الرهاب من الزواج!
السلام عليكم ورحمة الله.. شكرا لكم ولموقعكم المميز في توفير الدعم والنصح بطريقة سلسلة ومريحة، أرجو أن تعذروني على سؤالي الطويل ولكن لابد أن أذكر الجوانب المهمة من مشكلتي.
معظم البنات اللواتي أعرفهن ينتظرن وبشوق أن يأتي شخص ما ليتقدم لخطبتهن ليبدأن حياتهن الجديدة.. عندما أعرف أن فلانة خطبت أو ستتزوج وأنظر إليها وأرى الفرحة على وجهها أسأل نفسي.. هل هي فعلا سعيدة كما تبدو أم أنها تتظاهر؟؟ هل من الممكن يوما ما أن أكون في مثل موقفها وأكون قادرة على الابتسام مثلها؟
في بداية العشرينات من عمري لم أكن أعلم بأنني أعاني من هذه المشكلة.. بل لقد تقدم إلي شاب من جامعتي وكنت استلطفه حينها وسعدت عندما أخبرني أنه يفكر أن يرتبط بي.. ولكن بعد شهرين من التعارف أيقنت أننا لا نتشابه في أي نقطة ولا يمكن أن ينجح زواجنا.. فاعتذرت منه واكملت حياتي، لكن تدريجيا بدأ هذا الشعور بالخوف من الزواج بالظهور إلى درجة أنني عندما أعلم أن هنالك أحد ما يفكر أن يأتي إلى بيتنا ليتعرف علي لغرض الخطبة أشعر بانقباض في الصدر وحزن شديد وبكاء وفقدان للشهية ووو.. وأخبر أهلي أنني لا أريد أن أراه.. وقد تكررت هذه الحالة كثيرا معي..
أنا متدينة والحمد لله.. أخاف الله وأريد أن أتبع أوامره.. وأعرف أن الدين يحث على الزواج والاستقرار ويعطي هذه المسألة أهمية كبيرة.. لذا حاولت أن أتعرف على مشاكلي وقرأت عنها لأنني فعلا أريد أن أكون إنسانة طبيعية.. وقرأت أنني يجب أن أخرج معتقداتي السلبية وأن أتحرر منها.. وفعلا اكتشفت العديد من المعتقدات السلبية التي صدمتني.. فلدي معتقدات تجعلي أتخوف من الزواج.. وأتخوف من شريك الحياة.. بل لدي مشاكل مع نفسي كذلك.. كالخجل الشديد وضعف الثقة بالنفس وعدم تقبلي لجسدي الخ.. كل هذه بالتأكيد عوامل ساعدت على خوفي من الزواج بالإضافة للقصص السلبية التي أسمعها أو أراها بأم عيني في محيط عائلتي وصديقاتي والتي جعلتني أفكر بأن العيش بدون زوج سيجعلني مرتاحة وسعيدة أكثر في حياتي.
ولكن كيف أستطيع أن أتحرر من هذه القناعات؟؟ فلا يوجد هنالك زر سحري أقوم بالضغط عليه فتتغير مشاعري، لقد تعبت.. لأن أهلي قد تعبوا بسببي وهم قلقين على مصيري ومستقبلي خصوصا وأنني قد تجاوزت الثلاثين، منذ يومين جائنا شخص ليخطبني وقررت أن أجلس معه هذه المرة وأحاول أن أفكر بمنطقية حتى لا أغضب ربي.. وصليت صلاة الاستخارة وجلست معه.. لم يكن به ما يعيب أبدا سوى أنني لم أستطع أن أستسيغ شكله.. لم أتقبل وجهه نهائيا.. وطلبت أن جلس معه مرة أخرى عسى ولعل أن تتغير مشاعري لكنها لم تتغير، أخبرت أهلي بأني لن أوافق على الاستمرار لأنني لا أستطيع أن أتقبله أو أن أكون على طبيعتي معه ولن أكون سعيدة بارتباطي.. فأخبروني بأن خوفي من الزواج هو الذي طغى على صورته وأنه لا شيء يعيبه..
لكنني أعتقد أنني يجب أن أعالج نفسي قبل أن أفكر بالارتباط بأحدهم لأنني لا أريد أن أظلم أحدا، أريد أن أكون مرتاحة ومطمئنة كي أستطيع أن أسعد شريك حياتي..
ما الحل أفيدوني أفادكم الله.
16/10/2017
رد المستشار
السائلة الكريمة:
لابد أن الأقدار لها خطة وترتيب في تيسير استكمال الرسالة التي أريد توصيلها في نقد الطريقة التي يعيش، ويتزوج بها أغلبنا.منذ فترة أجبت على سائلة في مثل عمرك تشتكي مما أسمته "الخوف من الزواج" لكنها وضعت هذا الأمر في سياق ما تراه عبئا ضاغطا، ألا وهو شهواتها الجنسية المتأججة، وأرجو أن تعودي إلى إجابتنا عليها: خيالات جنسية، ومخاوف طبيعية: قصة شاردة، هنا أريد أولا الإشارة إلى جهدك في استبصار حالتك، وهو مما ينبغي الإشادة به، وهو مما تغفل عنه الفتيات، وخاصة العربيات!!
الحياة في البيئات العربية يعني التعرض لكثير من الصدمات، والدهسات، والضغوط، والتشوهات التي تترك آثارها عميقة في نفوسنا جميعا، وتأثر النساء يكون أكثر!!
من المتفق عليه علميا أن ننظر إلى النساء بوصفها مجموعة أكثر هشاشة، وأكثر عرضة للتأثر بالضغوط، والتعسف، والعدوان، وأظن أن هذه الحقيقة العلمية غائبة عن التربية، والتعليم، والإعلام، والتعامل في البيت، والشارع، والمحيط العربي كله، أو هي حاضرة أحيانا على نحو مربك يعني لدى البعض تقييد حركة المرأة، والحجر والوصاية عليها باسم حمايتها، ومن أجل ضعفها، وهشاشتها فإنه يجدر حبسها في قوقعة صلبة لتظل رخوة تحت الوصاية، والحماية من المهد إلى اللحد!!
ترسانة من المفاهيم والأوضاع المغلوطة المشوهة تتعرض لها نساء العرب، وأستطيع القول أن الانصياع لها، أو التمرد عليها يترك آثاره عميقة في التكوين النفسي على النحو الذي تفضلت أنت به كأمثله مما يصيب نفسية الفتاة العربية، وقد ضربت أمثلة مثل: الخجل الشديد، وضعف الثقة بالنفس، وعدم تقبل شكل الجسد، وصورته!! لحظة من فضلك!!
هذه الآثار وغيرها هي مما يتراكم بداخل كل فتاة عربية تقريبا، إلا من رحم الله، ولكن ينضم إليها صفات أخرى غالبا، مثل إنكار وجود هذه الأمور، أو عدم التركيز على تأملها، ومن ثم التقاعس عن التعامل معها!!
يغيب التفكير المنطقي غالبا عن عقولنا، وبالتالي ستجدين ملايين الفتيات العربيات لديهن نفس ما تلاحظين في نفسك مصحوبا بإنكاره، وربما مصحوبا بالخوف من الزواج – الذي هو نتيجة طبيعية لوجود هذه النقاط، وغيرها بداخلهن - ولكن يظل الأمر مسكوتا عنه، أو غير مربوط ببعضه إرتباط الأسباب بالنتائج!! كما تتم إزاحته لمساحة العلاقة بالزواج، أو ليصبح مسئولية الشريك!!
وراء كل مفهوم، أو معتقد مما يكبل حياة الفتاة العربية، ويحيل رحلتها في الدنيا إلى معاناة يربض نظام كامل من الأفكار الخاطئة والراسخة، والتصورات المرضية البلهاء بعضها يتحلى بديباجيات دينية، أو علمية مزيفة، وبعضها مجرد أعراف قبلية، أو عشائرية، أو عائلية، وبعضها أساطير، وخرافات شائعة عالميا!!، لا يتسع المقام لأبسط لك القول عن كل مفهوم، وما يربض وراءه من نظام تفكير وممارسة، ولكن سأحاول إعطاء أمثلة.
الأول متعلق بالخوف الشديد مما نسمية "الفشل"، وما يحيطه من تهويمات، وتخاريف عن "النجاح"!!، الخبرة الإنسانية تتضح عبر عملية أو عمليات التعلم، والعنصر الأهم مطلقا في التعليم هو ما نسميه "الفشل"!!.
الإنسان ينضج وينمو تحديدا عبر بناء تصورات وتقديرات ثم اختبارها في الواقع ثم تطويرها في ضوء دراسة جوانب "الفشل" فيما سبق، وقدر!! وتقدم وازدهار الأمم يتوقف على قدرتها وجهدها في مراجعة الهزائم، وأسباب "الفشل"!!.
وفي الإسلام فإن الاحتفاء عريض واسع، والتمجيد والمجد مكرر ومكرس لهؤلاء الذين "يفشلون"، أو يخطئون ثم يتعلمون من أخطائهم!!، دينامية الحياة بين خطأ واستغفار، أو معصية وتوبة أو زواج وطلاق، أو اندفاع واعتذار...هذه الدينامية مكفولة ومحمودة في دين الإسلام، ولكن ليس في واقع المسلمين، وبخاصة العرب!!.
عند العرب منظومة جاهلة وجاهلية جهلاء ترى الخطأ – الذي هو أروع مدخل للتعليم – تراه عارا، وبالتالي لا نتعلم من أخطائنا، ولا من أخطاء، ولا من تجارب غيرنا، بل لا نعترف بالتجريب أصلا، والتجريب غير الاستسلام للعشوائية العمياء التي نمارسها!!، انعكاس هذا الوضع المأساوي على حياة الفتاة العربية يظهر في ضعف الثقة بالنفس، والخوف من الفشل عامة، ومما نسميه الفشل في الزواج خاصة!!
في غفلة أو غيبوبة أو غياب عقل ودين تحول النموذج الأمثل للزواج العربي إلى النموذج المسيحي التقليدي في بعض جوانبه!!، حيث الطلاق يصبح عارا، وحيث المجتمع غير مستعد للتعامل مع آثاره، وحيث يعير أطفال الطلاق بفشل الوالدين في الاستمرار، وبقية نواحي الخبل المأساوي الذي نعتقده ونمارسه تجاه الطلاق، حتى يمكنني القول أن ما تسميه الفتاة العربية: الخوف من الزواج هو في حقيقته – ولو جزئيا – هو خوف من الطلاق!! خوف من "الفشل"!!المثال الثاني من المفاهيم والممارسات المشوهة في حياتنا، وحياة الفتيات خاصة هو ما يتعلق بصورة الجسد، وفي هذه المساحة تتداخل المقاييس التجارية الدولية مع المخيلة غير الواعية لتصوغ لنا صورة الجسد المشتهى!!
النتيجة: تحلم الفتاة العربية برجل ممشوق القوام، أو مفتول العضلات، وربما تصل المخيلة إلى تفاصيل مثل كثافة صدره، أو حجم عضوه التناسلي!!وبالمقابل يحلم الرجل العربي بامرأة مضبوطة المنحينات، قياسية التضاريس لا ترى فيها عوجا، ولا أمتا!!، هذه المخيلة عند الرجال والنساء صاغتها ملايين الصور واللقطات التي نتعرض لها منذ أن يتفتح وعينا على الإدراك، ومن نتائج الاستسلام لهذه المخيلة أن يصاب بالإحباط كل من هو غير ذلك!! ولا يكاد أحد منا يدرك أنه منتم للأغلبية!!، أغلبية أجساد الناس في العالم كله لا تنتمي لهذه الفئة طبقا للمثال الأول فإن العقلية والحياة العربية تحبذ الزواج لمرة واحدة فقط من شريك مثالي الصورة، وبغرض الحياة الزوجية الناجحة بلا فشل، ولا مشاكل كما في المثال الثاني أيضا!! ،الزواج العربي يحاول النجاح في هذه اللعبة البائسة!!.
النتيجة لأن ملايين الفتيات والرجال يرغمون أنفسهم، ويرغمن أنفسهن على دخول هذا المضمار الخاسر تحت دعاوي أن الدين يأمر بالزواج... إلخ، وكأن الدين يشجع العمى والتعامي، ويدعم لعبة تتكلف المليارات سنويا دون أن يتحقق منها أي عائد في سبل إشباع الاحتياجات التي من المفترض أننا نتزوج لإشباعها!!
ومن أهم أسباب الخسران أن من يدخل مضمار اللعبة يغفل عن تشوهاته الشخصية، وعن توقعاته، ومخيلته، وأحلامه البائسة بما ينتظره من الزواج!!، بل ويجري تحميل الطرف الثاني في العلاقة مسؤولية الإحباط المتولد عن عدم تحقق الوعود الكاذبة، والطموحات الفارغة، وعن تعثر البصائر العمياء، وتخبطها!!،
بدلا من أن ينتبه ويعترف كل منا بما لحق به من تشوهات نفسية ومعرفية هي من نتائج الحياة في البيئة العربية الغالبة، وبدلا من أن يتجه إلى فهم وعلاج هذه التشوهات نراه يستلم لهذا الصوت الأبلة الذي يتردد داخله، وحوله!!، صوت يقول له، أو لها: غالب خوفك، وتزوج فإن حياتك بالزواج ستكون أفضل، وستكون سعيدا، ومرتاحا أكثر!! والملايين يفعلون، والنتيجة زواج أعمى يتلوه طلاق أعمى، وألم، وتعاسة، وأطفال يتألمون، ومجتمع يلوم، والحمقى في نار جهنم الدنيا يصطلون باللهيب واللظي تحرقهم نار الغباء الذي يغلق عليهم أبوابها، وتتضاعف معاناتهم!!ما العمل بالنسبة لحالتك؟!
أقترح عليك برنامجا مزدوجا، في مسار منه يلزمك الانفتاح على دوائر جديدة في المجتمع الذي تعيشين فيه، أنشطة مثل دعم المهاجرين الجدد، ومساعدة من يحتاجون إلى عون، وأنشطة الحوار والتواصل من أجل ما يسمى الشركة، أو الاندماج – "مع اعتراض على المصطلح"، لكن هذه الأنشطة، وتلك، مع أنشطة ثقافية، واجتماعية، وفنية أخرى يمكن أن تفتح أمامك مجالات واسعة للتدرب على التواصل، والإنجاز، والتعبير عن الذات، واستثمار الطاقة، ومن ثم: الثقة بالنفس.
وأكرر كما أقول دائما أن أشكال العلاج الدرامي، والتدرديب المسرحي هي من أهم السبل للتعرف على الذات، وتطوير الفهم، والممارسة، والتواصل، وعلاج القصور الشخصي، سيلزمك السؤال والحركة واستطلاع ما حولك من فرص وأنشطة واختبار المناسب، ولكن في كل الأحوال سيكون الخروج من عزلتك صعبا للوهلة الأولى!!، أنا لا أتحدث هنا عن العزلة بمعنى أنك محبوسة في بيتك، ولكن بمعنى الانعزال عن الإنشطة الاجتماعية والثقافية...إلخ، المتاحة في محيطك، وهي كثيرة، ولكنك غالبا لم تكترثي، ولم تهتمي بالسؤال، أو الحركة فيها!!، أنشطة كثيرة تهدف للتعرف على النفس وتطويرها متنوعة الأشكال والمصادر، ليس أمامك سوى التجريب لتستقري على ما يناسبك.
المسار الثاني الموازي هو أن تفتحي الباب للتواصل والتعارف ليس بغرض زواج كاثوليكي، ولكن بهدف علاقة تتطور باللقاءات والتفاهم وصولا إلى ارتباط قد يستمر طويلا، أو قصيرا دون أن تعتبري استمراره دليلا على نجاحك الشخصي،ولا عدم استمراره دليل فشل شخصي لأن استمرار العلاقات أو انقطاعها إنما يرتبط بعوامل كثيرة، ومن الظلم أن نبقى محشورين في هذا السجن البائس: سجن البصيرة العمياء، والمفاهيم المعطلة، وتابعينا بأخبارك
واقرئي أيضًا:
فخ الصورة: أول الملف، م.
كلنا في فخ الصورة : توهم النحافة !.
هل اتخاذ الصورة معيارًا شرك؟مشاركة1.
صورة الجسد وتقدير الذات.
!الرغبات الجنسية الكبيرة! والسرية الخطيرة