تكررت كلمة الميزان في القرآن الكريم تسع مرات وفي ستة سور، ومنها "الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان..." الشورى 17"
"والسماء رفعها ووضع الميزان"، " ألاّ تطغوا في الميزان" الرحمن 7،8. وفي باقي السور يقترن الميزان بالكيل العادل.
وتم التركيز على الميزان ودوره في الحياة البشرية لأنه يعبّر عن حقيقة السلوك والوعي والفهم والإدراك لجوهر الفكرة الإنسانية، وقدرة البشر على ضبط أعماله والتحكم بتصرفاته وفقا لمرضاة ربه العادل الحكيم، والقادر القدير الذي يراقبه في سره وعلانيته.
ولكل ميزان عيار أو معيار يعتمد على نوع الميزان والمادة أو الموضوع الذي يراد له أن يوزن فيه. ومن الميزان (لسان العرب) هناك الموازين أي التي توزن بها الأشياء في الميزان، ولكل ميزان موازينه.
والميزان أنزل في الدنيا ليتعامل الناس بالعدل وتوزن به الأعمال.
ويقال وَزَن الشيء إذا قدره، والميزان العدل.
ونقول شال الميزان إذا ارتفعت إحدى كفتيه، وأُترِص ميزانك أي سوِّهِ وأحكمه، وأخسرت الميزان إذا نقصته. وأقوم الموازين هو القسطاس الذي يوزن به العدل.
وما أروع أن يكون لكل سلوك ميزان، ولكل كلمة ميزان، فهذا يعني أن المجتمع قد صار في مصاف المجتمعات المتقدمة والمؤثرة في مسيرة الحياة. فالمجتمعات المتقدمة تضع لكل شيء موازين مناسبة على ضوئها تقيس صلاحيته وجودته ومنفعته وقيمته وقدرته على البقاء والتواصل المعاصر.
ومن الرائع أن يكون عندنا ميزان نزن فيه ما نكتب ونقول، لأن في ذلك خطوة حضارية مسؤولة وذات تأثير ثقافي وفكري صالح للتقدم وتنمية المعرفة والإدراك وإظهار الحقيقة، ومنع التضليل والبهتان والأكاذيب والادعاءات، وتساهم بقوة إيجابية في منع التشويش والتشويه، وتقضي على تمرير الشرور وعوامل الرذيلة في الحياة.
إن وزن ما يُكتب في الصحف والمواقع الإليكترونية، خطوة وطنية شجاعة وواعية ومعبرة عن سلوك ديمقراطي صائب، لأن الميزان يكشف الكثير من التفاعلات غير العادلة والمنطلقة من قيعان الانفعال والعواطف والمواقف المتخبطة في مستنقعات النفوس الأمارة بالسوء والبغضاء والرغبات الأنانية الضيقة. والمجتمعات الساعية إلى تأسيس نظام المجتمع الديمقراطي تكون بحاجة لوزن أي سلوك يحصل فيها، لكي تكون الخطوات صحيحة وذات سبل تؤدي للنجاح.
وكل ميزان بحاجة إلى موازين أو معايير، ومقاييس بها نزن الكلمة المكتوبة والمنطوقة ونقدر قيمتها ووزنها. وقد تكون المعايير لغوية، ثقافية، واجتماعية تهدف إلى تطوير الحالة الإبداعية اللازمة لصناعة قدرات التقدم على جميع المستويات.
ويبدو أن المعايير اللازمة لأي مجتمع تكون ذات ثوابت متوافقة مع المصلحة العامة أو الصالح المشترك لأبناء المجتمع. ومن هذه المعايير الهوية الوطنية والوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية، وأن يكون الوزن مبنيا على أسس نزيهة ومطهرة من العصبية والفئوية والعنصرية، والحزبية والطائفية والعدوانية.
إن الأسس الوطنية الصحيحة الجامعة الصالحة الداعية إلى التفاعل الإيجابي الذي يخدم مصلحة المجتمع، هي التي يجب أن تكون أوزان الميزان العادل الذي نزن به الأشياء والموجودات والتفاعلات في البلاد.
بهذه المعايير نتمكن من بناء العقل الصالح والنفس السليمة والروح الوطنية المشرقة المتفاعلة بإبداع خلاق لتأسيس الوجود القوي الغني المعطاء.
فهل ستتطور فكرة الميزان لتشمل جميع ما يحصل في المجتمع، انطلاقا من سلوك البيت والمدرسة إلى سلوك أي مسؤول في المجتمع، لأن في ذلك حظ وطني عظيم؟
وهل ستكون الموازين ذات محبة ورحمة وأخوة وصدق ونقاء ونكران ذات ونزاهة وحيادية وعدل ومسؤولية وطنية تهدف لزرع بذور الفضيلة والقيم الإنسانية السامية؟
فأترِصوا ميزانكم إن كنتم صادقين!!
واقرأ أيضا:
في الإدانة إعانة!! / التخاطب الآلي!!
