في كل مكان تقريبًا، ستجد من يحدثك عن روعة أن تكون شخصًا «ذكيًا» عاطفيًا!
إنها الصفة المثالية التي يُقال إنها تفتح لك أبواب القلوب، وتجعلك أكثر نجاحًا في العلاقات والعمل، وهي تلك المهارة السحرية، التي تجعل الجميع يحبون صحبتك، لأنك – ببساطة – تعرف متى تتحدث، ومتى تصمت، ومتى تُربّت على كتف أحدهم في الوقت المناسب!
يبدو الأمر أشبه بموهبة رائعة، على الأقل كما يصفها مدربو التنمية البشرية وكُتب المساعدة الذاتية، لكن، ماذا لو أصبحت أنت الشخص الذي يفهم الجميع، لكنك في المقابل لا تجد من يحاول فهمك؟
ماذا لو تحوّلَت تلك القدرة الفائقة على قراءة مشاعر الآخرين وتفهّم أخطائهم إلى واجب مرهق، يجعلك دائمًا في موقف المتفهم، المتسامح، الذي لا يشتكي ولا يطلب، لأنك تفهم جيدًا ظروف من حولك، ولأنك – في نظر الجميع – قادر دائمًا على التحمّل؟
الذكاء العاطفي في هذه الحالة يتحوّل من ميزة إلى مسؤولية ثقيلة، إذ تكون أنت دائمًا ذلك «الشخص المتزن»، الذي لا يغضب بسرعة، لا يشكو بسهولة، ولا يطلب المساعدة إلا نادرًا، ذلك الشخص الذي يحتفظ بالهدوء حين يفقد الجميع أعصابهم، والذي يحرص على تصفية الأجواء من التوتر، بينما لا ينتبه أحد إلى توترك أنت!
الذين يملكون هذا النوع من الذكاء يصبحون مع الوقت أكثر عرضة للتجاهل، فطالما أنك لا تشكو، ولا تعبّر، ولا تنهار أمام أحدهم، فلماذا سيحتاجون هم لأن يبذلوا جهدًا في فهمك، ما دمت تقوم بكل شيء نيابةً عنهم، فتعفيهم من مسؤولية السؤال أو الاهتمام؟!
الذكاء العاطفي، في صورته المثالية، يفترض أن يجعل حياتك أفضل وأسهل، لكن ما يحدث في الواقع أحيانًا، هو أنك تستهلك طاقتك ومشاعرك في رعاية الجميع من حولك، حتى تنسى أن تحتفظ بشيءٍ من هذه الطاقة لنفسك، حتى تحين لحظة ما، فتدرك أنك لم تعد قادرًا على تحمل المزيد من الضغوط، لكنك لا تعرف كيفية التعبير عن ذلك بوضوح، لأنك اعتدت أن تكون أنت «الذي يفهم»، لا «الذي يطلب أن يفهمه الآخرون»
ربما يكون من الجيد أن تتذكر أن الذكاء العاطفي يجب أن يشملك أنت أيضاً، وأن تضع نفسك في قائمة الأشخاص الذين يحتاجون إلى التعاطف والاهتمام والتفهّم، وأن تتوقف قليلًا عن تقديم التبريرات والتنازلات للغير، وأن تمنح نفسك الحق في ألا تكون دائماً في أفضل حالاتك!
جرّب أن تقول لمن حولك من حينٍ لآخر إنك لست بخير، أو إنك تحتاج إلى مساحةٍ لنفسك، وجرّب ألا تكون متفهّمًا دائمًا، وألا تكون مستعدًا طوال الوقت للتنازل والاحتواء، ولا تجعل شعورك العالي بالآخرين يقنعك بأن ذلك ليس إلا تصرف أناني مقيت.
أما إذا لم ينتبهوا لك بعد ذلك كله، فلا بأس، فيمكنك أحيانا أن تمنح ذكاءك العاطفي إجازة قصيرة، وأن تستمتع قليلًا بمشاهدة حيرتهم، وهم يحاولون فهم ما تغيّر فيك!
نقلا عن جريدة القبس
واقرأ أيضًا:
الذكاء والطب النفسي / الذكاءات المتعددة