* سلام الله عليكم
أنا متزوجة منذ ست سنوات، وزوجي رجل فاضل جدًّا ويحبني، وعندي 3 أطفال، لكنه من عائلة فقيرة جدًّا، وهو الوحيد في أسرته الذي أكمل تعليمه؛ لذا فعائلته ليست في مستوى عائلتي الاجتماعي. في هذه السنوات الست أحسست دائمًا أنني ما كان ينبغي أن أقبل هذه الزيجة؛ لأن هناك اختلافًا في كل شيء. إنني خائفة جدًّا من أن الله لن يغفر لي هذه الأفكار. إنني أريد أن أكون مسلمة فاضلة في كل وقت.
عندما أعود للبيت وأقابل عائلته أشعر ببؤس شديد بسبب وضعهم وما هم عليه. لقد كان سني سبعة عشر عامًا فقط حين خطبني ولم أكن أدرك هذا الفرق وتأثيره. عائلتي لم تهتم طالما أنه رجل فاضل، أنا دائمًا أصلي إلى الله أن يجعلني أعيش بلا تلك الأفكار، لكنني كلما رأيت صديقاتي الأخريات وعائلات أزواجهم أشعر بحزن شديد.
أرجوكم ساعدوني.
وشكرا لكم
27/11/2021
* نشرت هذه الاستشارة من قبل في صفحة مشاكل وحلول.
رد المستشار
أختي الفاضلة، نشكر لك ثقتك التي جعلتك تصارحينا بما قد تخجلين من الإفصاح عنه لكثيرين وكثيرات حولك. بداية أحب أن أقول لك: إن هذه المشاعر التي تجول في نفسك لها ما يبررها، وهي طبيعية أو واردة، ولا تستدعي كل هذا الألم النفسي، ولكن القضية تكمن في تصوراتك التي سنحاول مناقشتها.
أنت في أمريكا تعيشين منذ فترة -كما يبدو- وهي أرض الطموحات والتطلعات والأحلام، أرض العمارات الفخمة، والسيارات الضخمة... وغيرها من المكونات المادية. أحيانًا يا أختي أقول: من أراد أن يشاهد زينة الدنيا وزخارفها التي يتحدث عنها القرآن فليذهب إلى أمريكا... فالدنيا هناك، رغم أن لأمريكا وجهًا آخر يتمثل في البؤس الذي يعيشه العديد من سكانها من السود وغيرهم ممن لا يجدون بيتًا لائقًا أو لقمة مشبعة.
وأنت في أمريكا.. هل سيكون لكلامنا معنى، ونحن نذكرك بحقيقة من حقائق الحياة، وهي أن الماديات ليست كل شيء، وليست أهم شيء، وأن الفقر – في حد ذاته - ليس عيبًا... إلخ؟ هل سيكون لكلامنا معنى، ونحن نذكرك أنه بفضل الله وحده كان مستوى أهلك أفضل، وفرصتك في الحياة المادية أفضل، وحصولك على زوج أفضل.
نعم يا أختي من الأنسب أن تتكافأ المستويات الاجتماعية في الزواج، وإن كان هناك فارق فمن الأفضل أن يكون لصالح الزوج، وفي جانب عائلته، ومن شأن هذا أن يرشح الزواج لمزيد من الاستقرار العاطفي والاجتماعي، ولكن هل يعني هذا أن افتقاد هذا الأمر يعني أن الزيجة كانت خطأ؟! وأن الاختلاف في الأسرتين والنشأتين، والطباع المصاحبة لهذا سيؤدي إلى انهيار هذه الأسرة إن آجلاً أو عاجلاً؟!
للهم لا – من خلال خبراتنا وتجاربنا - فكم من زواج متكافئ اجتماعيًّا فشل لأسباب أخرى، وكم من أسرة زوج ارتفعت تفاصيل معيشتها، وانحطت أخلاقياتها، فكان اليسر المادي نقمة عليهم لا نعمة.
اسمحي لي يا أختي أن أقول لك: إن عائلتك أصابت حين اختارت لك الزوج الفاضل – رغم أصوله الفقيرة - لأن هذا هو الذي سيصونك، ويحافظ عليك، ويراعي الله فيك، وفي أبنائك منه، وكم من زوج ارتفعت أصوله، وهو خسيس، ومن أبطأ به عمله (وخلقه) لم يسرع به نسبه "كما جاء في الحديث الشريف"
تقولين: إنك كنت صغيرة يوم خطبك، ولم تدركي لذلك الفارق بين الأسرتين، واسمحي لي أن أقول لك: إنك ما زلت بعد صغيرة فأعطي الأيام والتجارب فرصة، وسوف تتغير وجهة نظرك مع مرور الأيام، وزيادة النضج، كما تغيّرت.. ولكن في اتجاه آخر؛ فأنت اليوم تنظرين إلى الظاهر في أحوال أسرة زوجك، وأحوال صديقاتك وغدًا تعرفين أن الظاهر ليس كل شيء، وأن في البواطن ما هو أخطر.
أدعو الله أن يعافيك من المحن، ولكن الشدائد – ولا تخلو حياة بشر منها - ستدلك أن الذهب وحده هو الذي يصمد وسط النيران، وأن عروق الذهب الخالصة لا تكون إلا في أعماق سحيقة "وسط التراب"، فقط.. أَعْطِ الزمان فرصة ليقوم بعمله في أفكارك وتصوراتك عن الحياة.
أما زميلي "د. عمرو" فيقول لك:
إنها القصة الخالدة.. إنها قصة الشجرة المحرمة التي خلَّدها القرآن وأعادها وكررها حتى يتعظ الإنسان ويفهم وحتى يرضى ويستريح، ولكن الإنسان دائمًا ينسى ولا يتذكر.. وإلا ما سُمِّي إنسانًا.
إنها قصة آدم وحواء مع الشجرة المحرمة.. إنهما في الجنة حيث لا يجوع فيها ولا يضْحَى ولا يظمأ ولا يعرى، ولكن لا تقرب يا آدم هذه الشجرة فقط.. لا يرى آدم في الجنة إلا هذه الشجرة.. ويأتي الشيطان ويقول له: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟!
وهل هناك خلد أو ملك بعد الجنة ونعيمها.. ولكنه آدم وأبناؤه من بعده لا يرون إلا ما ينقصهم.. إن إرادة الله شاءت أن تظل هذه القصة تتكرر وتتكرر في حياة أبناء آدم ولكن بتفاصيل مختلفة وأشجار مختلفة ولكن القصة هي القصة.. إن لكل واحد منا في حياته شيئًا ينقصه.. لا يرى حياته كلها.. لا يرى كل أسباب السعادة.. فقط يرى هذا الذي ينقصه.
هذا الزوج الذي تصفيه بالجودة، وهؤلاء الأطفال الثلاثة وهذه الحياة الطيبة التي لا يكاد ينقصها شيء، والتي ربما دفع البعض حياتهم من أجل طفل واحد.. من أجل زوج خلوق محب طيب.. من أجل لحظة هانئة.. ولكنها القصة تتكرر: أهل الزوج الفقراء المختلفين في طباعهم، والذين لم نقرأ في رسالتك ما يشينهم غير أنهم فقراء جدًّا، ويبدو أن طباعهم تختلف
ولكننا لم نقرأ أن هناك ما يشينهم في أخلاقهم أو دينهم.. فهل هذا يستحق ألا يرى الإنسان في النعم التي أنعم الله بها عليه إلا هذا النقص.. وليته نقص حقيقي.. إنه نقص في أفكارنا وتصوراتنا..إن هذه العائلة الفقيرة هي التي أنجبت هذا الرجل العظيم الذي أصبح زوجك.. إن هذه العائلة لو لم تنجز – بفقرها - إلا إنجاب وتربية هذا الابن، لكفاها ذلك ويزيد.. إن هذا الابن لم يَخْرج نبتًا شيطانيًّا، ولكنه كان نتيجة رعاية هذه الأسرة وكفاحها حتى تخرج هذا الزوج العظيم.. إن هذه الأسرة تستحق منك التقدير والرعاية والاحترام بدلاً من الازدراء والحزن والأسى.
ربما تتمنين أن يكون أطفالك مثل أبيهم ولا تستطيعين بالرغم من غناك أنت وفقر أسرة زوجك!!، ولكن ربما كان رضاهم عن حياتهم هو ما أنتج بركة كان هذا الابن نتاجها؛ فارضَيْ بما قسمه الله لك، فعندما أكل آدم من الشجرة خرج من الجنة.. إننا نكون في جنة ولا ندركها إلا إذا خرجنا منها.