إغلاق
 

Bookmark and Share

على باب الله: لماذا ننهزم أمام الشر؟؟ ::

الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 25/03/2007


غالبا ما أرى البشر ليس بوصفهم أعداء وأصدقاء، بمقدار ما أراهم منتصرين على الشر بداخلهم وحولهم، أو منهزمين أمامه، وغارقين فيه!!
ولا يفيد النفاق أو الكذب شيئا سوى خداع الذات، والمزيد من التشويه للبيئة المحيطة، والتشوه الداخلي من قبل ومن بعد.

يسود النفاق ويدعمه رأسمال قوي، ودول ذات ثروات هائلة، ومشايخ وأساتذة جامعات، وبالتالي يتحول من مجرد فكرة أو مسلك مذموم إلى ممارسة وتقاليد ونظام حياة. في زيارة سريعة للقاهرة تقابلت معهن، وسألن، وهن المتابعات لما أكتب: ما هي الوصية التي نعود بها إلى من نعمل معهم في الدولة الأم حيث ننشط ونجاهد في فعل الخير ونشره؟!

تأملت قليلا، وقلت ببساطة واختصار: نحتاج جميعا للبدء بشيء واحد، وهو أن نحاول الكف عن الكذب، وسكتن برهة، ثم قالت إحداهن، وكانت منتقبة، وتتحدث بهدوء وثقة: ولكنك تعرف يا دكتور أنهم إذا توقفوا عن الكذب ينهار كل شيء عندهم وحولهم، لأن حياتهم كلها قائمة على الكذب، فهم يكذبون في كل شيء، ويكذبون على كل أحد، وفي كل وقت وحين!!

وكان متكئا فجلس، وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور وظل وظل يكررها، حتى قلنا: ليته سكت!!
هذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في رده على سؤال عن أكبر الكبائر، ونحن يحتل قول الزور، وشهادة الزور القسم الأهم والأضخم في ملفات أدمغتنا، وممارسات حياتنا!! الحكومات تكذب بفجور، والناس تكذب أفجر!!

وتشاهد عجائب المخلوقات، وغرائب الطبيعة في كائنات تصدق كذبها وتتقمصه، وكائنات جاهزة لتداول الزور، ومجالس النميمة، وأكل اللحم الحي، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!

الفساد والفوضى والنفاق، وبالتالي الإفشال والفشل، هي المنظومة الحاكمة، بدلا من وجود نظام للفرز والتصنيف والتدقيق والاختيار والتصعيد والتوثيق والمراجعة والماحاسبة، ووضعنا الحالي هو الأمثل بالنسبة لأعدائنا، لأنه مناخ الهزيمة بجدارة.

الناس منشغلة بالقيل والقال، بألعاب السلطة والثروة، بالفضائح، وصناعة الفتن يبن الخلق، بتدبير المقالب، وخلط بما هو شخصي بما هو عام، بتلفيق الأكاذيب، وحياكة المكائد، وغارقون حتى الأذقان في هذا وذاك وذلك، فمن أين يأتي النصر أو التمكين؟! وهم يخربون بيوتهم بأيديهم!! أقصد نخرب بيوتنا بأيدينا!!

متى يجد الناس وقتا للإبداع أو الإنتاج أو الاجتهاد؟! متى، وماذا نعمل؟! ماذا نقدم لأنفسنا وللعالم غير الغثاء والنواح والصراخ وقلة العقل والمعرفة؟!
وكلنا يدعي وصلا بليلى، ملائكة نمشي على الأرض، كلنا نبكي على الدين، وعلى الأخلاق التي انهارت، والقيم التي ضاعت!!

ولا أحد يذكر ما ومن السبب في الانهيار والضياع والهزيمة؟! ماذا غير النفاق والحسد والنميمة والخواء والعاهات النفسية، ووقت الفراغ والضياع الذي هو أهم بند في جدول أغلبنا!!
بماذا تنتصر أمة مثلنا؟! لا علم مادي، ولا نظام روحي ولا أخلاقي، ولا ثروات نستثمرها في خير وبناء، إنما السفهاء ينفقون المال في الفساد والإفساد أفرادا ودولا، وقطعان المنافقين تهاجر من مراعيها المجدبة لتأتي على خضرة الدلتا، وضفاف النيل: مثل الجراد تهبط، ولا تترك وراءها إلا الخراب!!

انظروا إلى جزيرة العرب من حيث خرج هذا الدين العظيم ستجدونه هناك وهنا ينطفيء، وفي مذابح الجزائر من قريب، وفي فتن العراق، وفي لبنان المنتصر بالأمس، والمنقسم أبدا!!
في مصر التي تنزف، وتضرب في أنسجتها الأمراض والعلل وفي الغرب العربي كله، وفي الاحتكاك مع إيران، وفي فاتورة حساب كل بلد، وفي نتائج الفحوصات، وصور الأشعة، وجلسات العلاج النفسي، ونصوص أحاديث المجالس، ودردشة شات الانترنت، ها هي أمة تستحق الاستبداد فيها، وتطاولَ أعداؤها عليها لأن المرض نحسبه الصحة, والشر ينتصر بداخلنا فننشره حولنا، ونتشوه ثم ننافق لنفلت من مواجهة ذواتنا، ونلقي بالتبعة على الآخرين، وهي لعبتنا القديمة الجديدة!!

أدقق فأرى من حولي بشر هم نماذج حية على مثال الأمة كلها: مضطربة، متعثرة، تائهة، متخبطة، منافقة، فاسدة، غارقة في الخواء والعدم والضياع، ثم هي تحارب طواحين الهواء، وتحتفي بالزور وأهله، وتستسلم للخرافات والأساطير، وتنعم بالتخلف!!

وهي مع هذا كله تحمل الخير بداخلها، ولكنها تخفيه، تعتبره سذاجة، أو ضعفا، أو تزهد فيه، وتتركه يتشوه فيها كما تتشوه كل الأشياء الجميلة لمصلحة النفاق والكذب!!
نحن نحمل خيرا كثيرا، وفينا خير كبير ضائع وسط الفوضى والكراهية العمياء، وهمزات الشياطين، وصنائع السوء، وفي أمتنا الخير، وكل الأمل لكنه مدفون وسط ركام السفه والإسفاف والدناءة وكل ممارسات العبث واللامعنى!!

في جعبتنا أسباب النصر، لكن أغلبنا متمسك بالهزيمة، هل هذا هو الاكتئاب القومي العام أم شيخوخة مبكرة؟

واقرأ أيضًا:
الله: الطريق إلى بودابست / على باب الله بودابست  / على باب الله: وداعا بودابست / على باب الله: بنية وبيئة / على باب الله رسل النور/ على باب الله: إفتكاسات:29/ 5/2006 / على باب الله: أنهار سرية /على باب الله من منازلهم، وموقعي المفضل / على باب الله قطار الليل والنهار / على باب الله العيش موتا في أوطان تنتحر / على باب الله: دماغك فين؟!!على باب الله: قالت لي  / على باب الله عن التركيز والنسيان 7/10/2006 / على باب الله: الإيمان؛ قصة ومناظرعلى باب الله: ماذا نقول إذن؟!  / على باب الله: أنا والجهاد وزويل!!  / على باب الله: وطن في التيه / الإعلام وصناعة تاريخ بديل 15/10/2006  / على باب الله: رائحة العيد
 / على باب الله: غاوي شعب!! / على باب الله: خرائط العشق القاني / الإعلام، وصناعة تاريخ بديل / على باب الله: الحوت صديقي / على باب الله: هل أغنى للبطاطس؟! / في مديح المغاربة.... المصرية رائدة مشاركة / على باب الله: طعانون وسماعون / على باب الله: تأملات أندلسية / على باب الله: نتغزل في الحرية، وكلنا عسس / على باب الله: بيداء الوحدة والحرمان  / العزلة طبعاً: هل هناك اقتراحات؟!  / على باب الله: ذات البين 3/3/2007 / على باب الله: بريدي مخترق!!



الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 25/03/2007