أشكركم على ما تقدمون، أتابعكم منذ فترة وأفكر في الكتابة لكم وأخيرا سأكتب:
زوجي خواجة.. هذه هي كل المشكلة، تزوجنا منذ خمسة أعوام على أساس الدين والتكافؤ، ووجدت فيه أروع الصفات والحب المتبادل والثقة، والمشكلة تكمن في نظرة الناس لي ولأولادي على أننا كائنات غريبة وأسئلتهم الغريبة ونظراتهم الممتلئة بالدهشة، ولعل أغربها سؤالهم: هل زوجك يغار عليك؟!!! وكأن الحب والغيرة حكر على العرب!!
زوجي أول رجل في حياتي وهو متدين جدًّا، وصديقاتي اللاتي تزوجن معي تعيسات، ومع ذلك يحاولن دائمًا إشعاري أني دونهن فما الحل؟!
! علمًا بأن زوجي يشجعني على إكمال دراستي ويحاول إسعادي
19/04/2023
رد المستشار
أختي العزيزة:
شكرًا على أسلوبك المختصر الجذاب الذي أوصل المعنى بعبارات قليلة مفيدة، وإن كنت قد استغربت انزعاجك الشديد، على كل حال هناك جوانب متعددة للموقف الذي تتخذه منك صديقاتك:
الجانب الأول: يتعلق بالموقف ممن يخرج على الشائع والمتعارف عليه، وهو ما أسميه محنة المختلف، ففي إطار ثقافة وتربية شمولية تقلق من التميز أو التفرد، وتصف الفردية دائمًا بصفات مذمومة رغم أنها من الممكن أن تكون مقدمة للإبداع وأمور أخرى إيجابية، في إطار مثل هذه الثقافة والذهنية يأخذ الناس موقفا حذرًا مشوبا بالرفض المسبق لكل (ما) هو و(من) هو مختلف، دون أي منطق موضوعي أو قناعات متماسكة، ولست وحدك في هذا الوضع، ولكن معك أيضًا أصحاب الأفكار والممارسات غير الشائعة حتى ولو كانت إيجابية.
الجانب الثاني: ما نسميه بعقدة الخواجة، وهي مسألة شديدة التركيب والتعقيد، وتحتاج إلى دراسة مستقلة، وبموجب هذه العقدة فنحن نحب الخواجات على نحو ما، ونكرههم في نفس الوقت على نحو آخر!! نريد أن نصبح مثلهم أحياناً في بعض الأمور، ونحرص على التميز والاختلاف عنهم في أحيان أخرى، لكننا أبداً يا أختي لم نصل إلى معشار ما يحدث في الغرب في مناسبات وقطاعات كبيرة مما يسمى بالعداء للأجانب xenophobia، ولو كان زوجك أوربياً، وعشت معه في بلده محافظة على تقاليدك المصرية؛ فلن تجدي التسامح والقبول على طول الخط، بل ستجدين ما تستغربينه ـ فقط ـ لأنك أجنبية، لذلك نبقى ـ رغم عيوبنا ـ أفضل في هذه الناحية.
الجانب الثالث: أعتقد أن لديك خلفية "خواجاتي" أنت أيضاً، في تعليمك أو أسرتك أو حتى عملك، هناك اختلاف كبير بين تحديد ما هو شخصي وما هو عام، بيننا وبين الغربيين المعاصرين. فالأصل عندهم أن الأمور الشخصية خاصة لا تمس إلا بإذن، واستئذان، والأصل عندنا أنها عامة للرائح والغادي، إلا أن يمنع ويحذر من التدخل.. إذن الشائع عندنا أن يتدخل الناس في حياة بعضهم، وفي حالتك فإن وضع زوجك يبدو موضوعياً مغرياً ومثالياً للخوض فيه، والحوار حوله بغض النظر عن "أجندة" أو موضوعات هذا الحوار.
الجانب الرابع: أخشى ـ مع وجود هذه التركيبة ـ أن يكون لديك وزوجك وأسرتك "عقدة الخواجة المعكوسة"، وفيها يميل الأجنبي أو من يرتبط به ـ بنسب أو عمل أو ما شابه ـ بالتعامل مع الآخرين "أهل البلد" بشيء من الاستعلاء، والغطرسة التي لا أدري مصدراً منطقياً لها غير أن تكون مجرد "آلية دفاعية" أو مستندة إلى وهم "التميز" المطلق الذي يعشش في أذهان بعضهم، رغم أن الغرب تقدم تكنولوجياً واقتصادياً بسبب أنظمته المتقدمة، وليس بسبب أن الناس هناك أرقى أو أفضل بالضرورة، ورغم أن لديهم مشاكل اجتماعية ونفسية شديدة على نحو مختلف عن مشاكلنا المزعجة أيضاً... المهم هذه "النفخة الكاذبة" التي تحدث أحياناً دون وعي تجاه "السكان الأصليين" تنتج تداعيات تدعم الرفض المتبادل.
الجانب الخامس: وهو جانب قانوني للأسف: فمن المعروف أن أبناء المصرية من الأجنبي لا يحصلون على الجنسية المصرية بالميلاد، ولكن بالإقامة الدائمة في مصر، وعبر إجراءات أعتقد أنها معقدة حتى الآن، وهذا من شأنه أن يزيد الطين بلة؛ في شعور الزوجة المصرية من أجنبي وأولادها منه بنقص في الانتماء إلى بلدهم وما يمكن أن ينتج عن هذا من مشاعر وتصرفات رغم أن الجنسية والهوية والانتماء اختيار ثقافي وشعوري قبل أن يكون ورقة في السجلات الرسمية.
وأخيراً فإذا كانت هذه المشكلة تؤرقك، وتبحثين لها عن حل، وتعتزمين الإقامة مع أسرتك في مصر، فعليك أن تتمصّري وتمصّري زوجك وأبناءك ثقافياً وشعورياً.
لقد جربت مصر ـ وما زالت ـ على مر العصور من وفدوا إليها من كل حدب وصوب، واستقروا فيها، واندمجوا مع أهلها، واستمتعوا بالإيجابيات، وربما ساهموا في تطويرها، وانتقدوا السلبيات وسخروا منها وحاربوها، ولكن من داخل البيت، ومن قلب النسيج الاجتماعي، وليس من خارجه، فاستطاعوا بذلك خلق حالة خاصة كانت تجربة ثرية ومدهشة لهم، ولمن حولهم من "السكان الأصليين"، الأمر ممكن، ويحتاج إلى جهد، وبصيرة اجتماعية، لا أعتقد أنها غائبة عن ذكائك وحصافتك .. وشكراً لك أختي العزيزة.