في البداية أود أن أشكركم على ما تقدمونه لنا من نصائح وحلول جعلها الله في ميزان حسناتكم.
أنا طبيبة على أعتاب السادسة والعشرين من العمر، كنت مخطوبة لإنسان يبدو عليه الاحترام والأدب الشديد، كما أنه كان قد حج بيت الله مرتين، يكبرني بأربعة أعوام، وظيفته مكافئة لوظيفتي وكان يعمل بالخليج، وكانت خطبتنا بالطريقة التقليدية، وحدث قبول بيننا في البداية، وتمت خطبتنا بعدما استخرت الله وسألت عنه واعتبرت سهولة خطوبتنا كعلامة على إيجابية الاستخارة.
كانت خطبتنا قصيرة جدا حوالي عشرة أيام، لم أتعلق به خلالها ولكني شعرت بميل عاطفي إليه في نهاية تلك الفترة القصيرة، وكان تواصلنا بعد ذلك عن طريق الهاتف والرسائل والنت، وبسبب ظروف عمله لم يستطع النزول في إجازة لمدة سنة وثلاثة أشهر هي مدة خطوبتنا، كنا نتحادث بانتظام بالصوت والصورة أو الهاتف، وزدنا مرات تحدثنا مؤخرا لنشعر بالقرب أكثر.
كانت لديه شقة تحت التشطيب، والده متوفي ووالدته هي كانت من تشرف على إنهائها، والدته شخصيتها قوية ومسيطرة جدا، كنت أشعر بأنها تسيطر على كل شيء منذ أول يوم في خطوبتنا، كما أنها كانت تحبه جدا بشكل كنت أراه مرضيا في بعض الأحيان، كان له من الأخوات ثلاثة إحداهن زميلة لي، وكن أيضا يحببنه بدرجة كبيرة، خاصة أن والدهم متوفي وهو من كان سيجهزهن للزواج ولم يكن يقصر معهن في أي طلبات أو واجبات، وبسبب ذلك الموقف كبر أكثر في نظري وشعرت أنه رجل يعتمد عليه.
حاولت التقرب منهن ولكني شعرت بحواجز بيننا، في البداية كانت علاقتي بوالدته جيدة جدا واستطعت أن أكسبها قبل المشاكل، ولكنها بدأت تخاف عليه مني، وشعرت أنها تشعر شعورًا لا إراديا أني سآخذه منها، وكانت قاسية معي في الفترة الأخيرة، ودائما ما كن يشعرن أني متكبرة ومتعالية مع أني لست كذلك، بل يبدو ذلك فقط لمن لا يعرفني، وذلك غالبا بسبب تحفظي النسبي في معاملة الغرباء.
كان قد طلب مني اختيار الأذواق والديكورات في الشقة، وطبعا كنت أتعامل مباشرة مع والدته، وكان دوما هناك اختلاف في وجهات النظر على الرغم من أني كنت أحاول إشراكها معي في الاختيارات، ولكن بعض الأشياء لم تكن تعجبها، وكانت تقرر فعل أشياء أحيانا بدون استشارتي أو معارضة لرغباتي، على الرغم من أنها كانت تخبرني دوما أني صاحبة القرار.
حاولت أن أساعدها مرة حيث إنها مريضة وتعبت جدا من المجهود فصدر مني تصرف لم يعجبها، عنفتني بشدة وكلمتني بطريقة مهينة لأنها فقدت أعصابها، وأنا من أبرز صفاتي الاعتزاز بالنفس، انهرت بعدها وأصبحت فكرة الانفصال تراودني، ولكني تراجعت بعدما اعتذرت ضمنيا.
كلما حاولت مساعدتها لابد أن تحدث مشكلة بعدها، مع أن قصدي هو أن أريحها قليلا من العناء، وفي النهاية حدث موقف بعد مساعدتي لهن في شيء لم يعجبهن كالعادة وتحدثن عنه بطريقة استفزتني، فكنا نختار الدهانات في نفس اليوم وأخبرتني أن خطيبي اختار لونًا معينًا لحجرة النوم، وأنا كنت قد اخترت معه لونًا آخر، فوجدتني أخرج كل غضبي وأعلن أني لا أحب هذا اللون، وقلت: (ليجلس فيها وحده) بما معناه أني معترضة على اللون، وضحكت بعدها لأبين أن هذا الكلام من الهزل.
بعد هذا الموقف قاطعنني لمدة كبيرة، وأنا أيضا لم أحاول معاودة الاتصال لأني كنت أشعر بالظلم من هذا الموقف ومن تراكمات قبله... وقد حدثت بيني وبين أسرته مواقف سوء تفاهم كثيرة قبل ذلك، ولكني لم أكن أخبره بشيء إطلاقا لأني لم أكن أحب ذلك، وكنت أعتبر أنه من التفاهة أن أخبره وهو في الغربة.
علم هو بالقطيعة التي بيننا وحاول الإصلاح، وقد اتصلت فعلا بوالدته تحت رغبته ولم ترد علي، ولكني لم أكن أعلم ما يحاك ضدي على الجانب الآخر، وجدتهن وقد أخبرنه بأشياء والله قد قلتها على سبيل الهزل ولكنهن ضخمنها، وقالوا له على الموقف الأخير وكيف أقول عليه ذلك أمام العمال! وأنا متأكدة أن والدته بكت وهي تخبره فأصبحت أنا الوحش الكاسر الذي لا يرحم، ولكنهن لم يخبرنه أي شيء آخر جيد كنت أقوله عليه أو أفعله من أجله.
وجدته غضب مني للغاية ويحاسبني على ما قلته، ولم يصبر ليسمع وجهة نظري وأصدر كلاما مهينا في حقي لم أصدق أنه قد يقوله في يوم من الأيام من فرط احترامه معي، وجدتني فجأة وحدي في جبهة وقد تكتلوا كلهم ضدي في جبهة أخرى، حتى هو لم يحاول أن يفهمني، وكل ما فعله أن انتصر لهم بالضربة القاضية.
نسيت أن أقول إنه من قبل كان قد صدر منه خطأ (ليس أخلاقيا ولا دينيا) في حقي، وعلم أني غاضبة جدا من هذا التصرف ووعدني أنه لن يفعله مرة ثانية، ولكني فوجئت به يفعله ثانية معتقدا أني لن أعلم لأني لست معه وهذا أثر علي جدا وجعلني أشعر بالخداع، ولكني لم أخبره أيضا أني علمت لأني علمت بطريقة غير مباشرة، كل هذا أدى لذهولي مما يقول، وأعلنت أني لا أقبل كلماته وأخبرته أن كل شيء بيننا انتهى في لحظة غضب عارمة بعدما جرحت كرامتي بشدة.
والغريب أنه لم يحاول أن يعتذر أو يصلح علاقتنا المنهارة، بل كل ما علمته من خالته التي حاولت الإصلاح أنه غاضب من أنني أغلقت النت في وجهه، وأني من يجب عليه الاعتذار، ولم يحزنه أني ضعت من يده، لم يحزنه الزمن الذي ضاع ولا المشاعر التي كانت بيننا! والدته وإخوته أيضا رأيهن أني من أخطأت خطأ رهيبا، ويثبتونه على موقفه، ولم أجد من ينقل وجهة نظري إليه، وحتى إن كان تبرير أسرته لما فعلوه أنهم خائفون عليه مني، فلا أستطيع أن أجد تبريرًا لما فعله بعد ادعائه "حبي وغلاوتي عنده".
نعم أنا معترفة بأني مخطئة في بعض الأشياء لم يصح أن أقولها، ولكني لم أكن أقصد بها شرا بل كانت هزلا في المعظم. كما أني كنت جافة جدا معه عاطفيا ولكن ذلك بسبب طبيعتي الخجولة وهو يعلم ذلك، كما كان يشعر بمشاعري وقلقي وخوفي عليه، أشعر شعورا مريرا أنه خذلني وتخلى عني بعدما وثقت فيه، أشعر بالغدر والضياع، على الرغم من أني من أنهيت الموضوع ظاهريا، ولكنه من اضطرني لقول لفظ الانفصال، ولم يتساءل قط هل فعلا أنا قصدت ذلك!.
لم أكن أعرف أني بلا قيمة عنده هكذا! كيف أنساه وقد مرت فترة أكثر من شهر على الانفصال وهو من اختار لي تخصصي في مهنتي وذوقي ولمساتي في كل ركن من أركان شقته، هل يمكننا النسيان؟! وهل يمكن أن يكون كل ما قاله من كلام الحب والشوق كلام، محض كلام؟! كم أنا غبية لأنني صدقت ذلك، أمر بأيام عصيبة جدا، أبكي كل يوم من ألم الفراق، وأشعر بأعراض الاكتئاب تغزوني من أرق متأخر وآلام عامة في الجسم ورغبتي عن الطعام.
أخاف جدا من الـ major depression، خاصة أنه لدي مشاكل عائلية بجانب ذلك، غير التعليقات السمجة التي أسمعها من عائلتي أنه لم يكن متمسكا بي ولم يحبني، وإذا كان يحبني ما كان فعل ذلك. أعدت إليه أشياءه ولم يعرض حتى أن أبقيها كمعنى ضمني برفض فسخ الخطوبة، تنازل عني بكل سهولة، لا أصدق! لا أتخيل نفسي أبدا مع إنسان غيره لأنني كنت مخلصة جدا على الرغم من طول فترة سفره، وعلى الرغم أن حبه لي لم يكن قويا كما كنت أتمنى، وغالبا ما كنت أشعر بالبعد والحواجز بيننا (لا أقصد البعد المادي).
وكيف أبدل من استقر في نفسي وخيالي زوجا، وبنينا، أحلامنا وأمنياتنا معا بإنسان آخر؟ لقد أفسد حياتنا، وهل سأستطيع أن أرتبط بإنسان آخر بعدما ملأ علي قلبي ووجداني؟! كما أعاني من تأنيب الضمير لأنني كنت سببا من أسباب الفراق، ولكني لم أحتمل الإهانة.
أفيدوني بالله عليكم.
08/11/2022
رد المستشار
شكرًا على استعمالك الموقع.
هناك أكثر من تفسير لتجربتك العاطفية ورغم أنها قد تختلف في محتواها من ثقافة إلى أخرى ولكن في نهاية الأمر إطارها واحد وهو فشل أول تجربة عاطفية يمر بها الكثير. بعد فترة من الزمن قد تكون قصيرة أو طويلة يحسمها الإنسان ويقرر الانتقال من هذا الموقع إلى موقع جديد في الحياة ويبحث عن السعادة والحب ويعثر عليه.
المرارة والحزن اللذين تشعرين بهما ليستا بغير الطبيعي ونادراً ما يتحول ذلك إلى اضطراب الاكتئاب٬ بل ومن الضرورة عدم تطبيب مثل هذه الأزمات التي يمر بها كل إنسان. يبدأ الإنسان يراجع نفسه ويحلل الأحداث بصور مختلفة والنتيجة هو حسم هذا الأمر والحفاظ على كيانه واسترداد ثقته بنفسه وإسقاط اللوم على من فارقه وليس على نفسه. لو تم مراجعة ما تتحدثين عنه في الرسالة سنرى وضوح عدم اقتناعك بهذه التجربة منذ بدايتها. لم يوجد حب ولا تعلق٬ وربما الزواج بهذا الأسلوب التقليدي والقبول بالقسمة والنصيب لا يتوازى مع ثقافتك وجيلك الذي تنتمين إليه. حرصت على كبت عدم اقتناعك وبين الفترة الأخرى تم التعبير عنه بصورة أو بأخرى ولا شعوريا أظنك لم تكوني في غاية الحماس لإتمام زواج أنت غير مقتنعة به.
العامل الثاني الذي يستحق النقاش هو أهل خطيبك وخطيبك بالذات. مثل هذه العائلة التي فقدت رب البيت وقائدها يعمل بعيدا عن الوطن تميل إلى تكوين تحالف قوي بين أعضائها ولا ترحب بعنصر غريب أجنبي يدخل فيها. تتم إضافة عدم اقتناعك وعدائهم اللاشعوري والنتيجة انهيار الخطوبة والتخلص منك وأنت تتخلصين من زواج غير مقتنعة به. أما خطيبك فأفضل ما حصل لك هو عدم الزواج به ولو كان يحبك ويحرص عليك لواجه الناس كلها من أجلك.
تجربة وفشلت وكل إنسان لديه أكثر من تجربة فاشلة في شتى ميادين الحياة.
واقرئي أيضًا:
خطيبي سابني، اضطراب التأقلم أو التكيف!
ماذا أفعل لأستعيد خطيبي؟
خطيب ذهب، لعل القادم من ذهب!