السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الدكتور الكريم أشكرك للتطوع للرد على رسالتي، لقد كانت بمثابة شعلة صغيرة لكن ما لبث الواقع المرير أن أطفأها. لكن أود أن أنتقد حضرتك في بعض الكلمات التي أزعجتني.
إنها الكلمات التي نسمعها كل يوم، وتردد في وجهنا أكثر من مرة؛ مثل: أنتم المستقبل، نحن الأمل المتبقي لنعيد إلى العرب مجدهم الذي ولى... والكثير من هذا القبيل. فعلى أي أساس ترددون هذا الكلام؟ علي أي أساس؟ هل ترون أمامكم شبابا متعلما مقبلا على العلم، أم على النقيض ترون الواقع؟
أعتقد أنكم بذلك الكلام لا تريدون إلا تبرئة ذمتكم منا. نعم منا نحن، إنكم لم تفعلوا شيئا من أجلنا.. هذه مبالغة ليست إلا. لقد فعلتم الكثير لكن كل إنسان كان يفكر في حدود نفسه وأسرته لا في حدود مجتمعه وعالمه.. عندما تقولون هذا الكلام تعتقدون أن دوركم قد انتهى في الحياة. عندما يردَّد كلام مثل: أنتم الوزراء أنتم المستقبل... لا يحرك هذا الكلام في النفس ساكنا. أتعلمون لماذا؟ لأنكم تحملوننا مسؤولية أكبر منا بكثير ولسنا مؤهلين لحملها.
لماذا دائما تقتصر نظراتنا على أنفسنا؟ كنتم دائما تنظرون إلى المدى القريب. ألا تعلمون أن الصهاينة خططوا لإقامة دولة يهودية قبلها بعشرات السنين، وفعلا تحقق معظم ما خططوا له. وكذلك الغرب دائما يخططون للأجيال القادمة. أتعجب من الأناس الذين يعيشون الآن ويتكلمون عن مشاكل لن تحدث في حياتهم إلا إذا شاء الله؛ كمشكلة الماء مثلا، وكيف ستصبح قطرة المياه أغلى من قطرة البترول.
فأنا مثلا عندما أغلق الصنبور جيدا لا يكون هذا بدافع الخوف على حياة من سيأتي بعدي، وإنما يكون بدافع قول الله تعالى "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين"؛ لم يغرس أحد فيّ فكرة العمل من أجل غيري، مع يقيني أن هذا العمل سيعود علي بعائد أكبر وأنفع مما لو كنت أعمل لنسي فقط، لكني سأكتسب تلك الخصلة العظيمة بإذن الله.
أفكر في الأجيال التي سبقتني.. لا أعلم هل أنتم ضحية لجيل عبد الناصر. ادعوا له بالرحمة واذكروا محاسن موتاكم كما دعانا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا أعتقد أن هذا العصر الباغي قد انتهى.. أتعلمون عندما أرى رجلا مطلقا لحيته وبجانبه امرأة ترتدي الثياب السوداء ومعهما طفلتهما التي ترتدي الخمار الأبيض تبدو كملاك؛ فأنظر إليهم طويلا، وأتساءل: هل هم يعيشون كباقي الخلق؟ مع أن أبي ملتحٍ.
إن فكرة أن الإسلام أو التدين هو الإرهاب تأتي أساسا من بعض البلاد الإسلامية. وأفلام عادل إمام قامت بهذا الدور وأكثر. أتعلمون بماذا أتمنى؟ أن أدخل فيلما مصريا أو عربيا يتكلم عن قضايا العصر، هل هو محرم على بلدي التي يعيش فيها ملايين المسلمين أن تنتج ولو حتى فيلما واحدا سنويا يعالج قضايا المجتمع الإسلامي؟! لقد مللت من الأفلام البلهاء التي تملأ دور العرض، وأيضا الأفلام الهوليوودية العقيمة.
قرأت منذ شهور مضت أنهم ألغوا فيلما أمريكيا كان ضد الإسلام، لقد حزنت كثيرا، كنت أتمنى أن أدخله حتى أحرك النصف الأيسر، لكن للأسف ليس كل ما يتمناه الفرد يتحقق، إنهم كان أحرى أن يمنعوا أن تأتي قمامتهم من الأفلام الجنسية. على أي حال فدائما ما تفرض علينا الأشياء. كان كلامي الأول موجها لكل رجل أو امرأة جرى به العمر ولم يفعل شيئا لأمتهم، وأنا معهم أيضا لم أفعل شيئا مهما، لكني أرى أن الغرب يعيشون للمادة ولأجلها؛ فهل ينطبق هذا المثل علينا أم عليهم؟ لا أعلم.
على أي حال قررت أن أكتب إليكم ثانية لسبب آخر، وهو أن تنشئوا مركزا إسلاميا كما يقام في الخارج، ويكون الهدف الأساسي منه التعلم بأخذ كورسات في العلوم المختلفة كالإدارة... وأيضا لغات بالتنسيق مع المعاهد المختلفة.. أنا أقدر أعمل هذه الحاجات بمفردي؛ لأني مللت من الوحدة إنها تعلم الأنانية. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: "يد الله مع الجماعة"، وقال جون: "شخص واحد يؤمن بقدراته ويصر على تحقيق أهدافه أقوى من 99 شخصا لا يمتلكون إلا الأماني. أتمنى ألا أكون من الـ99. إن لم تفكر في المستقبل فلن يكون لك مستقبل في المستقبل. السلاح الوحيد ضد الأفكار الهدامة هو الأفكار الفعالة".
لقد حققتم نجاحا والحمد لله؛ فلماذا لا تنزلون إلى أرض الواقع؟
السلام عليكم ور حمة الله وبركاته.
13/5/2023
رد المستشار
الابنة الكريمة،
شكرا على رسالتك التي تاهت وسط الرسائل؛ فلم نعثر عليها إلا مؤخرًا؛ فمعذرة.. تنطلقين وتطلقين كلماتك مثل طلقات مدفع رشاش سريع؛ فلا تكادين تكملين جملة أو تتمين معنى حتى تنتقلي إلى جملة أخرى ومعنى آخر، فأجد نفسي أمام أكثر من عشرة أبواب أو أكثر!!
فتعالي نحاول التركيز:
-ليست مسألة الأجيال بعيدة عن اهتمامنا، وقد تعرضنا لها كثيرا دون أن نعتقد أن جيلا يستطيع وحده بناء المستقبل أو النهوض بأعباء التغيير المنشود، ولكن الحقيقة النفسانية والاجتماعية والبيولوجية تقول بأن الأجيال الأصغر سنا تتوافر لديها القدرة والطاقة والحماسة أكثر، وبالتالي ينتظر منها الكثير، ولكنها أيضًا تحتاج إلى الخبرة والمهارة والتجربة، وهو ما يمكن أن تكتسبه بالحوار مع الأكبر، ولعل هذا المقال يمكن أن يفيد في شرح وتفصيل هذا المعنى.
-مسألة العمل من أجل الآخرين، والتفكير بصيغة الجمع لا بشكل فردي أناني محدود، وهذه مسألة تربية وتكوين أتفق معك في أننا نفتقدها منذ الصغر، وفي ثقافات أخرى مثل اليابانية؛ فإن العمل الجماعي يبدو مقدسا وناجحًا، وتدين اليابان بنجاحها لوجود هذه الروح الجماعية القادرة على تعويض غياب الإبداع أو الذكاء الفردي في أغلب الأحيان، فمجموع عمل فريق مكون من أفراد متوسطي الذكاء يكون أعلى وأنجح من إنتاج نفس الأفراد متفرقين، ولكن الأوان لم يفت لتعويض هذا النقص وتلافيه بالتدريب على أخلاق وتكاليف التفكير والعمل الجماعي، ومضاعفة مهارات الإبداع الفردي أيضًا؛ فلا تعارض.
-أما مسألة الإنتاج السينمائي الهادف فإن مسؤولية غيابه تقع على عاتق أطراف متعددة؛ منها المبدعون الذين تخصصوا وانتدبوا أنفسهم لسد هذه الثغرة أو العمل في هذا الميدان، ولكن تقصيرهم أو تقاعسهم لا يعني أن نستسلم نحن لهذا، ولكن هناك العديد من الوسائل للتغلب على هذه الحالة من القحط السينمائي المحلي من ناحية وشيوع الإنتاج الأمريكي الهزيل أو السطحي غالبًا من ناحية أخرى، ولا أستطيع أن أمنع نفسي من القول بأن أجيالا سينمائية جديدة يمكن أن تفعل شيئا في هذا الميدان، سواء من وراء الكاميرا أو من أمامها، بل ومن فوق مقعد المتفرج الذي يمكنه مقاطعة ما يرى أنه لا يناسبه، وقد يضر بغيره أيضًا.
-أما نزولنا إلى أرض الواقع من خلال مؤسسة لتعليم الإدارة أو غيرها؛ فإن ذلك مرهون بعدة أشياء؛ منها أن يكون لدينا بالفعل ما نعلمه للناس، ومنها أن تكون لدينا الكفاءات القادرة على تعليم وتدريب الشباب، ومنها أن تكون هناك الإمكانيات المطلوبة لإنجاز هذا، وحتى يحدث هذا -أو حتى إن لم يحدث- فنحن نحاول تطوير خبرتنا في التواصل معكم، وتنمية معارفكم وطريقة تفكيرهم، والتعلم من حماسكم، ومن أسئلتكم، ومن استمرار طموحكم، وتذمركم من السلبيات، والقصور والتخلف الذي تعيشه أمتنا في نواحٍ كثيرة من حياتها.
-وعلاوة على ترحيبنا بكل نقد ومشاركة فإننا أيضًا نسعد بكل اقتراح محدد يمكن تنفيذه في سبيل تحسين خدمتنا التي نقدمها، أو توصيل رسالتنا وأصواتنا إلى أبعد أفق ممكن. والله الموفق.
وللاستزادة يمكنك الرجوع لمقال إبحار الأجيال وتعاقب الأمواج البناءة.