بالنسبة لي لا يوجد عندي مشكلة، لكني وجدت هناك مشكلة في تعاملكم مع المشكلات؛ فأنا متأكدة لو أن مثل تلك الحالات مرت بكم أو بأبنائكم فلن تتعاملوا معها بهذه الصورة، مثلا أنتم تنظرون إلى قضايا الآداب نظرة لا ينظر إليها المتحررون، مثلا فتاة ترتكب فاحشة تعالجون الموضوع وكأنه شيء عادي، وأن تلك الفتاة أو الشاب بعد ما صدر منهما من أعمال مخلة بالأخلاق يستطيعان ممارسة حياتهما طبيعيا.
إني أسأل المستشارين والمستشارات الكريمات: لو أن أحد أبنائهم أراد الارتباط بفتاة ارتكبت جريمة الزنا وبعدها تابت توبة نصوحا.. فهل يوافق أحدكم على هذا الزواج؟
إن أي إنسان عاقل لا يرضى بهذا، فلماذا تجيبون شابا لو توجه لكم بمثل هذه الأسئلة أن الأمر عادي، وبإمكانه أن يبدأ أو تبدأ صفحة جديدة، وأنتم تعلمون أن الدماء عندنا نحن العرب تزول آثارها بمجرد قيام القصاص أو عفو الولي، أما الشرف فإن كل دماء العالم لا تغسل آثاره؟
أعانكم الله على الخير وعلى إرشاد الناس إلى الطريق القويم وليس الطريق العقيم
وشكرا لكم مرة أخرى
2/5/2025
رد المستشار
الأخت الكريمة، شكرا على اهتمامك ومتابعتك، وحبذا لو تذكرين لنا أمثلة محددة من إجاباتنا التي تعتبين علينا فيها.
يا أختي لعلك زائرة جديدة لصفحتنا، ولا بأس من تكرار التوضيح على كل حال، ففي الإعادة بلورة وإفادة بمشيئة الله.
لسنا قضاة؛ فتكون مهمتنا أن نحكم على أفعال الناس أو نقرر العقوبة التي يستحقونها على الأخطاء التي يرتكبونها، ولكي نقوم بهذه المهمة لا بد أن نحيط بالمسألة من أولها إلى آخرها، ولا أدري طبيعة دراستك، لكن القانون يعرف مثلا ما يسمى بالظرف المشدد أو الظرف المخفف، وهو شيء خارج عن جسم الجريمة أو نسيجها، ومتعلق بالبيئة أو المناخ أو الملابسات المحيطة بها، وله دخل كبير في تحديد العقوبة.
ومن هذه الملابسات سيرة المخطئ وشخصيته وعامة سلوكه، ولعلك تتذكرين مثلا أن من شهدوا غزوة بدرًا كان لهم وضع خاص أعفى أحدهم من العقاب على جريمة خيانة عظمى، ولما كانت معلوماتنا تقتصر على ما يرسله صاحب أو صاحبة المشكلة، وهو بالتأكيد ناقص ومتحيز؛ لذا سيكون من الظلم أن نقفز إلى إصدار حكم أو تقرير عقوبة.
لسنا جلادين فنقوم بتنفيذ العقوبة صفعا بالكلمات أو ركلا بالألفاظ أو رجما بالمعاني، وهذه مهمة لا نريدها، ولا نحسنها، ناهيك عن عدم اقتناعنا بجدواها أو نفعها، ولا نرى أن جلد المخطئ يوصل أي معنى مفيد له أو للسامعين، وأغلب من يرسل إلينا يكون نادما على ما فعل، وإن كان هذا لا يمنع من تنبيه الغافل المستهين بذنبه، المغتر بعفو ربه وستره عليه، أما النادم فالمزيد من جلده يعين شيطانه عليه؛ فيقنط من رحمة الله.
لسنا واعظين نستخدم أساليب الترغيب والترهيب في كسب قلوب الناس أو تشجيعهم على الالتزام، وهذا ميدان له فرسانه وأدواته ومداخله، ونحن لا ننتهز فرصة حاجة الناس إلى مشورة لنمرر لهم وعظًا من أي نوع، دون أن يعني هذا اعتساف حذف المعاني الروحية والدينية، والإضاءات النفسية الموحية المستقاة من كتاب الله أو سنة رسول الله أو سيرة سلفنا الصالح أو أحوالنا المعاصرة؛ شريطة أن يكون هذا موظفا لصالح حل المشكلة، نافعا في فهمها والتعامل معها. ومن ناحية أخرى لسنا نتصور أنفسنا كهنة يمكن أن نقدم للناس صكوك غفران وهمية؛ فشأن المعصية الفردية بين العبد وربه، وهذا رهيب لمن يعرف الله حقا ومن يجهله يخسر.
وظيفتنا ومهمتنا بالتحديد ليست في إدانة الخطأ أو تمجيد الصواب بمقدار ما هي اكتشاف أسباب الخطأ وملابسات أو مقدمات وقوعه، وكيفية الوقاية منه فيما بعدُ فرديا بالنسبة للسائل، وجماعيا بالنسبة للآخرين.
كما أن مهمتنا أن نساعد التائبين، بعد أن يعوا مواضع الخلل، ومداخل الخلط والانزلاق؛ فنقدم لهم العون على استعادة علاقتهم بالله سبحانه وبالمجتمع، وأن يكونوا صالحين ناجحين كما كانوا عصاة فاشلين، وهذه العملية التي يمكن تسميتها بإعادة التأهيل هي من صلب العلاج الذي نحاول تقديمه.
أخشى يا أختي أن تفكيرا قد شاع لدينا -في بلدك وفي غيره- تختلط فيه مواريث الجاهلية بضيق النفس والخلق؛ فيلد كل هذا لنا إسلاما غريبا مشوها نشدد فيه على المعاصي الفردية بدلا من محاسبة الرؤوس الكبيرة؛ لأن الزاني الفرد النادم المنكسر أو حتى البارد المتباهي سهل الاصطياد والانتقاد، أما الرؤوس الكبيرة فلديها البوليس والجيش، ولديها العذاب ألوانا، والصمت عن جرائمها حكمة عند البعض!!
من قال إن هناك ذنبا لا تغسله التوبة النصوح؟
ومن يجادل في أن المخطئ العائد مقبول مهما كان خطؤه؟
ومن يغفل عن أن مهمة الرسول نفسه كانت التذكير: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ}.
وفي انتظار متابعاتك