مشكلة ابني
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة موقع مجانين، السلام عليكم
نشكركم من كل قلبنا على المجهود الجبار المبذول هنا في سبيل المساعدة ونتمنى لكم التوفيق والاستمرار، وجعله الله في ميزان حسناتكم
أخاطبكم في مشكلة ابني الصغير، وأرجو الله أن أجد لديكم الإرشاد والنصح.. وإليكم التفاصيل:
أنا أب لولدين الأول (15 عاماً) والثاني (13 عاماً، وهو الذي أسألكم بشأنه) ابني الصغير منذ طفولته الأولى ونحن نلاحظ عليه أنه كثير النشاط. ولكن مع دخوله المدرسة بدأنا نلاحظ عليه أمراً آخر، وهو قلة التركيز أو قلة الانتباه..
هذا الأمر أدى به إلى أن يكون طالباً كسولاً منذ دخوله المدرسة حتى هذه اللحظة، وبما أنني أشرف على تعليمه أنا أحياناً وأمه (جامعية) غالباً، نلاحظ عليه أنه ليس "غبياً" أو قاصر الذكاء، أي أحس أن لديه الذكاء المطلوب ليفهم دروسه وينجح.. ولكن المشكلة في ضعف تركيزه وضعف انتباهه للكلام، ومن ثم عدم قدرته على الحفظ الجيد في المواد النظرية، أو على الربط والاستنتاج في المواد العلمية. والنتيجة.. الكسل والنتيجة المتردية في المدرسة (لم يرسب إلى الآن في أي صف، ولكنه ودائماً مهدد بالرسوب، وبمساعدة الأساتذة ومراعاته قليلاً ينجح على الحافة
وأذكر لكم هنا أهم صفات ابني الصغير هذا لعلها تساعد في تشخيص حالته:
- عصبي قليلاً، ولكنه طيب القلب، ويلبي الطلبات بروح سمحة، حتى لو كان فيها تعباً جسدياً.
- كثير الحركة والنشاط، وحتى حركاته وتنقلاته العادية (الانتقال من غرفة إلى خرى، غلق الأبواب، إحضار الأغراض..) تتسم بسرعة زائدة، بل وحتى كلامه يتصف بالسرعة، حتى إن من يراه للمرة الأولى قد يصفه بأنه "أهوج"، وهذا النشاط الزائد مع قلة الانتباه يعرضه في بعض الأحيان لمشكلات في حالات معينة مثل قطع الشارع وما شابه، والله الحامي.
- كثير الشرود، في المدرسة (على حد وصف أساتذته الذين يقولون إنه عديم الانتباه وكثير الشرود والسرحان)، وفي البيت أيضاً هو كثير الشرود، وغالباً ما نضبطه وهو شارد في وضعية ما وتبدو على وجهه علامات الابتسام مثلاً أو الاندماج في شيء ما، مما يدل على أنه مبحر في خيالاته وأحلام يقظته. ولكنه بالرغم من شروده هذا لا يميل إلى الانعزال أبداً، بل على العكس يحب الخروج مع الأطفال واللعب وتغيير الجو...
- لا ألاحظ أن لديه هوايات محددة، ولكن لديه هوس شديد بمتابعة المسلسلات التلفزيونية (السورية منها على وجه الخصوص)، حتى أننا نندهش لحفظه أسماء المسلسلات، والممثلين والمخرج وحتى كاتب السيناريو وملحن المقدمة والخاتمة، ويعرف الممثلين بأدوارهم كافة، (مثال: إذا كان يشاهد أحد المسلسلات، يعلق على أحد الممثلين: هذا الممثل كان في مسلسل كذا وكذا، وكان دوره كذا وكذا، وكان معه في ذلك المسلسل الممثلون كذا وكذا.. وعلى هذا المنوال)، حتى إنه الآن يفكر في كتابة مسلسل وأصبح في بعض الأحيان يسألني عن بعض الأبطال المسلمين ليكتب عنهم مسلسلاً، وقد بدأ بالحلقة الأولى ولكنه لم يكملها.. هذا على حد قوله.. أنا أحب أن أشجعه على هذا النشاط الأدبي، لكن لا أحب أن يطغى على تفكيره بهذا الشكل ويلهيه عن مهماته الأساسية.
- بالإضافة إلى اهتمامه بالمسلسلات، يهتم بالأخبار السياسية، وأراه في بعض الأحيان يحلل الأخبار على نحو مدهش وجميل، حتى إنه عندما تزداد الهجمة الأمريكية على منطقتنا الإسلامية يتحمس في مقاطعة البضائع الأمريكية على الرغم مما يمثل له البيبسي والبرينغلز وإلى آخر هذه السلسلة القبيحة من البضائع من متعة..
- لا أحس بقدرته الشخصية على اكتساب الأصدقاء الخاصين به، على الرغم من أنه له أصدقاء كثر، ولكن أغلبهم من أصدقاء أخيه الذي يكبره، أو من أقربائنا أو جيراننا، أما أصدقاؤه الذين كونهم هو بجهد شخصي منه، فهم قلة.
- يجمع من يراه على أنه محبوب ومميز، لذلك يحفظونه ويسألون عنه.
هذا ما أذكره الآن..
وأسئلتي كالتالي:
- هل حالة ابني طبيعية؟ أم هناك مشكلة في الموضوع؟
- ما هي الطريقة الأنسب للتعامل معه، ولجعله طالباً ناجحاً؟
- هل هناك إجراءات خاصة لزيادة التركيز والانتباه لديه، نقوم بها أنا وأمه بجهد شخصي؟
- هل يحتاج ابني إلى العرض على الطبيب النفسي، وإذا كان الجواب نعم، فهل يصح أن نأخذه من دون أن نشعره أن لديه مشكلة ما (كأن نقول له أنا وأمه أننا ذاهبان إلى الطبيب النفسي لمشكلة عندنا ثم ندعوه لأن يذهب معنا على سبيل النزهة مثلاً أو ما شابه، وذلك بالطبع بعد الاتفاق مع الطبيب)، أي بالمختصر أن نأخذه بتمثيلية معينة لكيلا يترك ذلك أثراً في نفسه، أو انطباعاً لدى الأطفال الآخرين الذين سيعرفون ذلك منه على الأغلب بسبب طيبته وتحدثه عن أغلب أموره.
ملاحظة أخيرة: ما يزيد الطين بلة، أن أخاه الأكبر ذكي جداً ما شاء الله، وهو من المتفوقين على مستوى مدرسته كلها، وذلك منذ دخوله المدرسة حتى الآن، أي عكس أخيه.. وهذا ما أخاف أن ينعكس على ابني الأصغر بالسلب بسبب فشله الدائم ونجاح أخيه منقطع النظير، ومن المعلوم لديكم الجوائز والمديح والهدايا التي تتدفق على أخيه الأكبر من مدرسيه وأقربائه، بينما لا يحصل هو على شيء من ذلك بسبب كسله، إلا ما نحاول أن نعوضه به نحن.. على كل حال هو صار مدركاً تماماً لكسله وللفرق في المستوى الدراسي بينه وبين أخيه، ولكن أخاف من استمرار هذا في المستقبل، خصوصاً عند المراحل المفصلية كالشهادة الثانوية التي من المستحيل حصوله عليها بمستواه الحالي.. أخاف أن يستمر معه الشعور بالنقص عن الآخرين ويسبب له المتاعب النفسية وعدم الثقة وما إلى ذلك من مشكلات متتابعة..
هذا ما عندي.. أرجو منكم الإرشاد والنصح وأتمنى لكم التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
28/3/2005
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي أبو فراس بداية أخبرك بأني شديدة الأسف على تأخري في الرد ولكن أخبرك بأني نلت من التقريع على هذا التأخير ما أستحقه فسامحني.
بداية أخي الكريم وصفك لحالة ابنك رائعة فأنت تشخص حالة مما يندرج ضمن صعوبات التعلم وهي فئة من فئات التربية الخاصة ويصنف من يعاني منها على أنه من ذوى الحاجات الخاصة.
وعلى الرغم من وقوع هذه المشكلة في نطاق التربية الخاصة والتي تهتم بالمعاقين ولكن أصحاب هذه الحالة ليسوا معاقين بالمعنى الشهير للإعاقة والتي تعني علميا أنها حالة من التأخر أو البطء في النمو، وهو كما ترى ينطبق نوعا ما على ولدك.
ومما يزيد من صعوبة هذه الحالة ما جاء باسمها الشهير حيث تعرف في التربية الخاصة بأنها "الإعاقة الخفية"، وهي كذلك بالغعل سيدي، فالطفل لا تبدو عليه مظاهر غير طبيعية في البداية ما عدا شيء من ضعف التركيز وزيادة النشاط والذي يعزى في العادة إلى شقاوة الأطفال وما يزيد في صعوبة علاج مثل هذه الحالات هو التأخر في تشخيص الحالة والذي يتم غالبا مع دخول الطفل إلى المدرسة وهو ما حدث معكم.
يعاني ولدك مما يعرف بصعوبات التعلم "بالإعاقة الخفية" وهي مشكلة ذات علاقة بالعمليات اللغوية بالدرجة الأولى المنطوقة والمكتوبة، كما قد يعاني الطفل من صعوبات في الحساب، وبما أنه يعاني من اضطراب في فهم اللغة فهو يعاني في الغالب من ضعف التحصيل في أغلب المواد وخصوصا في نظم التعليم لدينا والتي هي لفظية حتى في تجارب العلوم!!
كان مثل هذا الطالب يسمى قديما بطيء التعلم وإن كان ما زال البعض يفضل هذه التسمية تخفيفا من وقع كلمة إعاقة التي يرفضها مجتمعنا جملة وتفصيلا ( ويعلم الله أن في مجتمعاتنا التي تعتقد أنها سليمة إعاقات تعجز عنها كل برامج التربية الخاصة).
اختلف المختصون والعلماء في نقاط تشخيص هذه الحالة ولكن هناك إجماعا على أن اداء الطفل وتحصيله يكون أصغر من عمره الزمني ومن أداء أقرانه على الأقل بعامين. ونسبة الذكاء لدى هؤلاء تتراوح ما بين طبيعية إلى مرتفعة، فهم ليسوا أقل ذكاء ممن في مثل أعمارهم ولكن كون الصعوبة التي يعانون منها تتعلق بفهم واكتساب اللغة نجد ذلك ينعكس على نضجهم الاجتماعي والانفعالي وبالتالي على قدرتهم في اكتساب الأصدقاء واعتمادهم على من يعرفون بالفعل أو كما ترى بنفسك ابنك الذي يقتصر على أصدقاء أخيه والأقارب الذين يألفهم، فهو لافتقاره للمهارات الاجتماعية يجد صعوبة في التعامل مع انفعالاته ولذا ترى أنه سريع الانفعال، وتراكم خبرات الفشل الدراسية وكثرة الانتقادات التي توجه لهم دون وعي لحالتهم تزيد من درجة القلق لديهم وتخفض دافعيتهم، وكونه لا يستوعب اللغة جيدا فهو لا يستطيع التركيز طويلا ولذا تراه أنت كثير التشتت.
ماذا يعني اضطراب اللغة أو كيف يحدث هذا؟؟ هناك نظريات كثيرة لتفسير الأمر من أشهرها تلك التي ترى أن الوصلات العصبية تعمل لديهم بطريقة مختلفة فهو يسمع الأحرف بترتيب غير الذي تنطق به، ويرى الأحرف كذلك بترتيب مختلف. السبب في حدوث هذه الاعاقة كمعظم الإعاقات غير واضح بالفعل وهناك تفسيرات ونظريات في المجال عديدة ومنها ما ترى أن للوراثة دور في الموضوع ولكنها ليست السبب الوحيد.
إذن ما يعاني منه ابنك هو حالة من صعوبات التعلم نتيجة خلل في اللغة الملفوظة والمكتوبة كما يعاني من صعوبة في الحساب والذي ينتج عن عدم قدرته على اجراء عمليات التعميم والربط المنطقي كما ذكرت بنفسك، وإن كان هناك حالات ممن يعانون من صعوبات التعلم يتفوقون في الحساب والذي هو في العادة مادة غير محببة لغالبية الطلاب(وهذا يرجع للطرق السيئة في تدريسها).
ما الذي تستطيع فعله لولدك؟ استشر واحدا من المختصين في التربية الخاصة كي يساعدك في وضع برنامج مناسب لتعليمه يتناسب وقدراته وخصوصيته، وتذكر أنك يجب أن تشارك في وضع هذا البرنامج، فعبء اكتشاف صعوبات التعلم غالبا ما يقع على الأهل كما أنهم قادرون على تحديد نقاط الضعف والقوة في الطفل التي يبنى عليها البرنامج، كما أن دورك سيكون كبير ومهم في تنفيذ هذه البرامج.
هذا البرنامج سيعمل على تشخيص نقاط الضعف وبالتالي وضع برامج التقوية فيها، وسيحدد الطريقة المثلى لتعليمه، ولديك الدليل الذي يدفعك للتمسك بالأمل وهو حفظه للشخصيات وأسماء الممثلين مما يعني أنه يستطيع أن يتعلم ولكنه بحاجة لطريقة خاصة كي يتعلم ما يريد أن يتعلمه. في بعض الحالات كان يكفي كي يتمكن الطفل من تعلم القراءة وضع شفافية ملونة على الصفحة البيضاء، ويختلف اللون الفعال من طفل لأخر، تخيل أن يكون حل المشكلة بهذه البساطة مع البعض ولكن ما يعقد الأمر هو التأخر في تشخيص الحالة أو يأس الناس بمجرد سماعهم كلمة تربية خاصة، والأسوأ من ذلك هو إنكار الأمر .
يتميز أفراد هذه الفئة في العادة بمهارات يدوية وفنية عالية ولذا يتم توجهيهم نحو التعليم المهني، فهل لاحظت لدى ولدك مثل هذه المهارات؟؟ ابحث عنها وعززها ان وجدت فنجاح الانسان ليس نجاحا دراسيا (وكل من يعمل في المجال الأكاديمي سيؤكد لك هذا) وذلك على الرغم من أن برامج التربية الخاصة في الغرب تمكن من يعانون من صعوبات التعلم من الوصول إلى المرحلة الجامعية، وهناك شخصية شهيرة استفادت من مثل هذه الخدمة لعلك تعرفها( لا بد أنك تعرفها).
إذن أخي في الله اشكر الله على نعمة تفوق الاكبر واستمر في حرصك على نفسية الثاني وركز دائما على قضية الفروق الفردية بين الولدين وأننا مختلفون في القدرات والاهتمامات هكذا خلقنا الله، راعي الفروق الفردية بين الولدين واعطي كل منهما ما يناسبه واسعد بهما معا، ستثبت لك الأيام أن لكل منهما دور مختلف في الحياة العامة وفي حياتك الخاصة لا يقل عن الآخر، وتقبل اعتذاري مرة أخرى ومرحبا بك وبأي سؤال.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي الأخ العزيز أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين وشكرا على ثقتك، لم تتأخر الدكتورة حنان طقش في ردها عليك إلا مقارنة بنفسها فهي نادرا ما تتأخر لديها الاستشارة أكثر من خمسة أيام، لكنها هذه المرة تأخرت شهرا، ولم يقم بتقريعها أحد والله أعلم، وأما ما أود إضافته هنا فهو وجود صورة ما نسميه اضطراب نقص الانتباه المفرط الحركة !، ويمكنك أن تزيد معلوماتك عن ذلك الاضطراب بقراءة ما يلي أيضًا على مجانين:
الاضطرابات النفسية لدى الأطفال (1)
طفلي مفرط الحركة قليل الانتباه !
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين فتابعنا بأخبارك.