السلام عليكم
أنا الأخت الكبرى في بيت أهلي، توفي والدي منذ سبع سنوات، ونحن بالغربة (دول الخليج)، ومنذ ذلك الحادث الأليم؛ وبيتنا لم يستقر، باختصار: لم يكن لدينا مصدر دخل آخر، أخي الكبير كان يدرس بالخارج، كنت أعمل وأدرس في الوقت نفسه.
وكان لي زميل دراسة قد أعجب بي، وقد رفضت أي نوع من العلاقة معه شرعية أو غيرها؛ لأنه لم يعجبني كزوج، بعد وفاة الوالد عرض الشاب عليّ أن يساعدني؛ لأحصل على وظيفة؛ لأعيل أهلي؛ فوظيفتي وقتها لم تكن تسمح لي بإعالتهم، وقبلت، ثم عرض عليّ الزواج وقبلت، واشتغلت وعدت للدراسة، ولم نرتبط بل بقينا نرى بعضنا بالجامعة على أساس أنه يحبني وسوف نتزوج (مدة سنة وشهرين).
ولا أعلم ماذا حدث لي، لم أكن أتوقف لأفكر، بل أصبحت مفعولا به دون أي مقاومة كما يقال بالعامية (تعالي.. تعالي اذهبي.. اذهبي)، وارتكبت أخطاء كثيرة، بينما كانت عائلتي خلال هذه الفترة تعاني من كل أنواع المشاكل الداخلية، وكانت أمي تفضل أختي علينا جميعًا وتتسلط على كل شيء بالبيت وتجعله لها: المسجل، والخروج، والراحة النفسية، والتفهم، وأصبح لكل منا عالمه، وهما – أمي وأختي - لهما عالمهما.
ولكن بعد وقت جاء أخي بعدما تخرج وساعدته ليعمل وقد تحمل المسؤولية كاملة عني، ثم بدأت أنسحب من حياة ذلك الشاب، وبدأ يهددني بالفضائح والمشاكل، ولكن لم أتراجع فقد كنت أحس معه كالمنومة مغناطيسياً، ولم يكن حباً له بل طاعة دون وعي، وهو لم يكن شابا صالحا أبداً.
وقد تقدم لي شاب آخر بدا لي أنه متدين ومتعلم؛ فهو يصلي ويخاف الله ويريدني أن أرتدي الجلباب، فقد كنت محجبة، ولكني كنت أرتدي ملابس الموضة الأوروبية، المهم وافق أهلي وارتبطنا وكتبنا الكتاب ثم بدأت المشاكل من كل مكان.. أمي بدأت بافتعال مشاكل بيني وبينه، وبدأت بإخباره قصصا عني، مثل: لا أعمل شيئا بالبيت، لا أعرف أين القبلة (أي لا أصلي).. وغير ذلك مع أنه ليس صحيحا.
وتدخل الشاب وأخبره بكل شيء وأضاف عليه الكثير أيضاً؛ فساءت علاقتي به جداً وفقدت احترامه، واتضح لي أنه ليس ذلك المتدين، فله علاقات نسائية وغير ذلك، ولكني استمررت معه فقد كنت خائفة من الانفصال عنه، وكلما فكرت في ذلك أحسست كأنه سوف يلقي بي في الشارع مع أننا لم ندخل بعد.
المهم هو أنه قد قرر التغاضي عن قصتي مع هذا الشاب (وبعد الزواج تأكد أني عذراء، وأن الشاب كاذب بعض الشيء)، وأمي وأختي أعلنتا الحرب علي، وبعد كل المشاكل السابقة انعزلت ولم أحارب أحدا، ومرت أربع سنوات على زواجي على الوتيرة نفسها: إهانة، وإهمال، وخيانة من طرفه، وإحباط من طرفي، كما أنه لا يستطيع إنجاب الأطفال.
الآن المشكلة تكمن في أختي ذات الـ 21 ربيعا،ً فكل المشاكل الأسرية على رأسها، وأمي تعامل جميع من بالبيت بعدائية وشراسة، ولكن وضعها مختلف فهي في سن زواج، وتعمل لتعيل نفسها ودراستها، منذ سنتين تقريباً واجهت مشكلة مع أخينا الكبير، ولم تتكتم عليه بل أخبرتني أنا وأمي، ولم تقف أمي بجانبها، بينما واجهته أنا بكل شيء؛ ليتوقف. والآن علاقتهما سيئة جداً ولا يسمح لها بشيء غير العمل.
وأما أمي فتدفع أي عريس يأتي للبيت باتجاه أختنا المفضلة لديها (24 عاماً)، وأي عريس يأتي الآن لأختي الصغيرة يعامل معاملة سيئة بعض الشيء، وفيها الكثير من قلة الاحترام، ولكنها قد خطبت.
أرجوكم إنني مشلولة تماماً،ماذا أفعل؟ الجميع بالعائلة يتهم الآخرين بالتآمر والغيرة، المواجهة والنقاش لم يقودا إلى شيء؛ فكل منهم مقتنع تماماً، ولا أجد أي حل جذري للمشاكل.
أريد أن أفعل شيئًا لحل مشكلة أختي الصغيرة بأي طريقة قبل أن تتهور بسبب الضغط العام عليها.
21/5/2025
رد المستشار
الأخت الكريمة، قلنا قبل ذلك: إن هذه الصفحة هي إثبات متجدد على أن في الحياة قصصًا أغرب من أخصب خيال مبدع، وقصتك من هذا النوع المتشابك الذي يحار المرء فعلا من أين يمسك الطرف الأول فيها، وكيف يعثر على مفتاحها!!
دعينا نبدأ بالتفسير؛ فأنت رغم نزولك للحياة العملية مبكرًا، واعتمادك على نفسك في تدبير أمورك، بل والمشاركة في إعالة أسرتك إلا أنك دائمًا خائفة من الضياع أو المجهول، وتعتقدين أن الحل هو أن تكوني في كنف رجل يدير هو حركتك، ويتحمل مسؤوليتك، وربما أخطاءك.
وهي حالة لافتة: أن يترك الإنسان مسؤولية الاختيار التي هي مناط التكليف، وأهم مؤهلاته ككيان بشري لغيره، وبعد ذلك تتلخص مهمته في مدح المسؤول الجديد، أو ذمه، حمده أو لعنه، حبه أو كراهيته.
وهذه حالة قد تقع فيها شعوب بأكملها تخاف من أن تدير شئونها بنفسها، أو أن تثور على من يظلمها أو يمتص دماءها، والمبرر الضمني هو خوف الضياع أو الفوضى أو الشارع كما في حالتك، وفي الحقيقة فإن ما يعيشه صاحب هذه الحالة المستقيلة من المسؤولية هو الضياع بعينه.
ولكن تبقى فيك فضيلة لا يمكن إنكارها، بل وينبغي البناء عليها، وهي أنك حين تصلين إلى قرب القاع تشعرين بلسعة اللهب، وسوء المنقلب فتبدئين في الحركة السريعة للخروج من الموقف السالب، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولعلك لو بدأت بهذا السمت كنت الآن في غير هذا الوضع الذي أنت فيه.
واليوم تحاولين إنقاذ ما يمكن إنقاذه ـ مرة جديدة ـ في شخص أختك الصغيرة، وهي هنا ترمز للكثير في مسيرة حياتك، وتريدين أنت القتال من أجلك وأجلها، فمعركتها ومعركتك وجهان لعملة واحدة، وطالما هي كذلك فتعلمي أن الإنسان لا يستطيع القتال على كل الجبهات في وقت واحد، وكذلك الجيوش مهما بلغت قوتها واستعداداتها.
وإذا كنت تريدين النصر في جبهة أختك، فلا مفر من تهدئة الأجواء على جبهة زوجك؛ لأننا سنحتاج هذه الجبهة كما سأشرح لك فورًا.
إبعاد أختك عن بيت الأسرة لأطول فترة ممكنة هدف في حد ذاته، وطبقًا لظروفك وظروفها، وأماكن السكن والعمل... إلخ ، وينبغي أن تكون أختك عندك معظم اليوم، أو لأيام في الأسبوع، أو عطلة نهاية الأسبوع، ووجودها سيخفف عنك وحدتك، ويؤنس وحشتك، ويساعدك على تهدئة أعصابها المتوترة، ودعم تماسكها وصبرها، على أحوال العائلة،
وغياب زوجك عن البيت في هذه الحالة سيكون شيئًا جيدًا لتكون على راحتها، ولكن وجوده هام عندما يأتي خطيبها لزيارتكم، وينبغي أن تكون معظم زياراته لها عندكم، واتفاقاتهما تحت رعايتك أنت، وزوجك عند الحاجة إليه، وهذا الانتقال الجزئي يمكن أن يتطور إلى انتقال كلي بحسب الظروف والأحوال، شريطة ألا يثير العائلة إلى الدرجة التي تفشل مشروع الزيجة.
وأرجو بالمناسبة أن يكون اختياركم لخطيب أختك هذه سليمًا ومتوازنًا ـ هذه المرة ـ بعيدًا عن قلة الخبرة والخوف من الشارع، لأن الوحدة خير من جليس السوء، والعزوبية، بل والعنوسة أحيانًا ـ رغم أنني أكره هذا التعبير ـ أفضل من زوج خائن، وزوجة محبطة مضطرة للتعايش مع هذا الوضع المختل.
إذن لا ينبغي أن يكون انتقال أختك أو مرافقتها لك بابًا لوصاية جديدة عليها تمارسينها أنت، أو بابًا لإثارة المزيد من النزاعات مع العائلة، ولكنه إجراء وقائي محدود ـ يهدف لتحجيمك مساحة الاحتكاك بين خطيبها، وبيتكم المليء بالمشكلات.
أعتقد أنك قادرة على إدارة هذه المسألة حتى تدخل أختك، وتغلق عليها باب بيتها مع زوجها بإذن الله، وبعدها عودي إلينا ليكون لنا معك كلام آخر: عنك، وعن حياتك ودعواتنا لك بالتوفيق والسداد، وتابعينا بالأخبار.