السلام عليكم
أختي الصغيرة تبلغ من العمر 24 عامًا، تزوجت بطريقة تقليدية بعد أن توقفت عن الدراسة، لم نسأل بدقة كثيرًا عن سلوك الزوج، بقدر ما بحثنا عن العائلة التي كانت ذات سمعة لا بأس بها، ولكن بعد عام من الزواج، وبعد إنجابها لابنها الأول ها هي تشتكي لي من زوجها، أولاً هو لا يصلي إطلاقًا مع علمه بأهمية الصلاة، ولم يركع في حياته لله، ثانيًا الأدهى والأمرّ والذي من أجله لا يغمض لي جفن هو أنها اكتشفت أنه يتناول الخمر إذا ما دعاه رفقاؤه إلى ذلك في بعض المناسبات، ثالثًا أنه يضربها أمام أهله لمجرد أن يغضب؛ فتحس بإهانة قاتلة.
لا نجرؤ أن نكلم أبي في هذا المصاب الجلل؛ لأنه كبير في السن ونخاف عليه من الصدمة، ولا نجرؤ أن نكلم إخوتنا الرجال خوفًا من تهورهم، وتضاعُف المشكلة، هي تريد أن تستره عسى أن يهديه الله، ولكن أنا أتعب لمصابها، ويصعب عليّ أن أتخيل أختي الصغيرة مع رجل مثل هذا، وما باليد من حيلة؛ لأنها استحلفتني ومنعتني من أن أكلمه في الأمر خوفًا من أن أزيد الطينة بلة، الجبان يضربها لأي سبب ضربًا مبرّحًا ثم يعتذر.
انصحوني ماذا أعمل؟ وبماذا أنصحها؟
وأرجوكم ثم أرجوكم الدعاء لها علّ الله يهدي زوجها، ويفرج كربتها، وبارك الله فيكم.
24/02/2022
رد المستشار
الأخت الفاضلة، رغم أن البكاء على اللبن المسكوب لا يعيده إلى الإناء مرة أخرى، لكنه يمكن أن ينبه الآخرين إلى الحذر، واجتناب المصير المشابه.
ومما يغفل عنه بعض الرجال أن مسؤولية تزويج أخت أو ابنة أو أية فتاة مسؤول منهم تزويجها هي أمانة عظيمة تستحق من الرعاية والعناية، والسؤال والاستقصاء أكبر بكثير مما يقوم به الواحد منهم حين يريد أن يشتري سيارة أو شقة أو قطعة أرض؛ ولذلك فجزء كبير من تطورات حياة أختك وما تعيشه من آلام يتحمله كل مقصر في التدقيق والسؤال والبحث والاستقصاء، أو تهاون ومرَّر عيوباً كانت مقدماتها واضحة "ربما".
فعدم الصلاة، وشرب الخمر في المناسبات هي من السجايا المعلنة، ولا تتساوى مع ضرب زوج أختك لها؛ لأن هذا شيء لم يكن من الممكن التنبؤ به أو السؤال عنه، سامحهم الله، وغفر لهم جميعًا.
الآن وقد وقعت الفأس في الرأس، وتغيَّرت تضاريس الخريطة ولم يَعُد اللوم يفيد حلاًّ لما هو قائم. موقف أختك يحتاج إلى التأمل، ولا أدري هل هي متضررة حقًّا من حال زوجها؟ وسامحيني إذا قلت لك: إن تصوير الزوج الذي يضرب زوجته على أنه دائمًا وحش بشع أمر غير صحيح، فهناك حالات تكون فيها الزوجة تستحق الضرب وزيادة، والضرب في الحقيقة ليس علاجاً - لا في الإسلام ولا غيره - ولكنه في ديننا إجراء وقائي محدود، ومحدد الشكل، والمقدمات... ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً.
أقول لك هذا لأنني لا أعرف - وأنت لم تذكري - لماذا يضربها؟!
ولا أعرف، ولم أفهم من رسالتك، منطق أختك في الصبر على زوجها، وخطتها لإصلاح أحواله!! وكنت أتمنى أن أسمع المشكلة من صاحبتها مباشرة، رغم ثقتي في أمانة نقلك، ولكن لصاحب الحاجة منطق وحجة، وتفاصيل أراها غائبة عن رسالتك.
على كل حال إذا كانت أختك تريد الصبر على هذه الحال، فينبغي أن توطن نفسها على أنه قد لا يتغير، بل إنه قد يزداد سوءاً، وقد يغريه سكوتها وكتمانها الأمر عن أهلها بالتمادي في إهانتها أو الإساءة إليها.
من حقها طبعاً أن تختار لنفسها ما تريد - والبيوت أسرار - وربما لديها أسبابها الوجيهة لذلك، ولكن ينبغي أن تكون واعية بأبعاد هذا الاختيار، والمشاهد المتوقعة لتطور الأحداث، وينبغي أيضًا أن تكون إيجابية في مقاومة النواحي المرفوضة في زوجها، وتغييرها بالحسنى بدءاً من الدعاء له، وسندعو معكما لنا وله بالهداية، ومروراً بالبحث عن طرف أو أطراف لها تأثير عليه؛ ليعظوه وينصحوه من طرف خفي، وربما تدفعان ببعض أزواج الصديقات والأخوات ممن يكونون من الأكفاء له في المقام، وفي المستوى الاجتماعي، وعلى أرضية التعارف والصداقة ويمكن أن تنتقل معانٍ كثيرة بطرق غير مباشرة، وللنساء طرقهن يا أختي في تحويل قلوب الرجال، وتحريك الجبال مع هذا الضعف الذي تذكرينه في رسالتك، فقد وهب الله المرأة من حسن التدبير ما لو استثمرته لغلبت عشرات الرجال الأقوياء، وفي الحديث الشريف الشهير: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن.. إلى آخر الحديث" وصدق المعصوم عليه الصلاة والسلام.
إذن من حق أختك أن تختار ما تريد، وعليك تبصيرها بأبعاد كل اختيار بعد فهم أسباب تمسكها به، وصبرها عليه، فربما كانت فيه سجايا تعدل عيوبه وتزيد، ولعل سجاياه هذه تغفر له عيوبه، أو ترشحها للزوال مع الوقت!!
وعليك تبصيرها أن الصبر لا يعني الاستسلام، وأن هناك إجراءات كثيرة ممكنة غير إخبار الوالد أو الإخوة منها الحوار معه، ومناقشته فيما بينهما، إضافة إلى ما أسلفته لك، وبالمناسبة لماذا لا تفكر أختك في استكمال دراستها؟ على كل حال نحن معكما، ونريد أن نسمع منها... وسنكون لكما بإذن الله أذناً صاغية، ونرجو أن تجدوا لدينا نصحاً نافعاً.