وساوس وقهور المبطلات ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني14
وأما ما يتعلق بما يلزم صحيح العقل المصاب بالسلس المتقطع فنجد تخفيفا له في الأحكام فقد قال المالكية (إن الذي ينزل منه نقاط بول بعد الوضوء ولو في اليوم مرة، لا يكلف بتغيير ثيابه، ولكن ينتقض وضوؤه وعليه إعادته). وقال النفراوي في الفواكه الدواني: (ينظر في النقطة التي تنزل من الشخص بعد وضوئه فإن كانت تنزل عليه كل يوم مرة فأكثر فإنه يعفى عنها ولا يلزمه غسل ما أصاب منها وإن نقضت الوضوء وتبطل بها الصلاة)، كما قال الدردير (وعفي عما يعسر كسلس لازم. يعفى عن كل ما يعسر التحرز عنه من النجاسات بالنسبة للصلاة ودخول المسجد.... والمراد بالسلس: ما خرج بنفسه من غير اختيار من الأحداث كالبول والمذي والمني والغائط يسيل من المخرج بنفسه، فيعفى عنه ولا يجب غسله للضرورة إذا لازم كل يوم ولو مرة).
التنقيط في الموسوسين
كل ما تقدم من العرض الفقهي أعلاه يتعلق بصحيح العقل وليس بمرضى الوسواس القهري، ومحاولة المريض -أو من يفتيه- الاستفادة منها في مناجزة الموسوس، فهي وإن ثبت نفعها الدائم للصحيح، إلا أنها -وإن أعطت راحة للموسوس- غالبا ما تكون راحة قصيرة وسريعا ما يوقعه الوسواس في فخ ذي علاقة بالتنقيط أو بالرخصة بما في ذلك إعطاؤه الفتوى بأن حكمه كحكم سلس البول لأنه سيأتي ليقول أن نزول البول لا يستمر، أو لا يزيد إلا عند الوضوء أو الصلاة، وأنه بالتالي صاحب سلس متقطع... إلخ، ورغم أن أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن مريض الوسواس يتخيل أو يتوهم نزول النقطة، وهذا يصح غالبا في أكثر الحالات المبكرة، لكن تطورا لاحقا يحدث يتمثل أولا في تأثير القلق المرتبط بالتبول في زيادة إفراز الكلى من البول، وثانيا عادة ما تتسبب فيه حالة المراقبة المستمرة والقبض المستمر للصمام البولي إلى اختلال وظيفته، وبالتالي يتحول المريض من متوهم إلى صادق فهناك بالفعل تنقيط.
مناجزة مريض وسواس نزول البول:
تحتاج هذه الشكوى أولا أيضًا إلى استبعاد الأسباب العضوية كالالتهاب أو غيره، وعادة ما تكون مستبعدة من طبيب المسالك، لكنها حين تظهر جديدا ضمن أعراض وسواس قهري ديني فقد تكون الفحوص الطبية مطلوبة لاستبعاد سبب عضوي، ثم بعد ذلك تتم المعالجة والتثقيف المعرفي السلوكي طبقا للمشكلة الأكبر حاليا (الشعور بوجد نقطة في المبال، الشعور بنزول نقطة، أو الإطالة في انتظار قطرات البول) برغم من أن وجود الأشكال الثلاثة في نفس الحالة وارد جدا، كذلك من المفيد التعريف في كل حالة بأشكال الوسوسة المختلفة المتعلقة بنزول البول، وردود الفعل الاحترازية الضارة لكل منها من قبل المريض، ويفيد معرفيا هنا بيان العلاقة العصبية البيولوجية بين القبل والدبر وكون الإنسان عرضة للتوهم بأحاسيس فيهما ... مع التدليل بالحديث المشهور عن الشك في خروج الريح والذي سردنا تفصيله أعلاه مع وسواس خروج الريح وإنما نذكره هنا للقياس عليه، لأن القطع العصبية المسؤولة عن تلقي الإحساس من بطانة المبال وهي القطع العجزية الثلاثة (S2,S3,S4) عبر العصب الفرْجي هي نفسها التي تنتقل عبرها الأحاسيس القادمة من الدبر كخروج الريح، بما يسمح لنا بالقياس وإن كان هذا يصلح فقط في تفسير الشعور الكاذب بنزول النقطة لمساعدة المريض على التجاهل وعدم التفتيش، لكنه يفقد فائدته عندما تتحول القطرات من متوهمة إلى حقيقية، وهو ما يسبب ارتباكا كبيرا لمرضى الوسواس.
الشعور بوجود النقطة:
في حالة من يشتكي من الشعور بوجود نقطة في المبال تتم مناقشة المريض حول طريقته في التعامل مع ذلك الشعور لمعرفة ما يلجأ إليه من احتياطات وأفعال قهرية لمنع نزول نقطة البول وغالبا ما تشمل قبض عضلات والامتناع عن حركات معينة وأحيانا يصل الأمر إلى عدم شرب الماء أو السوائل قبل الصلاة بمدة أو أحيانا حتى صلاة العشاء، ثم تشرح له الآثار السلبية جسديا ونفسيا وعلاجيا ويطلب منه التخلي -ربما تدريجيا- عن ذلك وربما يحتاج ذلك إلى تدريبات الاسترخاء لتسهيل ذلك.
الشعور بنزول نقطة:
وأما من يشعر بنزول النقطة فعلا فيناقش أيضًا لمعرفة ما يلجأ إليه من احتياطات وأفعال قهرية بداية ربما من القبض المستمر، والمراقبة ثم الشك/الشعور بنزول نقطة، ثم التفتيش، ثم التطهير وهكذا... فأما القبض المستمر والمراقبة الدائمة للأحاسيس الحشوية في السبيلين فيدرب المريض على التخلي التدريجي عنهما وأما قهور التفتيش والتطهير أو تغيير الثياب... إلخ فلابد من وقفها تماما من بداية العلاج، وأحد الدعائم المعرفية هنا يكون التشديد على أن حكم نزول نقطة البول الحقيقية لا يختلف عن حكم الشعور الكاذب بنزول نقطة كلاهما في هذا المريض وسواس يدخل في عفو الله لأنه مرض.
انتظار البول المتبقي:
وأما من يطيل انتظار القطرات فيناقش حول طريقته في التعامل مع المشكلة، فعادة ما نجد الموسوس يلتزم بطريقة معينة تمثل الإجراء الأمثل بالنسبة له للاستبراء من البول بحيث لا يحتاج لتكرار الاستنجاء ولا يشك في طهارته وينعكس ذلك مبدئيا في إطالة الوقت في الحمام، ثم مع الوقت لا يكتفي الوسواس بذلك فإما أن يكتشف المريض بعد فترة تنقيطا رغم التزامه بالطريقة المثلى فيضطر إلى زيادة إجراء على إجراء بما يؤدي إلى مزيد من إطالة الوقت، ومن المؤسف أن الانتظار كثيرا ما يؤدي إلى نزول قطرات بول جديدة وكذلك القلق يزيد من إفراز البول، وتصبح العملية بلا انتهاء، وفي الجانب المعرفي من العمل العلاجي نبدأ بالشرح المستفيض لشيوع الظاهرة وتفسيراتها المتاحة وكونها طبيعية ولا تشير إلى مرض، وأن الشرع الإسلامي انتبه إليها وتعامل معها بداية مما روي عن النبي أنه صلى الله عليه وسلم: "بَالَ فَنَضَح فَرْجَه" [رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه] كما روى صحابي من ثقيف قال ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ)) رواه أبو داود. حيث استدل العلماء بهذا الحديث: أنه يستحب لمن انتهى من قضاء حاجته واستنجى أن ينضح (يرش) فرجه، وما يحاذيه من الثياب بالماء، فإذا أحس بالرطوبة قال: هذه الرطوبة من الماء الذي رششته، فيصرف التفكير بما يحس به، ويترك الشك والوسوسة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ينضح الماء على فرجه بعد التبول حتى إذا وجد بللا قال هذا أثر الماء، وأما صفة النضح فلا يجب أن تترك للموسوس يستنتجها بنفسه لأنه سيغرق الثياب كأنه يغسلها بينما النضح هو مجرد رش الماء، بحيث يغمر موضع النجاسة، ولا يلزم أن يسيل الماء، أو يتقاطر عنه بعد رشه، إلا أن من المهم الانتباه إلى أننا سلوكيا لا ننصح المريض بأن ينضح فرجه (ولو بصفة النضح الصحيحة) وإنما ننصح بالتجاهل، وعادة ما نعرض الكلام أعلاه للمريض لإيضاح أن المطلوب شرعا هو التلهي عن ذلك الإحساس... إلخ ما فصلناه من قبل في: وسواس البول المتبقي ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني3.
المراجع:
1. وائل أبو هندي، رفيف الصباغ، محمد شريف سالم ويوسف مسلم (2016) نحو فهم متكامل للوسواس القهري، البابُ الثاني: العلاج السلوكي للوسواس القهري، سلسلة روافد 138 تصدر عن إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة الكويت
ويتبع>>>>>: وساوس وقهور المبطلات ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني16
واقرأ أيضًا:
استشارات عن وسواس خروج الريح / استشارات تنقيط البول