بعد الحرب العالمية الأولى توجب محق مفهوم الأمة، وتأمين أسباب الفرقة والصراعات البينية والتفاعلات السلبية لدولها المغفلة المضللة بأنها لن تكون إلا بالوحدة، فطرحت شعاراتها السرابية للنيل منها وتمزيق كينوناتها الوطنية، وتعزيز عوامل التشظي والتنافر والتفتت الذي يوقده الطامعون بها.
دول الأمة تناست الاتحاد أو نأت عنه رغم أنها لم تغفله على لسان قادتها الأوائل، لكنها راحت تهرول وراء كلمة وحدة، وهي لا تستوعب شروطها وعناصر تحقيقها فحولتها إلى نكسات، ورمتها في فضاءات الخيال البعيد.
الوحدة وفقا لمفاهيم العواطف الثورية بعيدة المنال، والاتحاد بمفهومه الواقعي العملي المنطقي ممكن التحقق والانطلاق النافع لدول الأمة، ولأجيالها الوافدة إلى ميادين الحياة الحرة الكريمة.
ويبدو أن الطامعين بالأمة، يعملون وفقا لرؤيتهم القائلة بأن ما صنع الأمة يدمرها، ويقصدون بذلك الدين، ولهذا وُجدت الأحزاب الدينية اللازمة لتأمين وتكريس الفرقة والتناحر البيني، ومن ثم الأحزاب القومية اللازمة لتأجيج الصراع، فصارت مجتمعات الأمة بين صراعات دينية-دينية، وتحزبية–تحزبية، دينية–تحزبية، حتى وصلت إلى ما هي عليه من مراتب الضعف والتبعية والامتهان.
ولن تستعيد دولها هيبتها ودورها وقيمتها، إن لم تترك مفاهيمها الفاسدة وتتحرر من قبضة كان وقال، وتتفاعل مع مفردات عصرها بعقل منفتح، وجرأة معرفية ذات قدرة على إحداث التغيير اللازم لصناعة الحياة الأفضل للأجيال.
وعليها أن تحترم دينها، لا أن تهينه بالتحزبيات والأوهام السياسية والسلطوية الغاشمة، التي زعزعت أركان الدين وحولته إلى ميادين لسفك الدماء والجور والظلم والمفاسد والانحطاط القيمي والأخلاقي، فالدين دين والسياسة سياسة، والخلط بينهما جناية عليهما.
فهل وجدتم دينا لا يفرق؟
اسألوا الكنائس والمعابد والحركات المؤدينة بأنواعها، فعندهم الخبر اليقين!!
توحدنا خيالٌ لا يكونُ
فهل نجحت شعاراتٌ تصونُ
أكاذيبٌ بها الأجيال خابت
فكل حروبها فيها جنونُ
بنا عبثت وما جلبت مفيدا
إرادتنا بما وعدت تهونُ
إذا اتحدت رؤانا استفقنا
ودامت في مناعتنا الحصونُ
واقرأ أيضا:
الأمية الزراعية!! / الكراسي والسعادة!!