السلام عليكم
مشكلتي متعددة الجهات، وأنا ضائعة وأشعر بكل ضيق الدنيا؛ فأنا تعديت الـ34 عاما دون أن أتزوج حتى الآن، وأحمد الله على كل حال؛ فالزواج رزق من عند الله.
مشكلتي الآن هي أبي؛ فقد كان سابقا عندما كنا صغارا يمثل لي الحنان والحب، ولكنه الآن سبب تحطيم أسرتي؛ فقد بدأ حياته عاملا بسيطا، واستطاع بعد فترة أن يستقل بنفسه في عمل خاص أصبح يدر عليه دخلا جيدا، ولكن بعد حوالي 10 سنين من هذا الاستقرار المادي أصيب عمله بانهيار، وأصبح لا يستطيع أن يكسب نفس المبلغ الشهري الذي كان يعتاد عليه، وأصبحت طريقة تصرفه وتعامله معنا ومع كل من حوله متغيرة، إلى أن أصبح في أسوأ حالاته.
الآن كل همه أن يشتكي إلى الناس حتى إنه يشتكي منا للناس بالكذب ويقول عليّ وعلى إخوتي وأمي ما يجعل الناس يصدقون ويشفقون عليه، ويتم عتابنا على سوء معاملته والضغط عليه، مع أننا والله لا نطلب منه شيئا إطلاقا.. أصبح لا يكلم أحدا في البيت، وإذا تحدث يكون الحديث عبارة عن أفظع الشتائم والسب، وأصبح كل همه أن يأكل فقط.. يتعمد أن يحدث نفسه أمامنا وأمام الناس حتى نشفق عليه، ويتعمد أن يدعي عدم سماع ما حوله وضعف سمعه مع أنه يسمع جيدا.
عندما حاول أخي أن يساعده في العمل أخذ نقود أخي وأنفقها في العمل ولم يأخذ أخي أي عائد مادي، وبعد ذلك طرده من العمل وادعى عليه أنه سرقه بسبب رغبته في أن يكون أمام الناس الضعيف المسكين، حتى عندما كانت تحدث مشكلة بين أختي وخطيبها كان يقف في صف خطيب أختي ويطيب خاطره؛ مما يجعله يزيد من تمسكه برأيه الخطأ والذي ترتب عليه في النهاية أن يترك أختي بعد ثلاث سنوات خطوبة، وهذه تعتبر ثاني خطبة لأختي يتم فسخها؛ فقد كانت الخطبة الأولى أيضا بسبب أنه رفض أن يتحدث مع العريس في أي أمور مادية كما حدث مع الثاني والتحدث فيها عند كتب الكتاب، وبالتالي تم الفسخ لاعتقاد العريس أننا لا نستطيع أن نرفض أي شيء خاصة بعد مرور كل هذا الوقت في الخطوبة، وفي النهاية أختي المسكينة هي التي تدفع الثمن.
هو يشتكي لأي شخص يتقدم لنا بأن ظروفه صعبة ولا يملك شيئا؛ بهدف أن يرسل له رسالة غير مباشرة أنه لن يجهز وغير مستعد لأي شيء مما يضعنا في موقف محرج مع أي شخص يتقدم لنا.
أنا تعبانة لأني متحملة مسؤولية البيت ولا أدخر لنفسي شيئا، وأشعر رغما عني بكرهه، مع أني لا أريد أن تكون هذه مشاعري نحوه لأنه أبي،
ولكن قولوا لي ماذا أفعل بعد أن دمر حياة أخي وأختي وإهانة أمي؟؟
7/7/2022
رد المستشار
ابنتي..
ليست أحوال والدك المادية هي التي تنغص عليك حياتك.. حتى لو كانت هي ما ظهرت في بؤرة اهتمامك وشكواك.. ولكن الألم الذي يصرخ من بين السطور هو إحساسك بمرور العمر بلا زواج أو بيت أو استقلال عن بيت الأسرة... لن أدخل معك كثيرا في كلمة لو.. ولكني سأقولها بطريقة أخرى: كان تقبلك لوضع والدك وطريقته ستكون أكثر رقة وحنانا لو كنت زوجة تنعم بمشاعر الدفء في بيتها.
سامحيني، ولكن شعرت أن جزءا كبيرا من التعامل مع والدك سنختصره لو وقفت بوضوح عند السبب الرئيسي لضيقك منه ومن الحال كله بشكل عام ... أحيانا يقدر الله سبحانه وتعالى على بعض الناس بلاء شديدا أو صعبا... فمنهم من يصبر ويحتسب بل ويرضى، ومنهم من يجهده البلاء... وقد ينهار تماما داخليا ونفسيا... وهذا حال أغلب الناس.
قلت في بداية رسالتك إن الزواج رزق.. نعم يا ابنتي، وهو مكتوب في اللوح المحفوظ منذ الأزل.. ينطبق هذا عليك وعلى أختك وعلى كل الناس.. وبالتالي رغم أن تصرفات الوالد قد تبدو السبب في إعاقة زواج أختك مرتين إلا أنه لم يغير رزقها.. وهو أن نصيبها الحقيقي ورزقها الحقيقي لم يظهر بعد.
أعرف أنك متعبة داخليا بما يكفيك.. أعرف وأشعر يا ابنتي أن الأيام التي تتشابه والمشاكل التي لا تنتهي بين الأب والأم والإخوة والأخوات مع صورة قاتمة عن الغد لا تقدم أي أمل في السعادة.. أو حتى في الراحة، والإنسان بدون أمل يصبح ضيق الصدر نافد الصبر، وهذا ما وصلت إليه يا ابنتي أنت وإخوتك، ولكن -ورغم تفهمي لضيقك وضجرك- اسمحي لي أن أسألك سؤالا:
هل فكرت في حالة والدك النفسية؟ الرجل الذي كان يكسب وينفق.. وكان قواما على بيته وبناته وأبنائه.. هذا الرجل بعد أن اعتاد المال والعمل والتجارة والكسب.. بعد أن كان صاحب مشروع أي رجل أعمال مهما كانت مستوى الأعمال.. خسر كل شيء وأصبح عاجزا عن الكسب.. عاجزا عن العمل، ومع سنوات العمر الحالية لم يعد لديه أمل أن يبدأ من جديد ولا حتى في مستطاعه ذلك.
هذا الرجل أصبح مضطرا أن يأخذ من أبنائه بعد أن كان يعطيهم أو على الأقل كان في غنى عنهم!! هل تصورت يا ابنتي لأي درجة هو مجروح ومتألم؟ وما طريقته وأسلوبه التي وصفتيه بالاستجداء إلا لاستجداء تعاطف الناس واهتمامهم فعلا.. فللأسف أنتم لم تظهروا له كما كبيرا من التعاطف والحنان.. ولكم العذر؛ فكل واحدة لديها ما يكفيها من الألم النفسي ومشاكل الحياة.. ولكنه إنسان يا ابنتي، وإنسان ضعيف لأنه بحسبة بسيطة هو غالبا تعدى الـ60 عاما... وقد قال تعالى واصفا الإنسان في هرمه: "مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً" (الروم: 54).
إذن يا ابنتي هذا هو قضاء الله ومحنته.. فحاولي أن تفرغي كل شحناتك العاطفية لوالدك؛ فهو يحتاج أن يشعر بالتقدير والاحترام.. وستجدين شخصيته قد اختلفت كثيرا.. حاولي يا ابنتي.. والله المستعان.