكان كالمسجد أو الميضأة أو بالنشاط كالصلاة...إلخ، وهناك أيضًا من مرضى الوسواس من يعاني بسبب احتباس البول المزمن، تحاشيا لدخول الحمام، وهو ما قد يسبب تسربًا متكررًا، فيحمل تشخيص سلس البول الفيضي، وبعض هؤلاء يلجأ لتقييد شرب الماء فترة الصلاة مثلا من الظهر حتى العشاء! المهم أن كل هذا يختلف عن سلس البول الكلي (لا تتمكن المثانة من تخزين أي بول على الإطلاق، فيكون نزول البول مستمرا أو يحدث تسرب متكرر)، ومن الملاحظ أن أغلب الفتاوى تتعلق بصاحب السلس الكلي، وربما لكون النوعين الأولين (الإجهادي والإلحاحي) متقطعين دورا في ربط بعض أهل العلم أخذ حكم السلس بالتكرار على مدار اليوم بينما كان غيرهم أكثر تيسيرا كما سنرى
إشكالية أخرى متعلقة تحدث عند القراءة عن أو التشخيص بما يسمى مثانة مفرطة النشاط Overactive Bladder وهي حالة طبية قد تنشأ نتيجة عوامل متعددة، بما في ذلك الحالات العصبية (كالتصلب المتعدد أو مرض باركينسون أو آفات الحب الشوكي)، والالتهابات، وحتى خيارات نمط الحياة. ولكن في كثير من الحالات، يبقى السبب الدقيق مجهولًا -أي مجهول السبب Idiopathic، والمؤسف أنه كثيرا ما يكون ناشئا عن القلق والوسواس لكن المريض لا يفصح عن خلفية أعراضه، وأما الشكوى المصاحبة فهي سلس البول الإلحاحي.
أما الإشكالية الثالثة فتتعلق بتأثير معرفة الموسوس للأحكام الشرعية التي تلزم صحيح العقل عند خروج نقطة بول/مذي، وتلك التي تلزم تجاه ما أصابته من ثياب أي التطهير أو التغيير ومحاولة تطبيقها، فأما خروج النقطة فناقض للوضوء مفسد للطهارة ويجب على صحيح العقل الاستنجاء أو الاستجمار ثم الوضوء إذا أراد الصلاة، ولا يستثنى من ذلك إلا صاحب سلس البول الكلي فهو يتوضأ لكل صلاة ويصلي غير عابئ بتنقيط البول وقد ينصح بالتحفض -قياسا على حكم المستحاضة-. وقال ابن تيمية (وَأَمَّا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ ـ وَهُوَ أَنْ يَجْرِيَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَا يَنْقَطِعُ ـ فَهَذَا يَتَّخِذُ حِفَاظًا يَمْنَعُهُ فَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ يَنْقَطِعُ مِقْدَارَ مَا يَتَطَهَّرُ وَيُصَلِّي وَإِلَّا صَلَّى وَإِنْ جَرَى الْبَوْلُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ.)اهـ.
وأما النجاسة التي أصابت الثوب -أي ما يلزم صحيح العقل فعله من تطهيرٍ لما أصابته النجاسة- ففيه خلاف بين المذاهب وتداخل مع فكرة اليسير الذي يعفى عنه من النجاسة، وهذا بغير شك يسبب إرباكا لمريض الوسواس، فمثلا يرى الحنابلة لزوم التطهير فجاء في "زاد المستقنع": "وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله".، ومن المالكية من قال مثله "إن تعينت النجاسة غسل محلها، فإن التبست غسل الثوب كله. انتهى"، ومنهم من قال بالعفو عن قدر درهم من النجاسة، لكنهم خصصوا النجاسة المعفو عنها بنجاسة الدم، والقيح، والصديد، ولا يشمل ذلك العفو عندهم سائر النجاسات كنجاسة البول إذ اختلف هل يعفى عن يسيره؟ والمشهور أنه لا يعفى عنه، وأما الحنفية فقالوا: يعفى عن قدر الدرهم من النجاسة (مغلظة أو مخففة)، بينما رأى الشافعية أن النجاسات التي يعفى عنها هي ما لا يدركه البصر السليم (المعتدل)، كالدم اليسير والبول المترشش، وهناك من الشافعية من أرجع تقدير اليسير إلى العرف، أي أن هناك خلافا في مقدار ما يعفى عنه من النجاسة بين ما لا يراه البصر وبين ما يعتبره العرف يسيراً، كل هذا يتعلق بالمطلوب شرعا من صحيح العقل صحيح الجسد إذا قطرت منه نقطة فأكثر وأصابت ثوبه.
المراجع:
1. وائل أبو هندي، رفيف الصباغ، محمد شريف سالم ويوسف مسلم (2016) نحو فهم متكامل للوسواس القهري، البابُ الثاني: العلاج السلوكي للوسواس القهري، سلسلة روافد 138 تصدر عن إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة الكويت
ويتبع>>>>>: وساوس وقهور المبطلات ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني15
واقرأ أيضًا:
استشارات عن وسواس خروج الريح / استشارات تنقيط البول