إغلاق
 

Bookmark and Share

على باب الله: وجهاً لوجه ::

الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/03/2007


كتبت وسافرت وعايشت وقرأت وسمعت وتعلمت، ولكن أن أكون في أحداث البلاد المبتلاة بالطاعون فهذا ما كان الله سبحانه يدخره لي، وأعيشه منذ فترة!!
كأنه الحلم أو الكابوس، أو فيلم درامي فكاهي تلعب أدوار البطولة فيه شخصيات كارتونية أحيانا بتصرفاتها، بينما أتوقع أحيانا أخرى كيف ستفعل.. ثم تفعل كما توقعت!!!
الضعف الإنساني وهو يتحول إلى شر ببساطة، وبدون علم أصحابه، أو ملاحظة من حولهم أحيانا!!
أعراض الطاعون النفسي الوبائي متفشية، والمصابون به يتكتمون أخباره مثل وزارة الصحة في أوبئة الصيف أو أنفلونزا الطيور!

وخبرتنا في معرفة الشرِّ بأنواعه وأعراضه قاصرةٌ وبدائية، ومواجهتنا له بالتالي خائبة ومسكينة، يبعثرنا.. يلعثمنا.. يبتزنا، ويسحبنا من أنفسنا، فنتحول إلى كائنات ممسوخة مجندة في جيوشه دون مقابل غالبا!!

في خلاصة خبرة إقامتها بمصر على مدى شهرين وضعت الدكتورة "الطاعون" بالتفصيل، وسألتني بإلحاح: لماذا لا يتعالج هؤلاء؟! لماذا لا يراجعون المتخصصين من باب الفضفضة على الأقل؟! قلت لها: كيف يطلبون العلاج، وهم يحسبون أنفسهم أصحاء يحسنون صنعا!!
ما كل هذه العاهات والأمراض؟! أردفت مندهشة، كان الله في عونكم.

كيف حصل هذا؟! تساءلنا في تأمل.
ما هي العوامل والظروف المحيطة بهذا الداء: نشأته وتطوره!! كيف تتعثر الخطى وتضطرب الرؤى، وتتآكل المواقف وتتشوه الجوانيات في صمت؟! كيف تتحور الكائنات فتصبح هكذا؟!

كيف تختلط المعايير والألوان؟! نفقد الثقة والاتجاه والأفق!! أراهم من حولي محبطين أو يحاولون التماسك، والدفاع عن أية قيمة أو معنى، ويخطئون في الاختيار غالبا، ثم يصرون على الاختيار الخطأ، ويتمادون غفلة أو كبرا، ولا أحد يلاحظ، وإذا لاحظ يتعامى، يتواطأ ويمرر كما يمررون!!

ما أقسى الحياة بلا طعم تحت ضغوط هائلة، وفي فوضى شاملة، وجمهور مسكين مضطرب!! والمدهش أن كل هذا يجري على إيقاع مؤثرات صوتية وضوئية، آيات وأحاديث وشعارات دينية تتردد في الخلفية، كلام تمر به المجالس، ويقطع به المصابون ليالي الشتاء الطويلة في حكايات القيل والقال!!

إنها غواية الحكايات أقوى فاعل في حياتنا والنشاط الأهم فيها حيث ينسحب أمامها كل شيء، ويتوارى أمامها كل ما كان يعد ثوابتَ أو قيما أو معايير!!
كله يهون ويتضاءل في سبيل الحكايات والأساطير وليس لدينا سواها فقد تدربنا على سماعها وتذوقها وتداولها فصارت نصوصنا المقدسة تتواتر فتنبني عليها الأحكام والمواقف!! ووداعا يا كل شيء غير الحكايات!!

صعب جدا وسط هذا المناخ أن تجد أثرا للصدق أو الشجاعة، بل يظنني البعض أكذب لأنهم يكذبون أو لأنهم يرون من حولهم يكذبون كما يتنفسون، وكله يهون في سبيل الحكايات وصدق من قال الكذبة الكبيرة يصدقها الناس أسهل!! أو من قال اكذب.. اكذب حتى يصدقك الناس!!.... واكذب ستين مرة حتى تصدق نفسك.

وأرى جلد الفاجر، وعجز الثقة، أفهم لماذا الشر منتصر ومنتشر، لأن أهل الخير ضعفاء عاجزون متخبطون، وقانون اللعب منحاز للعبة غير النظيفة!!
وتروج أكثر وأكثر الحكايات والأساطير والأكاذيب من كل شكل ونوع مثل القنابل والألغام، أو بالأحرى مثل السموم بطيئة المفعول فتنهار ثقة الناس ببعضها، وتنهار ثقتهم بأنفسهم، وتنهار ثقتهم بوجود الخير، أو أمل الإصلاح أو حتى رقعة إنسانية تصلح للتنفس أو لحياة آدمية، وهم يخربون عقولهم، ونفوسهم بأيديهم حيث يستسلمون لفعل العشوائية تضرب في كل اتجاه، والناس مطحونة تحت ضرباتها ولا تسأل عن التفكير أو المنطق أو الحقيقة، لأن قول الزور وشهادة الزور صارت تختلط بمعلومة مشبوهة مشوهة هنا، أو مبتورة هناك فيسد الإفك منافذ التعقل، ويحاصر محاولات التدقيق إلا أن يبذل الإنسان جهدا حقيقيا ليتبين كما أمرنا القرآن!!

هذا زمان الفوضى والمسخ، وكأن تعاليم ديننا لم تنزل بعد أو كأننا نتلوها على غيرنا فلا نسمعها ولا نعي، ما يجب علينا فعله، إنها عملية مسخ شاملة وواسعة تجري تحت تأثير عوامل كثيرة ومتشابكة، وأنا وسط هذا كله: تتألم الذات، ويتأمل الإنسان ويتعلم المعالج وسط مسرح العمليات.
16/03/2007

واقرأ أيضًا:
على باب الله: الطريق إلى بودابست / على باب الله بودابست  / على باب الله: وداعا بودابست / على باب الله: بنية وبيئة / على باب الله رسل النور/ على باب الله: إفتكاسات:29/ 5/2006 / على باب الله: أنهار سرية /على باب الله من منازلهم، وموقعي المفضل / على باب الله قطار الليل والنهار / على باب الله العيش موتا في أوطان تنتحر / على باب الله: دماغك فين؟!!على باب الله: قالت لي  / على باب الله عن التركيز والنسيان 7/10/2006 / على باب الله: الإيمان؛ قصة ومناظرعلى باب الله: ماذا نقول إذن؟!  / على باب الله: أنا والجهاد وزويل!!  / على باب الله: وطن في التيه / الإعلام وصناعة تاريخ بديل 15/10/2006  / على باب الله: رائحة العيد
 / على باب الله: غاوي شعب!! / على باب الله: خرائط العشق القاني / الإعلام، وصناعة تاريخ بديل / على باب الله: الحوت صديقي / على باب الله: هل أغنى للبطاطس؟! / في مديح المغاربة.... المصرية رائدة مشاركة / على باب الله: طعانون وسماعون / على باب الله: تأملات أندلسية / على باب الله: نتغزل في الحرية، وكلنا عسس / على باب الله: بيداء الوحدة والحرمان  / العزلة طبعاً: هل هناك اقتراحات؟!  



الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/03/2007