آثار التحرشات النفسية
السلام عليكم ورحمة الله؛ بداية أتمنى إخفاء ما يمكن إخفاءه من معلوماتي خصوصا الموطن الأصلي.
حقيقة لا أعلم كيف أبدأ بمشكلتي، لا أستطيع حتى تحديد المشكلة أشعر أن كل شيء متشابك وكل ما سأقوله مشكلة بحد ذاته، لا أعلم لكن سأحاول سردها بترتيب زمني قدر المستطاع
1- حين كنت في الحادية عشرة والنصف أو الثانية عشرة من عمري وكنت قد بلغت للتو وقعت لي أول حادثة تحرش، كانت من عامل في محل بقالة من جنسية غير عربية الساعة السابعة أو التاسعة صباحا، كنت ذاهبة مع أخي واختلفنا فتركني وعاد إلى المنزل وبقيت أنا لأشتري ما أريد، كان التحرش عبارة عن ملامسات وضغط لكن بعضها آلمتني جسديا ولم تكن بالشيء العميق جدا أو السطحي جدا، وحين انتهى قال لي تعالي بكرة ومافي أجيب فلان طيب، فلان هو اسم أخي
عدت إلى المنزل ولم أبكي أو أظهر أي ردة فعل أبدا فقط فكرت كثيرا بما حدث وبعد تفكير عميق قررت أن أخبر أمي بأنه يزعجني ويمنعني من الخروج بدافع المزاح فاتصلت بصاحب البقالة وأخبرته وفُصل العامل. بعدها استوعبت أنه من قبل هذه الحادثة وهذا الشخص يتعمد إمساك يدي وقرصي عدة مرات وبشكل غريب، أي كانت هذه نيته منذ البداية وبما أني كنت أظن الجميع طيبون وأن هذه الأفعال لا تحدث هنا في مدينتنا فلم أشغل بالي كثيرًا.
2- بعد هذا الموقف بدأ إخوتي بملامستي لفترة لا تقل عن السنة كوني أكبرهم وأول فتاة يرونها تبلغ! كنت كائنا فضائيا بالنسبة لهم. ولم أخبر أحدا من أهلي لأني منذ بلغت قررت الانفصال عنهم قدر المستطاع ولم أرغب بأن يعرفوا شيئا عني حتى عن بلوغي.
3- في المرحلة المتوسطة بعد تلك الحادثتين كنت أتعمد إحاطة نفسي بالفتيات لأحمي نفسي من أن أبقى مع إحداهن بمفردي ولو لثواني! فقد بلغ بي الخوف مداه.
لم أكن أسلم على أحد ولا أسمح لأحد بلمسي ولو بالخطأ وأغسل يدي أو الموضع الذي لمسه بعده من شدة الاشمئزاز، وحين تحتضنني إحداهن أشعر برغبة بالبكاء مع الاشمئزاز، كنت أكره ذلك أكره أن يشعر بجسدي أحد وأشعر أن تلك غايتهم من كل ما يفعلونه وحتى في الزحام أحمي جسدي من الفتيات قدر المستطاع، وفي آخر سنة من المرحلة المتوسطة احتضنتني إحدى الزميلات التي لم تكن تعلم أني أكره ذلك وشعرت أن الأمر ليس سيئا إلى هذه الدرجة ويمكنني تقبله من بعض الفتيات إن كن جميلات.
4- في المرحلة الثانوية بدأت أتخلص من عقدتي تلك مع الفتيات وتحديدًا مع من أحبهن منهن، بقية الفتيات لا زلت أشمئز إن لمسوني لكن لم أعد أشعر برغبة في البكاء جراء ذلك، أصبحت أميل للفتيات، لن أقول جنسيا فتفكيري بهن غير جنسي لكني وجهت عاطفتي تجاههن بدل أن أوجهها تجاه الفتية فقد كنت أكرههم ولا زلت حتى يومنا هذا.
أحببت العديد من الفتيات في هذه المرحلة وكنّ شيئا مهما في حياتي، وكنت أسعى للتواصل الجسدي معهن قدر الإمكان وأشعر برغبة عارمة بالالتحام فيهن من شدة الحب، وفي ذات الوقت تعرفت على العديد من الفتيات الشاذات وحاولن ممارسة أشياء لا أخلاقية معي وكنت أرفضهن وأنفر منهن، لكن لم أشعر بما شعرت به يوم أن تحرش بي ذلك العامل رغم أن بعضهن ارتكبن ما هو أفظع من ذلك.
5- انتقلت إلى دولة جديدة يسكن بها بعض أقاربي، أحد محارمي من نفس جيلي وبالتالي كان يأتي معي في كل مرة أخرج فيها من باب الحرص ولألا أكون فريسة سهلة للمتخلفين، لكن ما حدث أني رفضته في داخلي وكنت أكره مجيئه معي وأكتئب حين يمسك بيدي لنقطع الطريق وأشعر أنه فعل شيئًا عظيمًا حينها.
مع مرور الوقت عوّدت نفسي عليه وأصبح الأمر عاديا وما أن فرحت بانتصاري هذا حتى انتكس حالي وبدأت أخاف من الخروج معه جدا لدرجة أني أشعر برغبة عارمة بالبكاء والصراخ إن خرجت معه! من الأسباب كان ما حدث لي والسبب الآخر كلما رأيت منه ما يثبت أنه رجل كرهته وشعرت بذلك ثم ما ألبث أن أنسى وأعود لمحادثته والخروج معه.
6- منذ فترة وجيزة استوعبت أن حركات أبي معي منذ حوالي 3 سنوات قد تعتبر تحرش. حيث أنه يحكي لي بعض الأشياء المخلة التي تحدث أو تقال له في مجال عمله ويحكيها لي بمفردي بمعزل عن الناس. وملامساته الكثيرة لي وتحسسه لكتفي ويدي وساقي وتحريك يده على ظهري يشعرني بذلك، كما أنه ذات مرة أراد تقبيلي فحدث أن قبلني بطريقة غير لائقة رغم أني لا أذكر أني تحركت كثيرا لتأتي هكذا! شعرت أنها كانت عن قصد.
أذكر أنه منذ 3 سنوات اختلف والداي كثيرا وبدأت أشعر أن أبي يحاول وضعي موضع أمي في كثير من الأشياء لدرجة أني بدأت أخاف لكن لم أتوقع أن يكون كل ما يفعله أصلا تحرش! أبي يقول لي كلمات نابية أحيانا كلمات لا يقولها أي أب لأبنائه كما أني أشعر أن كلامه يحوي تلميحات كثيرة سيئة، أنا أكرهه وأتمنى أن أقطع علاقتي معه وبدأت أضطرب نفسيا حين يأتي لزيارتنا! للعلم هو لا يسكن معنا الآن بسبب كثرة المشاكل لكنه يتمنى ويحاول العودة لذا نفسيتي مضطربة جدا هذه الأيام.
من الأشياء التي أود توضيحها أني في الأصل شخصية اجتماعية جدا لكن ما حدث لي يشعرني بالاكتئاب فجاء كل ما تذكرته وانغلقت على نفسي لفترة، وأنا لا أبكي على أي شيء ولا أذكر أني بكيت على أي من هذه المواقف حتى الآن، ربما فقط آخر موقفين كنت أشعر بالضغط النفسي فعلا وكنت أتمنى البكاء أحيانا وأتهرب منه لأني لا أريد أن أراني هكذا.
أيضا أنا شخصية جريئة لكني لا أتمنى مواجهة أحد بما حدث معي لأني سأكره نفسي بعدها، فهذا ليس شيئا جيدا لأحكيه كما أن أحدا لن يفهم كل ما أشعر به بالضبط وسينعتونني بالمبالغة. فقط حكيت لأحد محارمي ذاك الذي حدثتكم عنه وأحيانا أشعر بالندم على ذلك وأشعر أني خنت نفسي لأني أفصحت بسرٍ أخفيته لأكثر من 7 سنوات ولا أود معاودة ذلك قدر المستطاع.
أيضا أنا لا أخشى الرجال عادة -إلا إن تذكرت ما حدث أو بقيت وحيدة مع أحدهم حتى وإن كان أخي- وأتعامل معهم بكل سهولة لكن بعد انصرافهم أكرهني وألومني كثيرا وأشعر أني أصبحت ملوثة ومن الأفضل لي أن أختفي. وكذلك أنا لست مقربة من أهلي وأسعى جاهدة للانفصال عنهم ماديا ومعنويا، ربما هم ليسوا سيئين ولكني لا أفضل إطلاع أي أحد على أموري ومشاكلي لذا لن أخبرهم بشيء مهما حدث، كما أني لا أحب أن يلمسوني كذلك وكلما لمسني أحد أفراد عائلتي بالذات شعرت بما شعرت به يوم التحرش، أما لو كان غريبا عني أو من أصدقائي فلا أشعر بذلك.
كما أني بدأت أقرأ قصص التحرش كثيرا في تلك الفترة لأتأكد أن كل تصرفاتي وأحاسيسي طبيعية لمن هم في نفس حالي وأني لا أبالغ. لا أعلم أين هي المشكلة لكن كل هذه التعقيدات أشعر بها وأرفض الزواج جدا وأمقت كل من يتحدث عنه وعن الجنس خصوصا، أكره كل ذلك وأتمنى أن يموت كل من يفكر بذلك حتى وإن كان بالحلال،
أشعر أن في هذا إهانة للشخص لا تعبيرا عن الحب.
وشكرًا لكم;
16/9/2016
رد المستشار
رغم حملك القاسي الذي أثقل ظهرك ونغص عليك فرحة حياتك؛ إلا أنك بخلت على نفسك المتألمة المحتاجة للتطمين، والدعم؛ بأن تشفقي عليها، وتسمعيها تبكي مما تتألم وتخاف!؛ فلم تسمحي لنفسك حتى الآن أن تحنو عليها، فإلى متى ستبلعين ألمك، وتقفزين من فوقه متصورة أنه قمة القوة؟؟؛ فما تفعلينه هو عين ارتباكاتك، وتصرفاتك الغير سوية!؛ وليس معنى حديثي هذا أنني أقلل مما تعرضت له منذ صغرك؛ فالتحرش الجنسي يعتبر من أسوأ التجارب التي تمر بها الفتاة، وآثارها تظهر عليك بوضوح؛ فلقد كرهت الجنس واحتقرتيه، وعممت ما حدث من هذا الكلب على كل ذكر، وتتشاجرين مع فطرتك وفطرة كل البشر فتتعثرين في علاقات مع فتيات تحزنك أنت قبل أي أحد، وكلما اكتشفت أن فطرتك لازالت بخير تشعرين نفسك عن عمد بالخيانة، والتقزز!؛
وأقول لك ثانية يا ابنتي أني أقدر تماما ما تعرضت له، وأقدر ألمك، وارتباكاتك تماما، ولكن أرى أنه قد آن الأوان لتتخلصي من ذلك الحمل الثقيل الذي يعثر خطواتك للأمام، ويوقعك مرات، ومرات، والأفضل لك أن تفعلي ذلك مع متخصص نفسي ماهر؛ ليضع معك برنامجا علاجيا متكاملا يحمل تدريبات سلوكية، ومعالجة أفكار تشوهت نحو جسدك، ومشاعرك، والعلاقة الجنسية، والرجل، إلخ، وقد يساعدك ببعض العلاجات الدوائية لآثار اكتئاب، أو قلق، وحتى يحدث ذلك يمكنك أن. تتابعي هنا ما قد كتب عن التحرش وخطوات عملية تجاه التعافي منه، وأترك لك تلك النقاط لتهضمينها جيدا :
- البلوغ ليس معناه الوحيد أنك صرت أنثى، وتصلحين للعلاقة الجنسية والإنجاب؛ فالبلوغ مرحلة انتقال على مستوى المشاعر، والأفكار، والتكوين الجسدي من الطفولة للرشد؛ فالبلوغ إذن بوابة "النضوج"، و"المسؤولية الذاتية".
- الجنس يكون هدف "المتحرش"، لكنه ليس هدفا وحيدأ للزوج؛ فالمتحرش لا يحب من يتحرش بهن، ولن يبذل تضحيات من أجل سعادتها، ولن يتورط في مسؤوليات كبيرة؛ كالبيت، والأطفال، والزوجة، المتحرش شخص محروم جنسيا، أو مريض نفسيا؛ ولاحظي أن من تحرش بك في البداية كان من العمالة الأجنبية؛ أي ترك زوجته، وبلاده، وممنوع عليه اصطحابها لسنوات، وسنوات؛ بالطبع لا أدافع عن تحرشه، ولكن فقط أوضح لك.
- منذ حدوث هذا التحرش، وصرت حساسة جدا لأي تلامس، وصرت "تركزين" في التحرش، وأريدك هنا أن تصدقي عبارة غاية في الأهمية "النفسية"؛ حيثما تركزين انتباهك يحدث لك!؛ فتركيزك على التحرش والتلامس الغير منضبط يجذب لك التحرش، والتلامس، والحديث الغير منضبط!، واختبري ذلك في أي شيء سلبي، أوإيجابي وستجدي عجبا!.
الزواج ليس أبوك، وأمك، وإخوتك؛ فهؤلاء ضحايا تفكيرهم، ومعتقداتهم، أو مشكلاتهم،.... الزواج "حياة"، وليس "موت"؛ والحياة طاقة، ونور، حزن، وسعادة، ومسؤوليات، ومتعة..... إلخ، فقط نقترب من أنفسنا بصدق لنتمكن من الاختيار المناسب ليكون زواجا ناجحا.
- ما حدث ليس مسؤوليتك، ولا سببه جسدك، ولا سببه أنوثتك، ولكن حدث أسباب كثيرة تبدأ بطبيعة العلاقة بينك، وبين مشاعرك، ومخاوفك، وبينك وبين أهلك، ومرورا بعدم وعي، واحتواء، وحماية من أهلك، وانتهاء بتنصلك الآن من تضميد جراحك بنفسك لنفسك.
- الأنوثة ليست فقط الإغراء، أو الغواية، فالأنوثة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير؛ فهي احتواء، وحنان، وأمومة، ودفء، وعطاء، وعذوبة، وطاقة، ورقة، وإغراء.
- لم أتمكن من التأكد مما تحدثتي عنه مع والدك، ولكن. تذكري أن من آثار التحرش؛ وجود فوبيا من التحرش؛ ولتتذكري كذلك ما قلته لك عن "العبارة"، وتذكري أن المتحرش هو الأضعف في المعادلة، ولكن خوف، وارتباك الضحية هو ما يشجعه، ولو والدك يتحرش بك فعلا؛ فلا تصمتي، ولا تخافي، بل قومي بتخويفه منك، ومن الفضح.
- تحملين بداخلك بجانب الخوف، الغضب؛ فأنت غضبانة من أهلك أنهم لم يحموك من التحرش، وهو شعور عميق قد لا ترينه بسهولة، ولكنه يفسر اشمئزازك من تلامساتهم بالأخص؛ فلتقبلي غضبك منهم، وناقشيه بهدوء؛ لتكتشفي مدى صدقه، وحقيقته نحوهم؛ فأهلك مقصرون، ولكنهم كذلك جهلاء نفسيا؛ فلم يدركوا حقيقة ما تحتاجينه، وعذرهم أنهم لم يتعلموا عن نفسهم، ولا عن الزواج، والتربية أكثر مما اجتهدوا فيه، أو وصل لهم؛ فلا تلصقين غضبك منهم بعجزهم عن تقديم الأفضل.
أتمنى أن تعي ما قلته، وإن كنت أرغب في المزيد، ولكن على أية حال أسأل الله أن يريح قلبك، ويديمك طيبة.