السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الفاضل، أرسل إليك مشكلتي داعية الله سبحانه وتعالى أن يلهمك الرد الصواب الذي تنصحني به، فأنا "إنسانة" مسلمة ومتدينة والحمد لله، عُقد قراني منذ حوالي عام على إنسان متدين، ولكن للأسف لم أشعر تجاهه بأي عاطفة، وحاولت كثيرًا التقرب إليه، ولكن كانت تحدث مشاكل؛ ولهذا السبب لم أشعر بالراحة ولا السعادة معه، وكثيرًا ما تحدث مشاكل بيننا نتيجة عدم التجاوب
مع العلم أني قد خُطبت من قبل لإنسان ولم أوفّق معه بسبب ضعف شخصيته، وأنا حائرة ومترددة جدًّا من أجل عدم إكمال مشروع الزواج، ولقد سمعت من قبل درسًا عن الصبر وفضل الصبر فهل أتحلى به؟ ولكني أخاف أن يخونني صبري بعد أن يتم الزواج الفعلي، ويكون قرار الانفصال أصعب من الآن، إنني ألتمس مشورتكم، مع العلم أنه يحبني ومع ذلك قد تحدث مشاكل ولا نرى بعضنا ولا حتى نتحدث تليفونيًّا لفترات طويلة تستمر لأسبوع أو أكثر، فما الحل؟
أرجو الرد سريعًا قبل تحديد ميعاد الزفاف وهو قريب، وجزاكم الله خيرًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
14/3/2023
رد المستشار
أختي العزيزة: سؤالك وصلني مع رجاء بالإسراع في الرد؛ لأن موعد الزفاف قريب، واسمحي لي يا أختي أن أنتهز فرصة هذا السؤال لأوضح شيئًا أراه مهمًّا في حياة من يدخلون طريق الالتزام بدين الله سبحانه وتعالى.
وأبدأ بحديث نبوي لم يفارق ذهني، تعلمته منذ ما يقرب من عشرين عاماً؛ لأنه يفسر كثيرًا من الأمور التي تحدث في "عالم الملتزمين".
الحديث ـ فيما معناه ـ يحكي أن رجلًا جاء إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسأله: هل يأتي الخير بالشر؟! فصمت المصطفى فترة ثم قال: أين الذي كان يسأل؟ فلما جاء قال له الرسول: نعم يأتي الخير بالشر، وأعطاه مثالاً متكرراً من حياة البادية "يعني أن الخطأ في تناول الخير يمكن أن يأتي بالشر"
وهكذا التدين والالتزام يمكن أن يأتي بشرور كثيرة، وكوارث فادحة - رغم حسن النية - لأن أسلوب التناول، والتعامل، والفهم لأوامر الله ومقاصده يشوبه قصور وتخلف، وستعرفين فوراً أهمية هذه المقدمة بعد أن أترك السطور التالية للأخت "سمر عبده" الأخصائية الاجتماعية بفريق "استشارات مجانين"
تقول "سمر": نشكرك على صراحتك، ولكن لماذا وافقت على هذا الشاب من البداية؟! وعلى أي أساس؟! أختي هناك الكثيرات من الفتيات يقعن فيما وقعت أنت فيه ربما لقلة الخبرة بالحياة فيكون معيارهن في الحكم على العريس حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" وهذا مهم جدًّا، ولكنه لا يكفي وحده، بل هناك معيار آخر يماثله في الأهمية وهو ما ذكره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمغيرة بن شعبة عندما قال له : إنه خطب امرأة فقال له رسول الله: "هل نظرت إليها؟ فقال: لا، قال: انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" ومعنى "يؤدم" كما ورد في شرح النسائي "أن يكون بينهما المحبة والاتفاق" ويكون ذلك بالنظر سواء من الرجل أم المرأة، ولكن أن يتم النظر والحديث ولا تحدث المودة والمحبة فلا يصح إتمام الزواج.
فالبيوت يحب أن تقام على دين وخلق ومودة ومحبة، بمعنى أننا عند الاختيار نضع في اعتبارنا مواصفات الخلق والدين والتكافؤ ومعها الميل العاطفي ـ ولو كان بسيطًا ـ تجاه الشخص الذي نقدم على الارتباط به. فلا بد من وجود بذرة صغيرة تنمو وتكبر مع العشرة الزوجية فتصير حبًّا عميقاً، ويتحقق فيها قول الله سبحانه وتعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
فالزواج لقاء بين روحين وعقلين ونفسين وجسدين، وأنت يا أختي ظلمت هذا الشاب بالموافقة عليه وأنت لا تكني له أية مشاعر، واستمرارك معه ظلم بيّن لك وله... واعلمي أن الصبر لا يكون في هذا الموضع، ولماذا تصبري لأجله؟ وإن صبرت فاعلمي أنه مع الوقت سيشعر بعدم ميلك له وحبك فيتحول حبه لك لكره ونقمة، وينتهي زواجكما بالطلاق غالباً، وبجروح غائرة، وأطفال لا ذنب لهم، أو يستمر الزواج ويصبح بيتكما قائمًا على شعرة يمكن أن تنقطع في أي وقت، وأطفال معذبين لما فقدوا من الجو الأسري الدافئ الذي يملؤه الحب.
لقد تأخرت كثيراً في اتخاذ قرارك، وآن لك اتخاذه، وأنصحك بالانفصال، ولا تجعلي خوفك من الفسخ للمرة الثانية، أو كلام الناس، أو الخوف من العنوسة يثنيك عن قرارك ، وفقك الله لما يحب ويرضى وأعلمينا بالتطورات.( أ. هـ).
وأنا أقول لك: إن هذا الحياد البارد الذي يقترب من الكراهية المكتومة لا يصلح أساساً لأسرة متينة، وفي فهمي للتشريع الإسلامي فإنه يجوز أن يتزوج الرجل وهو نصف محب أو غير متأكد من مشاعره، أو لمراعاة اعتبارات اجتماعية وأسرية...إلخ ، رغم أن هذا ليس هو الأولى أو الأفضل؛ لأن الرجل في التحليل الأخير تمثل الأسرة في حياته جانباً من الجوانب، ويمكن أن يتشاغل عن مشاكله في البيت بالعمل، أو بغيره من الاهتمامات، والرجل الذي جاء إلى عمر يقول له : إنه يريد تطليق زوجته؛ لأنه لا يحبها، قال له الفاروق: "يرحمك الله، أَوَكل البيوت تبنى على الحب؟! في حين طلق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أمر الصحابي الذي كرهته زوجته دون أن تعيب عليه خلقاً ولا دينًا أن يطلقها لمجرد أنها كارهة، وفهمت من هذا أن البيت لا يمكن أن يقوم على امرأة كارهة، بينما يمكن أن يستمر رغم عدم توافر الحب الكامل من جانب الرجل فأمامه أن يصبر ويتحمل من أجل الأسرة، وأمامه أن يتزوج من أخرى ـ مع أخذ رأينا في الزواج الثاني في الاعتبار ـ وكل هذا لأن المرأة في الحقيقة هي عمود الأسرة، والرجل راعيها، لكن البيت يكفيه نصف أو ثلث أو حتى ربع رجل (مما يفهم من تعددية الزواج) لكنه لا بد فيه من امرأة محبة متفرغة نفسيًّا بالكامل لهذا البيت، فإذا استقرت الكراهية في قلبها، ولم تجد لهذا الوضع سبيلاً فلا حل إلا بالانفصال،
فما دخل الصبر بالكراهية قبل الزواج أو بعده، إنما يكون الصبر على ما وقع بالفعل من المكاره خارج إرادتنا، أما أن نسيء التفكير والتدبير، ونصر على الأخطاء، ونقول : نصبر فهذا خلل كبير في فهم الصبر، وتطبيقه. إذا كنت ترين أنك قد حاولت جهدك أن تميلي إلى زوجك وفشلت، فلا مفر من الانفصال على ما في ذلك من ألم لكما، لكنه أهون من ألم أشد يمكن أن يأتي فيما بعد رغم أنه متدين ويحبك فهذا على أهميته لا يكفي وتحتاجين بعد ذلك إلى فترة نقاهة نفسية ومراجعة لما تريدينه من مواصفات ينبغي أن تتوافر في زوج المستقبل، ولموقفك من الزواج بشكل عام؛ لأن كثيراً من الفتيات يكمن في نفوسهن رعب خفي تجاه الزواج ـ من حيث المبدأ ـ لسبب أو لآخر.