جزاكم الله كل خير على هذا الموقع وهذه الصفحة التي عوضتنا ونحن في غربتنا عن أهلنا.. أساتذتي الأفاضل، أمهاتي الحانيات أكتب لحضراتكم مشكلتي لعلَّ الله يعينكم على حلها.
أنا سيدة متزوجة ولديّ أبناء ومشكلتي تبدأ منذ صغري؛ حيث إني كنت أشعر بأني مضطهدة، وخاصة من قِبل أمي التي كنت وما زلت لا أشعر نحوها بالحب الذي يجب أن يكون بين الأم وابنتها، وبالمقابل كانت علاقتي بوالدي جيدة وكنت المدلَّلة عنده.. ووالدي ذو مكانة في المجتمع، وله هيبته، ولقد ربَّانا ولم يبخل علينا بشيء سوى التعليم بالنسبة للبنات خاصة.
مشكلتي يا سادة بدأت عندما تقدم لي زوجي، كان ردي ورد العائلة كلها الرفض؛ بسبب فارق العمر، وتمت الرؤية الشرعية والموافقة، خاصة أنه كان شديد الوسامة، وللعلم كل تلك الفترة وأنا مستمرة في الاستخارة وهو كذلك.
واستمرت الخِطبة 6 أشهر ظهر لي من خلالها شدة فرح خطيبي وأهله بهذه الزيجة، ولكن كنت ألاحظ أني لم أتعلق بخطيبي أو أشعر نحوه بحب جارف، وكنت أرجع ذلك إلى رزانتي التي عرفت بها..
كنت أسأل نفسي دائمًا لو حدث وفسخت الخطبة هل سأحزن أو أنزعج؟ فأجيب بلا. وكنت أشعر أنه سلبي تجاهي فلم يحاول يومًا أن يتكلم معي على انفراد أو أن يظهر لي اهتمامه بي أو يشعرني بحبه، فكان عندما يأتي لزيارتنا نجلس مع العائلة، ولا يدور أي حديث خاص بيننا.
لاحظت بعد زواجي كسل زوجي الشديد؛ فهو يريد أن يظل بجانبي.. ظننت في البداية أن ذلك طبيعي؛ لأنه عريس، ولكن ظهر لي العكس بعد ذلك.. وحتى أولاده الآن لا يبدي اهتمامه بهم، لقد رضيت بهذا الوضع وقلت بالصبر سأغيره، ولكن لا فائدة فكرم والدي الشديد معه أفسده، فهو منذ البداية يساعدنا ماديًّا، فوالدي ولله الحمد مقتدر، وكلما أحس أننا بحاجة أعطانا مبلغًا من المال.
وهذا الشيء في البداية أسعدني، ولكن عندما وجدت زوجي يمد يده دائمًا لوالدي ولا يحاول أن يطور مهاراته أصابني الغضب، فحتى متى نظل بحاجة لوالدي تارة، ولأهله تارة أخرى وقد أصبح لدينا أولاد.
منذ فترة أسس زوجي عملاً حرًّا خاصًّا به مع وجود فرصة للعمل الوظيفي، ومع هذا العمل زاد الطين بلة؛ فالديون زادت، وزادت أخلاق زوجي سوءاً فهو يغضب لأتفه الأسباب، ويضرب الأولاد كذلك حتى وصل الأمر إلى ضربي؛ وذلك بسبب ضغط العمل، حتى إنني توظفت بشهادتي المتواضعة؛ لأنفق على نفسي وعلى أولادي ولا أحس أنه ينقصهم شيء.. تصوروا يا سادتي حتى ذلك الراتب لم ينجُ من يده، فهو يأخذ منه بإذن وبغيره.
يا أساتذتي.. والله لقد مللت.. أنا لا أشعر بالأمان معه ولا بالحب والذي يصبرني أولادي، وأنا لم ألجأ لأهلي لعدة أسباب، منها: أن والدي صحته ضعيفة، بالإضافة أن علاقتي بأمي الآن جافة وستعايرني بفقر زوجي وتلومني على ذلك بقولها تحملي نتيجة اختيارك.
ولكن الذي شجعني على الكتابة لكم واستشارتكم طلب زوجي المحترم مني أن أستدين له مبلغًا كبيرًا من إحدى صديقاتي المقتدرات ليطيل بذلك قائمة ديونه وهذا ما رفضته وبشدة.
بالله عليكم دلوني ماذا أفعل؛ فأنا تائهة؟ ولا تقولوا اصبري فأنا بدأت أفقد الثقة بنفسي، وهذا ما يحاول أن يفعله بي. وبدأت أفقد الثقة بربي فأقول أنا اعتمدت عليك يا رب، وتوكلت عليك، وما مللت من دعائك وعبادتك وأنت تخذلني، ماذا أفعل؟
هل يمكن أن تشيروا عليّ بحل عملي يساعدني؟ أم هل كُتب عليّ الشقاء في هذه الدنيا؟
وآسفة على الإطالة.
16/5/2025
رد المستشار
بداية أنا يا ابنتي أشكرك على تهذيبك وحسن عرضك، وأحب بلدك وأهله، وأدعو له ولهم ولك بالخير والتوفيق، وعندي ملاحظات أضيفها قياما بحق الثقة حين رفعتني -رفعك الله– إلى مقام الوالد الكريم الذي تحبينه على النحو الظاهر في رسالتك، ومن هنا سيكون نصحي لك خالصا، فاقبليه ولو كان مرا بعض الشيء، فإنما هو يخرج من قلب والد محب.
أبدأ بكلمتك عن فقدانك الثقة بنفسك، وبربك... وقد انتهيت أنا توا من الرد على أخ سائل ستجدين إجابته تحت عنوان:
شماعة ضغوط الأهل: الشاب أيضًا يتراجع م. مستشار
وأحاول أن أكتم غضبىي لأقول لك بأن الله سبحانه وتعالى ما خذلك أبدا، ولكنك أنت وأهلك أخطأتم الأخذ بالأسباب، وأنتم جميعا اليوم وأنت أكثرهم تدفعون الثمن:
- قولي لي بربك عن تربية الوالد الكريم الذي يرى أن البنت مصيرها الزواج، وأنها لن تعمل خارج البيت، فليس لها أن تتعلم بعد الثانوية العامة!!
في أي موضع من كتاب الله وسنة رسوله نجد ما يهدي إلى هذا أو يشير إليه أو يحبذه؟!!
هذه مقاييس والدك ووجهة نظره، واسمحي لي بأن أقول إنها خاطئة، وغير شرعية على الإطلاق.
هل هناك خلاف على أن المرأة ينبغي أن تظل في بيت زوجها مختارة محبة غير مكرهة؟! هل هناك خلاف على أن للمرأة من قبل زواجها ومن بعد أن يكبر الأولاد، وفي حالة عدم الإنجاب، وغير ذلك من حالات متعددة، فإن للمرأة أدوارًا تقوم بها في المجتمع خدمة لدينها وأمتها؟! فكيف تظل المرأة مختارة، وهي عاجزة عن الانفصال مهما كانت الضغوط؟!!
هل هناك خلاف على أن التعليم الآن -على علاته– يبدو هو الطريق الأقل فشلا في اكتساب المعارف، والتعرف على ما يحدث في العالم، والقدرة على الحركة فيه بنضج وفاعلية؟!!
وبناء عليه هل الأصوب شرعا وعقلا أن تستكمل الفتاة تعليمها لتحصل على المؤهل الجامعي –على الأقل- طالما تطيق ذلك وتريده، أم نقول لها تكفي الثانوية، ومكانك بيت زوجك، ولأنها زوجة وأم فلا يهم أن تتعلم أكثر من ذلك؟!!
- وجاء زوجك هذا، وتقدم إليك، وتأملي معي بربك على أي أساس تقبلون زوجا أو ترفضونه، فبدلا من السؤال الواسع والاستقصاء العميق، وليس هناك أي سابق معرفة بين العائلتين، بل هو من بلدة أخرى، وأعرف أن هذا له معناه وآثاره وتجلياته في بلدك، وبالرغم من هذا عندما حضرت والدته لأخذ الجواب، وكان بالرفض صرخت فيكم: كيف ترفضون… إلخ. ما حدث وحجبته أنا من تفاصيل، وأخشى أنهم من البلدة التي يشتهر أهلها بالدهاء والمكر ولعلكم من البلدة التي يشتهر أهلها بالطيبة المفرطة؟!!
المهم ضحكت عليكم المرأة ووقعتم في الحرج، وبنفس الأسلوب الساذج سارت أمورك بعد ذلك، ولم يحدث أن تتوقفي أمام أشياء غاية في الأهمية كان ينبغي التوقف أمامها، ولن أستفيض فيها لأنها مما حجبناه، والخلاصة أن الله سبحانه لم يخذلك ولا خذل أهلك، ولكنكم خذلتم أنفسكم، أو بالأحرى خذلتكم قلة خبرتكم بالحياة، وخذلكم حياؤكم في غير موضعه الصحيح، وضعف تقديركم للأمور... ويكفي هذا.
- أنت ترتبطين بالله، وتلًحين في الدعاء والعبادة، وهو لن يخزيك أبدا، ولكنك تعرفين أن من الدعاء ما يستجاب في الدنيا، ومنه ما يتأجل ليكون ثوابا في الآخرة بإذن الله، وهذا وذاك لا علاقة له بأنك وأهلك أخطأتم تماما، وبشكل فادح، في الأخذ بالأسباب الدنيوية الواجبة، ولم تقدروا أمر الزواج قدره، وتقوموا بما ينبغي القيام به فيه من حسن تدقيق واختيار، وتمسك بالرفض أو القبول المدروس بعناية، واليوم ينبغي دفع الثمن. ولا أقول هذا لأزيد من ألمك، ولكن لتستعيدي ثقتك بربك؛ فما ظلمك سبحانه ولن يفعل، ولكنكم أنتم الذين ظلمتم أنفسكم.
2- وأصبحت يا ابنتي أسيرة في كنف "ابن الأصول" كما وصفته والدته، ولا أدري هل "الأصول" لقب يحمله الإنسان أو عائلة ينتسب إليها برابطة الدم؟ أم أنها أخلاق وشيم وثوابت، وأفعال وخصال تزول الجبال ولا تتزحزح هذه " الأصول" من داخل صاحبها؟! أين هذه في مسالك زوجك؟!! ومن أين جاءت هذه التخاريف التي تحكم حياتنا، ونبني عليها حاضرنا ومستقبلنا؟!!
أبكي والله على هذه الأمة التي فقدت ذاكرتها، وأضاعت هدي ربها، وتعاليم رسولها؛ فهي تتخبط في وحل التقاليد تحسبه زعفران التراث، وميراث الأصالة والأصول؟!!
تأملي معي وتذكري "بنت الأصول" حقا وصدقا.. الماجدة الطاهرة الزهراء "فاطمة"، وأباها خير الخلق أجمعين الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، ماذا يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-لابنته، وإن كان هناك حسب أو نسب فهما لهما بامتياز؟!
يقول لها: "يا فاطمة… اعملي، فإنني لا أغني عنك من الله شيئا" هذا هو الحسب والنسب: خلق متين، وعمل دؤوب، وطموح إلى المعالي، وكرم بذل حين يتبع الناس الهوى المطاع والشح المتبع.
المهم أنك أصبحت أسيرة في كنف هذا الرجل الذي أسأتم اختياره... فماذا أنت فاعلة؟! الفاروق عمر –رضى الله عنه- يقول "لست بالخب –وأظنه يعني الماكر الخبيث- ولا يخدعني الخب" فاستمعي لأبيك "الإليكتروني" لعله يفيد!!
3- مربط الفرس هو أن موقفك ضعيف، ليس فقط بسبب مرض والدك، أو جفاء أمك، وبالمناسبة فإن جفافها أو موقفها المتوقع منك في حالة شكواك أو انفصالك ليس سوى آلية دفاعية تقوم بها الأمهات من أمثالها حيث هذه العدائية ليست سوى انعكاس لقلة الحيلة وضعف التدبير؛ فهي لا تستطيع فعلا أن تدبر أو تكيد أو تعمل غير لوم الآخرين وتقريعهم!!
بخصوص موضوع الاستدانة من أحد لحساب زوجك، فإياك، ثم إياك، ثم إياك أن تفعلي، وليستدن هو ممن يعرفهم، كذلك عليك أن تستدركي الآن ما فاتك بسبب اختلال مقاييسك وضعف تقدير والدك "غفر الله له":
- لا بد من الحصول على مؤهل جامعي، أو التحصل على المهارات والمعارف التي من شأنها أن تجعل لك سعرا في سوق العمل، ولم تذكري لنا الآفاق المطروحة أمامك لاستكمال تعليمك الذي ينبغي أن يتم بسرعة، سواء تم هذا في بيتك مع استمرار زواجك أو الانفصال؛ فأنا أرى أن هذا القرار بالاستمرار أو عدمه يعتمد على القرار الأول باستكمال المؤهلات والقدرات المطلوبة لعمل لائق بمرتب مجز.
-إذا استطعت تدبير مسألة الدراسة هذه، وأنت في بيتك مع أولادك، وبتهدئة الأجواء مع زوجك ولو بمنحه جزءًا من راتبك، ولكن دون استدانة باسمك من الوالد أو الصديقات، وبشيء من الملاطفة، وحسن العشرة أو بالأحرى الحد الأدنى منه. وتذكري أنك في مرحلة المراهقة بالنسبة لأولادك الذكور ستحتاجين إلى حزم الأب ووجوده، والكبير على أعتاب هذه المرحلة فعلا.
- لا بأس طبعا من محاولات إصلاح زوجك، ولعل في أصوله بالفعل خيرًا نستطيع بعثه بالوسائل السلمية، وتفيدك في ذلك الوساطات المناسبة من الأهل، وأرجو أن ينصلح حاله ولو قليلا، ولو مع تقدمه في العمر، ونضجه المتدرج.
- ليس لك أولا وأخيرا سوى الله سبحانه هو يمنحك التماسك -الذي تحتاجينه بشدة، وهو بيده مفاتيح القلوب وتصاريف الأمور... أدعوه أن يبرم لك أمرًا يجبر به ضعفك، وقلة حيلتك، فلا تملي من الدعاء، فالعبد بخير ما لم يمل الدعاء.. يقول دعوت ولم يستجب لي.
- فإذا استحال عليك أن تستكملي تأهلك للعمل المناسب بالدراسة الجامعية، أو غير ذلك من أشكال الدراسة المتنوعة والمناسبة مع ظروفك، واستحال عليك الوصول إلى نوع من التعايش السلمي مع زوجك، فلا مفر أمامك من الانفصال، وترتيب حياتك دون شريك، ولو لفترة. وتذكري يا ابنتي أنك تختارين بين الأسوأ والأقل سوءًا؛ لأن وجودك في ظروف مثل التي تشرحينها هو أمر قاسٍ، ووضعية المطلقة بثلاثة أطفال أيضا قاسية، فلا تستعجلي القرار؛ لأن التمييز بين الصواب والخطأ، والجيد والسيء سهل، أما المفاضلة بين سيء وأسوأ، أو فضل وأفضل فتحتاج إلى حكمة أكبر. وفي كل الأحوال فإن مفتاح الانفراج مرتبط بتحسين أوضاعك أنت شخصيا.
وبمناسبة أحوال زوجك المادية قد يكون من الحلول أن يدخل معه شريك جاد يتحمل شئون إدارة الأموال إذا كانت لدى زوجك جوانب أخرى متميزة يمكن أن تجلب ربحا، فليس كل من لديه موهبة أو ميزة معينة بقادر على إدارتها اقتصاديا بكفاءة. وأحسب أن إصلاح الحالة الاقتصادية لزوجك -بغير استدانة– يمكن أن يكون لها آثار إيجابية مساعدة، وتابعينا بأخبارك.