جزاكم الله خير الجزاء، وأعانكم الله على عمل الخيرات، وأشكر لكم حرصكم على تقديم العون والمساعدة لأمثالي، والثقة التي زرعتموها في قلوب قرائكم والتي جعلتني أقرر إرسال مشكلتي لكم.
لا أدري كيف أبدأ؟ ومن أين أبدأ؟ أنا شاب أبلغ من العمر 25 عامًا، أعيش وحيدًا بعيدًا عما تبقى من أهلي (توفي والداي ولم يتبق لي إلا أختي وهي متزوجة، وجدتي)، أعمل وأحصل على مرتب لا بأس به، أقتطع منه مبلغًا أرسله لجدتي، والمتبقي من المرتب أدفعه فيما تقتضيه هذه الحياة القاسية للعيش فيها.
فكرت في الزواج منذ فترة من الزمن، وعزمت على التقدم لابنة خالي التي كانت تعجبني، ولكن لم أحظ بإعجاب والديها، وذلك لأني بنظرهما لا أستطيع أن أجعلها تعيش في المستوى الذي تعودت عليه.
ولا أستطيع لوم والديها في ذلك، فهذه ابنتهما تعبا لأجل راحتها ويطمحان في رجل يوفر لها جميع سبل الراحة، وبعد أن تم رفضي أحسست بالإحباط وأنه ليس لي أمل في الزواج، خاصة أن الزوج الآن يقاس بالمال والجاه وليس بدينه وخلقه.
كرست حياتي بعدها للعمل، فما زلت أعمل حتى إنني لا أشعر بالتعب والوهن، وأكره العودة للمنزل، مع أني منعزل وانطوائي وقليل الكلام وغير اجتماعي.. وكنت أجلس أمام الإنترنت، وكنت جريئًا في رسائلي، جرأة وقحة، أرسل صورًا إباحية، ولا آبه لمن أرسلها منغمسا في البحث عن المجموعات التي تزودني بهذه الصور.
وما زلت على هذا الحال حتى أرسلت لي فتاة تقول لي ناصحة بطريقة لم أعهدها من قبل "أنت تبني بيد وتهدم بالأخرى"؛ وذلك لأنني كنت في نفس الوقت أرسل رسائل ذات فائدة بعكس الرسائل الوقحة والإباحية.
لا أستطيع وصف شعوري عند قراءة رسالتها، وقررت عندها أن ألغي جميع اشتراكاتي بهذه المجموعات السيئة، وبالفعل بدأت بذلك وكنت في غاية السعادة، وقلت في نفسي "هناك من يهتم بي"، وكنت أنتظرها كل يوم في الماسنجر أترقب دخولها، وأخيرًا دخلت أخذت نفسا عميقا وألقيت التحية عليها، تعودت عليها، بدأت أتعلق بها، شعرت بشيء لأول مرة أحسه، وكنت أخفي هذا الشعور عنها.
بدأت أتغير وأهتم بديني وعباداتي، كانت تدفعني للأحسن دائما، تقومني وتشجعني على فعل الطاعات، وكان بيننا ما أسمته برنامجا، وهو عبارة عن جدول ديني نؤديه معًا، مثل ختم القرآن كل شهر وذكر الأدعية وأداء الصلوات المفروضة في المسجد وما إلى ذلك من واجبات دينية.
أحببت فعل كل ما تطلبه مني، أحسست بديني، كل هذا ولم أستطع البوح عن حبي وتعلقي بها لأسباب عدة منها زواجها ووجود أبناء لها، وأنها تكبرني بخمس سنوات، لكن لم أستطع تحمل ما في قلبي، كنت أرى فيها كل المميزات التي أحلم بها في شريكة حياتي؛ اتزان وخلق ودين وقلب كبير احتواني بحنانه وعطفه.
أحببتها بكل ما تحملها هذه الكلمة الصغيرة من معان، أحسست يومًا بعد يوم أنها تبادلني نفس الإحساس، لكن خوفها من ربها كان دائما يمنعها عن مصارحتي، لكني أحسست بها، وصارحتني أخيرًا بكلمات تخفي معنى الحب، ولكنها تشعر بالضيق كلما نطقت بهذه الكلمات.
باختصار نحن نحب بعضنا، وهي تعيش حياة زوجية تفتقد المودة والحب بين الزوجين، وهي بحكم تربيتها بين أسرة محبة وحنونة ومترابطة تحتاج لهذا الحنان والحب، وقد سبق أن طلبت الطلاق قبل أن تعرفني، وقالت لي إنها مستعدة لطلبه مرة أخرى لأنها لا تستطيع العيش مع زوجها.
وبالمقابل أنا إنسان ميسور الحال، لكن مرتبي لا يمكن أن يفتح بيتا، ولا أستطيع توفير الراحة لها، وهناك سبب أساسي لعدم قدرتي على الزواج منها وهو أبناؤها فلا أستطيع أن أكون سببا في حرمانهم من والدهم فأنا أخشى عليهم من هذا الإحساس.
والذي رفع السماء بغير عمد إني أحببتها من كل قلبي، وسأخلص لها عمري كله حتى إن لم يكتب لي الله قربها مني، وأرفض أن يقول أحد إن هذه العلاقة نزوة... وأنا لا أستطيع العيش بعيدا عنها، وأتخيلها معي في جميع حالاتي.
أخيرًا، أستميحكم العذر على أسلوبي الركيك في التعبير، ولكن حالتي زادت سوءًا حتى إنني لا أستطيع مواصلة الكتابة أريد النصح لي ولها،
علما بأنها هي من أعطتني عنوان الموقع واقترحت علي كتابة مشكلتنا في استشارات مجانين.
3/5/2025
رد المستشار
الأخ السائل، هل الحب حقا كلمة صغيرة كما تقول أنت في رسالتك؟!!!
إن معاني الحب متعددة وغامضة أحيانا، ولكنها ليست صغيرة أبدا، ولو تأملت في حالك وكلماتك لوافقتني فيما أقول.
أهلا بك يا أخي عضوًا في رابطة جرحى الإنترنت، ونرجو أن نكون عند حسن ظنكما أنت وهي، وأن نظل على صلة روحية وفعلية.
لعلك قرأت إجابتي رائع في كل شيء: إنقاذ ضحايا الشات م ولعلك –وهي كذلك– تكون قد فهمت ما تعيشان من خبرة، فأنت في وحدتك وعزلتك وإحباطك، وهي في حياتها الزوجية المفتقرة إلى المودة، وأنتما معا برصيد الالتزام الديني الذي لديكما، وبوجود الأداة الاتصالية المتاحة والسرية -تبدوان من الصنف الأكثر عرضة للإصابة بالاضطراب الذي أجتهد أنا الآن في توصيفه وتشريحه وتحديده، وهو الذي كان موضوع إجابة ضحايا الشات، وهو محور من أهم محاور اهتماماتي الحالية، وقد ألقيت في ذلك محاضرة على بعض زملاء المكتب بوصفهم محيطا مثاليا لدراسة هذه الظاهرة، وسبر أغوارها، ورغم أن ما يشبه الاجماع قد تلا المحاضرة على أهمية الموضوع، وخطورة ما تناولته المحاضرة ورغم تأكيدي أن البعض ممن حضروها لديهم ما يثرون به هذا البحث الصعب الجديد، ورغم طلبي المباشر منهم أن يكتبوا لي خفية حول تجاربهم أو تجارب سمعوا بها حول هذه الخبرة -فإن أحدًا لم يفعل!
في الوقت الذي تفضلت أنت وتفضلت أخت كريمة أخرى بالكتابة، فجزاكما الله خيرا، وكنت أحب أن تكتب لنا أيضا الأخت التي أنت على علاقة إليكترونية معها لتتضح الصورة أكثر، ولكن على كل حال أقول لك:
لا يكون الحب مكتملا إلا إذا توافرت أركانه، ومنها المعاينة المباشرة، والبقاء والاستمرار رغم غياب المؤثر أي أن تصمد مشاعركما، ولو توقف الاتصال بينكما. ومن الأركان الضرورية أن يتوافر الاستعداد الكامل لدفع فاتورة الحساب، والارتباط الشرعي مهما كان الثمن، وأن تتحملك هي بظروفك كما هي، وأن تتحملها أنت بأطفالها وعمرها الذي يكبرك، وتجليات هذا الفارق في السن، ومنها ما هو ظاهر منذ الآن فهي التي بدأت الاتصال بك، وهي التي تمسك بزمام المبادرة والتحريك فتدفعك وتشجعك وتواصل في اتصالها بك، ورعايتها لك فتذوب أنت أكثر وأكثر.
حقيقة الأمر أن ما بينكما هو علاقة محدودة تحقق لكل طرف منكما أهدافًا يحتاجها؛ فأنت تبحث عن امرأة فيها أمومة وحنان وحيوية ومبادرة، ولا يهمك أن تحصل من نفس المرأة على إشباع جنسي جزئي أو كلي، ولا يهمك الجانب المادي منها حاليا على الإطلاق، وهي كذلك تبحث عن رجل يشعرها بكيانها المعنوي، ويمنحها المودة التي تفتقر إليها في علاقتها بزوجها، وهي تبحث عن نجاح يعوضها عن الفشل الإنساني الذي تشعر به، وكلاكما غارق في حالة من الاضطراب الشعوري والذهني التي فيها الألوان والمعاني، وهي ليست نزوة بالمعنى التقليدي، ولكنها أعمق وأخطر.
وأخطر ما في الأمر أنكما تحتاجان لقوة جبارة للخروج من هذه الكبوة بدءًا من الاعتراف بها، فهمها بأسبابها التي أدت إليها، وبخطواتها التي تصاعدت حتى وصلت بكما إلى هنا، وبالطريق المسدود الذي تسير فيه خطواتكما، والإثم الذي ترتكبانه في حق من ستر عليكما حتى الآن، وفي حق أنفسكما قبل غيركما، وعلى قدر أهل العزم...
إن علاقة مثل هذه هي ابتلاء كبير يضل فيه الكثيرون اليوم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ولا أجد لكما غير الاعتصام بالله، واستمداد الطاقة منه للخروج من هذه الهوة فهو وحده الأهل لهذا والقادر عليه، ومما يعين على ذلك أن يبحث كل واحد منكما عن حلول عملية لمشاكله المزمنة في الوحدة والإحباط وافتقاد المودة، ودعونا نشترك معكما في ذلك.