أواجه نوعين من المشاكل يؤجلان قرار الزواج والإنجاب، هما:
1. مشاكل يمكنني تربية أبنائي على مواجهتها بعد استكمالي للشروط المؤهلة لذلك:
أ- السلبيات الموجودة في المجتمع مثل: الفساد، انهيار الأخلاق، أصدقاء السوء.
ب- وسائل الإعلام المليئة بالفن الهابط.
ج- قصور أداء الأفراد والمؤسسات القائمين على التنشئة الدينية.
2. مشاكل ستقابل الأبناء وليس لتربيتهم تأثير في مواجهتها:
أ- قصور أداء المؤسسات القائمة على التعليم وعلى تدريب الأفراد وتنمية مواهبهم ليكونوا نافعين لمجتمعهم.
ب- التكدس السكاني وما ينشأ عنه من مشاكل مثل تحشر النساء والرجال في المواصلات.
الأسئلة:
1. ما الشروط التي يجب توافرها في الشاب والفتاة ليكونا مؤهلين للزواج وتربية الأبناء تربية إسلامية يستطيعون من خلالها مواجهة المشاكل من النوع الأول، وكيف يتحقق كل منهما عمليا من توفر هذه الشروط في الآخر؟
2. ما العمل لمواجهة المشاكل من النوع الثاني؟
وجزاكم الله خيرا.
23/5/2025
رد المستشار
الأخ الكريم:
بداية أعتذر لك عن تأخرنا في الرد عليك، فما تطرحه يعد قضية هامة ومحورية في حياة كل إنسان منا.
وأشكرك على اهتمامك بأمر تربية أولادك وحسن تنشئتهم ومحاولة تدارك ما تحتاجه من مهارات وقدرات قبل الإقدام على الزواج وقبل أن تفاجأ أنت وزوجتك بأنكما أصبحتما والدين ولكنكما لا تحسنان ولا تجيدان فن التعامل مع هذه النعمة التي أنعم الله بها عليكما، وقليل من يفعلون مثلك ومن يهمهم هذا الأمر قبل الزواج وفي معظم الأحيان بعده أيضا، وجل همهم ينصب قبل الزواج على البحث عن مصدر إشباع لضغط الشهوة المتقدة، وبعد الزواج والإنجاب ينشغل الوالدان فقط بتلبية الاحتياجات المادية للصغار، فيوفران الرعاية، والرعاية فقط، لأبنائهم ولا يشغلهم ولا يخطر على بالهم هم التربية، ينشغلون بطعام الصغار وملابسهم وتحصيل أعلى الدرجات في ظل نظام تعليمي قاصر، ويبذلون في سبيل هذه الغاية الغالي والنفيس، ولا مانع من سلوك أي سبيل لتحقيق غايتهم التي تتمثل في أن يصل الأبناء للجامعة وبالذات لكليات القمة (فعندهم وفي عرفهم الغاية تبرر الوسيلة، حتى لو كانت هذه الوسيلة.. غشا.. تزويرا.. واسطة... محسوبية)، يصرخون في وجوه الصغار ليل نهار، يكبلونهم بالأوامر والنواهي التي لا تنتهي، يضربون.. يعاقبون.. ينهرون.. يقتلون أي محاولة للإبداع بحجة أنها تضييع وقت وأنها إفساد للأشياء.. يصرون على فرض سيطرتهم على الأبناء..
يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من حياة الأبناء.. بدءا من اختيار الملابس والأصدقاء وقصة الشعر ومجال الدراسة والعمل وشريك الحياة.. ولا يدركون أنهم بهذا يدمرون شخصيتهم ويخلقون مسخا مشوها لا يستطيع أن يعتمد على ذاته ولا أن يتخذ قرارا في حياته، ولا يدركون أنهم بسيطرتهم هذه يضاعفون كل يوم من مساحة وعمق الهوة الحادثة بينهم وبين فلذات أكبادهم، وعلى النقيض من هؤلاء نرى آخرون يدللون الأبناء.. فكل طلباتهم مجابة.. المدرسون يضعون لهم العلم في كبسولات، وسلطة ونفوذ "بابا" كفيلة بضمان كل شيء وأي شيء للمحروس الصغير....
وصنف آخر لاه ومشغول عن صغاره، جل همه منصب على جمع المال وإشباع الرغبات الشخصية، ومع هؤلاء وبينهم تضيع قيمة التربية، فمن منا يعي أن التربية تشمل استكشاف المهارات وتنميتها عبر وسائل متعددة، ومن منا يدرك أن التربية تعنى بالتعرف على العيوب الشخصية ووضح مناهج لتقويمها، ومن منا يدرك سمات وخصائص كل مرحلة سنية ليتعامل معها التعامل الأمثل، ومن منا يحرص على تنمية شخصية الأبناء ودعم اعتمادهم على أنفسهم، وكذلك دعم وتطوير الحوار مع الأبناء كوسيلة هامة وضرورية لإزالة الفجوة الناشئة بين الآباء والأبناء، ومن منا يدرك قيمة وأهمية أن يربي أبناءه بالنظرة وأن يربي بالتشجيع والتقدير بدلا من اللوم والتقريع والاستخفاف، ومن منا يدرك قيمة وعمق الحكمة القائلة: "لاعبه سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا ثم اترك له الحبل على الغارب" ويطبقها؟؟؟
من الواضح يا أخي الكريم أن عملية التربية عملية ديناميكية تبدأ منذ أن يصير الطفل نطفة في بطن أمه، وحتى يصل به الوالدان لبر الأمان إنسانا سوي العقل والجسد والنفس، ليسلموه للمجتمع لبنة صالحة قوية ومنتجة، يسلمونه للمجتمع إنسانا مسؤولا بكل ما تعنيه كلمة المسؤولية من معان وتجليات على المستويين الفردي والجماعي، فمن منا يعي هذا ويدركه؟ ومن منا يتعلم -بعد مرحلة الإدراك- كيفية بلوغ هذه الغاية السامية؟ ومن منا يعمل بمقتضيات هذا الإدراك تخطيطا وتنفيذا مستخدما أنسب الوسائل للوصول إلى الغاية المرجوة؟
نظرة سريعة لنظم تنشئة أطفالنا تجعلنا ندرك بوضوح أننا نسير بعشوائية وأننا نتبع نظام اللانظام ونترك المركب لتتقاذفها الأمواج ثم تقذفها إلى أي شاطئ، فهل هذا ما أراده الله منا وهو يضع بين أيدينا أثمن عطية ونعمة؟!
هذا هو حالنا، فهل نستسلم ونكتفي بالبكاء على اللبن المسكوب؟ أم الأولى بنا أن ندرك أن علينا دورا نحو أبنائنا ونحو أبناء مجتمعاتنا، وأننا لو لم نضطلع بهذا العبء ونقوم بهذا الدور فسيحاسبنا الله جميعا على تقاعسنا وسلبيتنا. وفي هذا الصدد أحكي لك قصة صديقة صفحتنا التي أرسلت لنا تحكي عن مشروعها الصغير لتدريب الأمهات على كيفية تربية أولادهن، وذلك من خلال القراءة للتعرف على السياسات التربوية الخاطئة، وكذلك التعرف على المشاكل اللاتي يواجهنها مع أولادهن وطرق التعامل معها، ويتم تقويم سلوك كل أم من خلال التدريبات الأسبوعية التي يتفقن عليها في نهاية كل محاضرة. ولقد خطر ببالي وأن أتابع كلماتها أن أدعوها هي وكل المهتمين والمهمومين -وأنت منهم- بأمر تربية الأبناء لإنشاء مجموعة إلكترونية تضم هؤلاء جميعا ويكون هدفها تبادل الخبرات والمساعدة على التعرف على كل جديد في هذا المجال.
أخي الكريم:
إن عملية التربية -كما قلت لك- عملية مستمرة وكذلك عملية اكتساب الخبرات التربوية للوالدين والمربين تعد أيضا عملية مستمرة، لكن قد تكون هناك نقاط حاكمة تعليقا على تساؤلاتك، ومن هذه النقاط ما يلي:
• عملية التربية مسؤولية مشتركة بين الأب والأم، فلا بد أن يعود "راعي البستان إلى أزهاره"، وأن يخطط مع الأم ويضع السياسات الحاكمة لهذه العملية التربوية؛ بحيث يكون هناك دوما سياسة واضحة للتعامل مع الأبناء.
• الحب والحنان والتعبير عنهما بالوسائل المختلفة والجو الأسري المستقر.. كل هذه العوامل تعد لازمة وضرورية لنمو نفسي سوي.
• مواجهة الفساد المستشري في جنبات مجتمعاتنا لا تكون بتربية الأبناء داخل محضن معقم يعزلهم تماما عن هذا الفساد، والأولى أن يتعرفوا على أنماط الفساد، وتدور حول هذه المعاني مناقشات وحوارات مستمرة مع الوالدين.
• من المهم أن يتربى الأولاد منذ نعومة أظفارهم على معاني حب الله سبحانه وتعالى وحب طاعته، وأن ينمى في داخلهم دوما وبالوسائل العملية الإحساس بمراقبة الله عز وجل، بحيث يكون التزامهم الديني والأخلاقي نابعا من شعورهم بمعية الله سبحانه وتعالى، ولا يكون نوعا من النفاق الاجتماعي ومحاولة إرضاء البشر؛ لأن الله يريد منا جميعا قلوبا راغبة في السجود والخشوع بين يديه والامتثال لأوامره ونواهيه، ولا يريد منا جباها وأجسادا تهوي على الأرض امتثالا لأوامر البشر أو خوفا من تهديدهم؛ وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
وأذكر لك هنا قصتين:
إحداهما لأحد التابعين كان يعلم ابن أخيه منذ أن استطاع النطق أن يردد دوما: "الله ناظر إلي، الله شاهد علي، الله مطلع علي.." وعندما أدرك الطفل معاني هذه الكلمات واستشعرها بقلبه أدرك أنه لا يستطيع أن يعصي الله في ظل معيته.
والأخرى لأحد المعلمين الذي أعطى لكل تلميذ من تلاميذه ثمرة من ثمار الفاكهة وطلب منهم أن يأكلوها في مكان لا يراهم فيه أحد، جرى الأطفال واختفوا وأكل كل واحد منهم ثمرته إلا واحدا منهم، وعلل ذلك بأنه لم يجد مكانا يستطيع فيه أن يتوارى عن أنظار المولى عز وجل.
• الحوار مع الأبناء، والتوازن بين التدليل والحزم، والتركيز على الثواب والتشجيع بديلا عن اللوم والتقريع، وتعويد الأبناء على تحمل مسؤولياتهم، وتعويدهم على اتخاذ القرارات وتحمل مسؤولية هذه القرارات، وكذلك تعويدهم على المشاركة في مسؤوليات الأسرة والتشاور حول شئونها كل حسب سنه وقدراته، كل هذه الوسائل تعد لازمة وضرورية من أجل تنشئة صحية للأبناء.
• لا تحاول عزل الأبناء عن الفن الهابط بقرارات تعسفية لأن "الممنوع مرغوب"، ولكن احرص على أن يكون هذا نابعا من قناعتهم هم، واحرص على أن تقدم لهم البديل الجاد والهادف.
• بالنسبة لمشكلة التعليم في بلادنا، فيمكن تجاوزها بأمرين:
أولهما:
محاولة التقليل من الآثار الهدامة للنظام التعليمي عندنا، بدءا من اختيار المدرسة، ومشاركتك أنت في السياسة التعليمية داخل المدرسة من خلال مجلس الآباء؛ ما يسمح لك بأن تدعو وتدعم الأنشطة اللاصفية التي تنمي مهارات الأحباء الصغار، وكذلك من النهم أن تكف عن السعي المحموم لتحصيل الدرجات، وأن تعود أطفالك منذ البداية على أن يعملوا عقلهم وفكرهم فيما يذاكرونه، وأن يسألوا دوما ويستفسروا منك أو من مدرسيهم، ورغم أن هذه الطريقة قد تستهلك الكثير من الوقت فإنها تنمي مهارات التفكير عند الأبناء.
وثاني الوسائل:
أن تستفيد من معطيات العصر الحديث وذلك بالاستفادة مما يعرف بالتعليم الإلكتروني، والبحث دوما عن دورات مخفضة أو مجانية لإكساب المهارات المختلفة للأبناء، ويمكنك الاطلاع على المزيد حول هذه النقطة في: "نشر فيرس التعلم.. فن الممكن!.. مشاركة"، وكذلك: "بدايات فردية للانتصارات الجماعية".
• أما بالنسبة لمسألة اختيار الزوجة فلا بد أن تكون أيضا مهتمة بقضية تربية الأبناء وأن يكون عندها سعة أفق بحيث تقبل على التعلم والبحث كل يوم عن الجديد الذي يساعدها في تربية الأحباء الصغار.
• ومع الأخذ بكل هذه الأسباب والوسائل لا تنس أنت وزوجتك أن تستعينا بالله سبحانه فهو نعم المعين ونعم الحافظ ومنه سبحانه التدبير، ودعواتنا أن يعينك الله سبحانه وأن يوفقك وأن يقر عينيك بصغارك.