السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله عني وعن الشباب المسلم كل خير. كتبت لكم قبل أكثر من عامين عن مشكلتي وكان عنوانها (قلق الغربة: عجز الخطاب أم قيد الحجاب؟) وأعتذر لكم عن عدم عودتي للكتابة لكم وشكركم على جوابكم الذي أثلج صدري وأذهب الهم عني وأنا والحمد لله ما زلت محجبة وأعمل في مدرسة ابتدائية عامة، وأنا والحمد لله سعيدة بعملي ويحترمني الجميع في عملي، وأسعد كثيرا عندما يسألني الأطفال عن حجابي ولله الحمد والمنة.
مشكلتي التي أريد أن أفضفض صدري عنها وأستشيركم فيها هي ليست بجديدة، ولكنها بدأت مع بداية حياتي الزوجية، ولكن لم أكن أشعر بحرقتها كما هو الحال الآن بعد أن مرت ثلاث سنوات على زواجنا لأنني كنت أظن أنها ستحل مع الأيام ولكنها تفاقمت ولم تحل. فمنذ أن وصلت إلى منزل زوجي بعد عشرة أيام من زواجنا قضيناهم في بلدنا منذ وصولي شعرت بأني دخيلة على حياته ليس بالمعنى العاطفي ولكن بالمعنى الجسدي والمكاني؛ إذ إني اكتشفت أنه يريد غطاء خاصا له في السرير ورغم أنكم ربما تهزءون مني الآن إلا أن هذا والله ضايقني كثيرا لأني أشعر أنني بت أنام وحدي, أيضا اضطررت أن أبقي أغراضي في شنط السفر لفترة؛ لأنه لم يوافق أن أغير ترتيب خزانته لأضع أغراضي مع أغراضه بحجة أنه متعود على ترتيب خزانته بصورة معينة، وأنه سيشتري لي واحدة جديدة، هناك الكثير من دقائق الحياة اليومية التي يطول ذكرها الآن جعلتني أشعر بأنني اقتحمت حياته رغم أنني لا أنكر حبه لي وكرمه الشديد معي إذ إنه لا يمنعني من شراء أي شيء شخصي أرغب فيه مهما كان تمنه، ولكن لا أستطيع شراء أي شيء للمنزل إلا إذا وافق عليه، وإن اشتريت شيئا لا يعجبه فإنه يظل يخبرني كم يكره منظره مهما أثنى عليه الناس,
والله بعد أكثر من ثلاث سنوات زواج مازلت أشعر أني أعيش في بيته لا في بيتنا رغم أننا انتقلنا إلى مدينة ومنزل جديدين، أما الآن فإنه ومنذ ثمانية أشهر ينام كل منا في غرفة منفصلة بحجة أن سريرنا ليس كبيرا كفاية، وأنه يعاني من أوجاع بالظهر, في البداية كنت أبكي بشدة لأني في سريري وحدي وكنت أحاول كل ليلة أن ننام معا ولكن كان يعتذر ويقبلني ويتركني لينام في غرفة لوحده، واليوم بصراحة تعودت على الوضع كثيرا، ولم أعد أبالي بالموضوع وأشعر أني مازلت أحبه، ولكن بصراحة مشاعري بردت تجاهه، ولم نعد نقوم بالمعاشرة الزوجية إلا ثلاث أو أربع مرات شهريا، وخلال مدة فترة الإباضة فقط أي بنية الإنجاب وإن كنا ندعي أن المشاغل وعمله الطويل في المشفى هو الذي يمنعه من معاشرتي، وكالمشكلة التي سبقت كنت أتحرق من الموضوع
أما اليوم فلم أعد أهتم إلا بموضوع الإنجاب وإن كنت أحيانا أتحرق للنوم معه ومارسة ما يمارسه الأزواج إلا أنه يعتذر بأنه مشغول أو تعبان أو أنه يجب أن يستيقظ مبكرا, وقد أفلح أحيانا في استثارته إن كان لديه وقت لي، فالموضوع ليس من أولوياته إلا عندما تعصف به الحاجة الجنسية، وقد رأيته مرارا يتابع الصفحات الجنسية الخليعة على الإنترنت، أنا لا أبالي هذا ما أشعر به الآن وأنا أكتب لكم، ولقد تحدثت معه عن كل تلك المواضيع مرارا وتكرارا، وأني وصلت إلى حالة اللامبالاة التي أعلم أنها خطأ، ولكن ليس بمقدوري أن أحرق نفسي بمشاكل يعتبرها هو مشاكل سخيفة رغم كل الدموع التي أذرفها بسببها, الحمد لله على كل حال.
أما مشكلتي التي لا أستطيع أن أغض الطرف عنها أو أن أتناساها فهي أنني لم أنجب بعد، رغم أنها مشكلة تؤرقني، إلا أنه ما يحرقني هو عدم اهتمام زوجي بها واعتبارها مشكلة سوف تحل لوحدها، وأني سخيفة لأني مشغولة بها، مدعيا أني أريد طفلا ككل النساء خوفا من أن يتركها زوجها إن لم تنجب، ويقول لي من كل قلبه إنه يحبني، ولن يستغنى عني وإن لم أنجب ولكن مهما أقسمت له أني لا أفكر بالإنجاب لهذا السبب وأني محتاجة لطفل أشعر بالأمان والسعادة وأن أضمه إلى صدري فإنه لن يصدقني رغم أن عمري 27 عاما وعمره اثنان وأربعون عاما ولم نعد صغارا .
فمنذ أول يوم للزواج بدأت بأخذ حبوب منع الحمل لأنني كنت قد أخذت لقاحات قبل السفر، وقال لي الطبيب: إنها سوف تؤثر على الجنين إن حدث حمل بعد 3 أشهر من أخذها، إلا أن زوجي وهو طبيب طلب مني أن أستمر بأخذها لمدة 9 أشهر بعد الزواج، وكنت كلما طلبت منه أن أتوقف عنها كان يقول افعلي ما شئت، ولكن إن حدث حمل فلن أكون مسؤولا عن شيء وعلي أن أعتني بنفسي وبالجنين لوحدي, ورغم أنني كنت أعلم أن هذا مجرد كلام وليس حقيقة فإنني كنت أسكت وأستمر بالحبوب إلى أن اقتنع يوما وبعد تسعة أشهر بالتوقف عن الحبوب وبعد فترة حدث لي نزيف، أخبرني زوجي باعتباره طبيبا بأنه إجهاض وبعد فترة عملت بعض الفحوصات البسيطة لإثبات عدم وجود التهابات مهبلية وبأن الأقنية مفتوحة، والمهم كانت الفحوصات سليمة وقام هو بعمل فحص لتعداد الحيوانات المنوية وأخبرني هو أن النتائج ممتازة.
مضى على هذا الموضوع عامان وكل يوم أحترق وأتألم وأترجاه أن نذهب إلى طبيب إخصائي ولكن لا جدوى، وهو مصر أنه لن يدخل عيادة الطبيب قبل نهاية هذا العام، وإن كان قد وعدني من قبل بموعد نبدأ فيه الفحوصات وأخلف وعده, وإن أردت الذهاب فعلي أن أفعل كل شيء لوحدي ولا علاقة له بالموضوع وأنا أعيش في بلد الغربة وحيدة لا أستطيع أن أشكو همي لأهلي ولا لأهله ولا للأصدقاء فلقد أقنعت الجميع أننا قمنا بجميع الفحوصات والتحاليل وكل شيء سليم والأمر بيد الله وأنا متوكلة على الله، ولكن أومن بأنه علينا بذل الجهد وعدم التواكل على فكرة إعطائي أدوية كلوميد وإبر هرمونات، وإن كنت لا أعلم إن كان هذا صحيحا أم لا، وهو يعلم أنني أثق به ولكنني أريد منه أن يهتم بي وأن يشعر بألمي وإن كان هو لا يتألم. واعذروني على الإطالة، ولكن عذري أنني أقول لكم ما أتمنى قوله لأمي، ولكن لا أستطيع كي لا تتألم لأجلي.
وأخيرا أعتذر من زوجي وحبيبي لأني أفضيت عن بعض أسرار حياتي، ولكن والله طمعا بالنصيحة فالمؤمنون قوم يتناصحون,
جزاكم الله عني كل خير والسلام عليكم ورحمة الله.
25/6/2025
رد المستشار
أختي "الكريمة"، أخشى أن يتسرب إليك تفكير بأننا أهملنا رسالتك، ولكن غالبًا ما تصيبنا حالة من البطء في مواجهة مشكلات بعينها؛ لأننا نخشى أن نتسرع بالإجابة عليها فلا تكون الإجابة أكثر من مجرد كلام!
ليس هذا بالطبع تبريرًا للتأخير الذي نعتذر عنه، بل إنه من أشكال اعتذارنا، ولأن مشكلتك هامة جدًا، فإنك ستجدين هنا ثلاث إجابات لعلها تتكامل في إضاءة جوانبها أمامك، وثقتك فينا تغرينا بالمصارحة والمكاشفة التامة، ودعيني أكن الأكثر وضوحًا، ولو كان في ذلك بعض القسوة، لكنها قسوة الأخ المحب لك.. إذا قبلت أن أكون كذلك!
1- أنت يا أختي الكريمة مثال للفتاة العربية العادية التي هي خليط من عاطفة جياشة، وقلب بريء نقي، ورغبة صادقة في الحياة الأسرية الدافئة الناجحة، والتزام بالدين يعصم من الانحراف، ولكن هذا كله لم يعد كافيًا في عالم اليوم، وهو ليس كافيًا بوضوح أكبر في حالتك أنت الخاصة.
المرة السابقة مثلاً ظننت أنت أن المشكلة في الحجاب، وأن السؤال هو في خلعه أم الإبقاء عليه، وما كانت إجابتنا عليك -بالنسبة لإدراكك- إلا تأكيدًا وشرحًا أعانك على الإجابة في هذه الجزئية، ولكنك غفلت منذ البداية وحتى الآن عن الجذور الحقيقية للمتاعب التي تعانين منها، وأخشى أن تأخذي إجابتنا الحالية على أنها مجرد وصفة تعينك على ما تظنينه مشكلتك هذه المرة، ألا وهي الإنجاب، وما ترينه من فتور زوجك تجاهك.
2- الجذر الأهم وراء متاعبك هو هذه المسافة أو لنقل الفجوة بينك وبين زوجك، فجوة ثقافية وعمرية ونفسية بحيث تعيشين أنت في واد وهو في واد، وأرجو ألا تفهمي من كلامي أن أحدكما أفضل من الآخر، أو أن هناك ظالما ومظلوما، ولكن لديكما عيوب قاتلة، ولكن مختلفة، وأكثرها خطورة: عدم القدرة على فهم متطلبات وأغراض ونفسية الطرف الآخر في العلاقة، وهذا يبدو شائعًا في حياتنا، والطرف الأكثر حساسية هو الذي يدفع الثمن، رغم أن كليكما مخطئ.
3- المسألة إذن ليست خزانة ملابس، أو جنس بارد متباعد، ولكن في هذا الجدار الأصم العازل بينك وبين زوجك:
هو طبيب جراح إلى الذهنية والتركيبة الغربية أقرب فهو بارد الأعصاب، لا يكترث كثيرًا بالمشاعر، كل شيء عنده بنظام صارم لا مكان فيه للفوضى، والحب الحقيقي يتضمن نوعًا من الخروج على النظام الصارم، ويقبل بمساحات الطوارئ المؤقتة، وأحيانًا الممتدة من الفوضى.. الحب حالة غير معتادة يخرج فيه الإنسان عن إيقاع حياته الرتيب، وخططه المسبقة، وزوجك -كما تصفين، فأنا لا أعرفه- يبدو متسقًا مع تركيبته وتكوينه وعمره وطبقته الاجتماعية. والمثير للدهشة أن أمثاله حين يخرجون عن هذا النظام الصارم يمكن أن يتورطوا في كوارث من قبيل إتاحة علاقات غريبة جدًا مع أشخاص من نفس الجنس، أو نساء من نوعية أدنى بكثير، وكأن عدم القبول ببعض الخروج عن "النظام" يؤدي بعد حين إلى العصف بالنموذج كله من الأساس.. وهذه حالة تحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقام هنا.
وأرجو أيضًا ألا تفهمي من كلامي أنني أتهم زوجك بشيء من ذلك، فليس لدي أدنى دليل أو شبهة ضده، ومرة أخرى أنا لا أعرفه، وليس هناك غير كلماتك عنه، ولكنني أكشف أمامك بعض أبعاد الواقع لتعرفيه بصورة أوضح.
4- أنت أيضًا لم تتغيري كثيرًا باتجاه إيجابي، والإيجابية هنا معناها تطوير قدراتك وخبراتك، فما زلت أقرب ما تكونين إلى الحالة التي جئت بها من بلدك، وهي مثل ملايين النساء العربيات الفضليات من الزوجات اللائي يحاولن التغيير في أنفسهن أو أزواجهن بأساليب بدائية ثم سرعان ما يدب اليأس والاستسلام لردود الأفعال فيصبح المشهد أقرب ما يكون إلي: أنت يا زوجي لا تكترث، وأنا سأكتم ألمي بناء على ذلك، أنت يا زوجي لا تفهمني، ولا أريد أن أستمر بالشكوى فتتضايق، ولا أحصل على نتيجة، ويعلو الجدار أكثر وأكثر، وقد تذهب الزوجة تبحث عن بديل!
وأقول في عجالة: إذا لم يستقر في نفس كل فتاة أو امرأة عربية أنها فاعل أساسي مؤهل فطريًا، وقادر بالتدريب على أن يكون الطرف المشارك، وأحيانًا الطرف الأهم في تحريك العلاقة العاطفية، وإصلاح الممارسة الجنسية، وإدارة شئون الأسرة التفصيلية.. إذا لم يستقر هذا في ضمير كل فتاة، وتدعمه برامج التعليم والتربية -بعد أن تتغير طبعًا؛ لأن البرامج الحالية متخلفة وقاصرة تعين على تنشئة الفتاة/ العبء- وإذا لم ننتبه جميعًا إلى أن مستقبلنا الأفضل -إن كان لنا مستقبل- مرتبط مصيريًا بتربية وتكوين مختلف للأجيال الجديدة، وإصلاح الأجيال الحالية، وبخاصة أحوال النساء.. إذا بقينا على هذا الانحطاط في شئون المرأة تارة باسم الدين، وتارة باسم التقاليد، وتارة ثالثة كرد فعل على ما في العالم من تحديات ومفاسد… إذا بقينا نعتقد أن حجب الفتاة عن المشاركة، والنزول للاحتكاك بشئون الحياة جميعًا كما أمر الشرع، وفي سبيله، وتعبيرًا عن الالتزام به… إذا بقينا هكذا فلا مستقبل لنا.
إذا بقيت ملايين النساء عندنا بكل هذه الهشاشة، وقلة الحيلة، وغياب المبادرة فلا مستقبل لنا.
5- أعود لأقول لك: إن تغييرًا جذريًا ينبغي أن يبدأ فورًا في منطق تفكيرك، وخطة حياتك، وليس متصورًا أن يحدث في يوم وليلة بالطبع، فقط دعينا ندر بدايته:
* أين أنت من العالم حولك، وهل العمل في مدرسة ابتدائية وفرحك بالإجابة على الأسئلة عن الحجاب هو كل نشاطك الممكن؟!
لا أظن زوجك يمنعك -بحكم تركيبته- من أي نشاط تريدينه فماذا فعلت أنت لتنشطي؟!
ماذا فعلت لتفهمي المجتمع الذي تعيشين فيه، وهو الذي يصبغ حياة وثقافة زوجك؟!
ماذا فعلت لتصنعي من نفسك تلك الإنسانة الجديرة بحمل هذا الدين في واقع يتضمن فرصًا كبيرة للإسلام، وتحديات شديدة في مواجهته؟!
* ويا أختي، يا من تريدين إنجاب طفل مثل فطرة أية امرأة
طبيعية، هل تدركين تحديات تربية أطفال في بيئة مثل التي تعيشين فيها، ومع زوج مثل زوجك؟! والتحديات هنا معنوية وثقافية تأتي من الفجوة بينك وبين هذه الثقافة؟ وإذا كنت تدركين ذلك فماذا أعددت له؟!
* وإذا أدركت أن بعض الرجال الناجحين إنما يتزوجون من أجل استكمال الشكل والوجاهة الاجتماعية، وقد يكون زوجك منهم، وبالتالي يبدو الإنجاب بالنسبة لهم أمرًا ثانويًا أو غير مرغوب فيه، وربما يقبلون به على مضض، من أجل اعتبارات اجتماعية، أو نزولاً على رغبة الزوجة، فماذا فعلت لتكوني أكثر من مجرد استكمال شكل؟!
ماذا فعلت لتلعبي في حياة زوجك، وفي الحياة كلها أكبر من مجرد دور الزوجة الطيبة العاطفية الصالحة؟! وماذا أنت أكثر من ذلك؟!
* المرأة العربية لا بد أن تتغير ليس بهدف إرضاء الزوج، ولفت نظره، وكسب قلبه، والحصول على حبه واهتمامه، وإن كانت هذه كلها أهدافا مشروعة، ولكن المرأة العربية لا بد أن تتغير بداية من أجل نفسها، ودينها، ودورها وكيانها، وموقفها أمام ربها يوم العرض يسألها عن عمرها فيما أفنته، وشبابها فيما أبلته، وعن علمها ماذا عملت به، وعن مالها... إلخ مثلما يسأل الرجل تماما، وهي بهذه المسؤولية الفردية، وهذه الشخصية الإنسانية الحساسة والإيجابية، وليس بغيرها، يمكن أن تكون زوجة ناجحة، وأما صالحة.
6- إحدى إخوةي -وهي من بلدك- كتبت لي أنني والفريق نحمل في إجاباتنا على أن المرأة العربية مسؤولة عن تخلف أوضاعها، وانحطاط مستوى تقديرها لذاتها، ورعايتها لإنسانيتها، هذا رغمًا عن أن الجهات المسؤولة كثيرة، أولها التربية القاصرة، والزوج الذي لا يعين... إلى آخره.
وأقول: إن نقطة البدء التي لا مفر منها أن ترفض المرأة هذا الوضع، ويكون لديها الاستعداد لخطة بديلة تتكامل فيها أمومتها مع أنوثتها وإنسانيتها، وأن تكون مسؤولة عن هذا التركيب، ومستعدة لتحمل أعبائه، فإذا تكاملت لديها هذه الإمكانات أو بالأحرى الاستعدادات المبدئية اللازمة نصبح بصدد مشروع يحتاج إلى دعم، وندخل بعد ذلك في مفاوضات وعلاقات وإجراءات لدعمه.
أما وهي -أي المرأة العربية- تبدو متألمة لحالها -في أحسن الأحوال- غير مستعدة بخطة بديلة، وتسكن قابعة ومستسلمة لبرود الزوج، أو ضغط المجتمع.. أو غير ذلك من العقبات والمعوقات، فلن يوجد لدى أحد استعداد لسماع المزيد من الشكوى! "ما عدا نحن بالطبع".
ولك أقول: كوني على صلة بنا لنتفاهم معًا كيف يمكن أن تتغير وتتسع آفاقك كما كان متصورًا، على خلفية نشاطك قبل زواجك، وبدايات وعيك الذي يبدو أنه تاه في غمرة التباسات وضعك في الغربة بكل تراكيبه.
7- أخشى أن تفهمي أنت أو غيرك أنني أعفي الرجال من المسؤولية، أو أقول بأنهم أحسن حالاً في التعبير عن المشاعر، وصيانة نفوس شريكات حياتهم بالمعروف الذي أمر به الله سبحانه، ولا أعتقد أنني في كل مرة أحتاج إلى أن أقول: إنه إذا كانت حواء العربية عمياء لا ترى ما ينبغي أن تراه، أو هي ترى، ولكنها مستسلمة لما تربت عليه من عجز.. إذا كانت حواء هكذا فإن آدم العربي لا يبدو أحسن حالاً، فهو في نظرته للعالم ولنفسه ولزوجته يبدو متخبطًا، متناقضًا، بعيدًا، ينتحل الأعذار، ولا يتحمل المسؤوليات المشتركة، فما بالنا بالفردية الملقاة على عاتقه هو وحده.
لعلكم تقرءون قريبًا إجابتي على أخي الكريم صاحب رسالة:
استمع قولنا فاتبع أحسنه.. قصة نجاح
، وقد أرسل رسالة ثانية تأخرت في الرد عليها حتى يكون الرد شافيًا يليق بحبه لي، وثقته في شخصي الضعيف، وأتركك لتعليق أ. سمر عبده.. وتابعينا بأخبارك.
تقول الأستاذة سمر عبده كم سعدت لتواصلك معنا بعد هذه الفترة الطويلة، بل سعدت أكثر لأنك أخذتِ بنصيحتنا وبدأت في الاندماج مع المجتمع والعمل فيه، ولعل هذا أكد لك أن الحجاب ليس عائقًا للتواصل مع المجتمع الغربي، ولا أعلم لماذا لم تتجهي لإكمال دراستك التي بدأتها في وطنك الأصلي؟
وأسأل الله سبحانه أن يعيننا ويجعلنا أهلاً لثقتك وثقة الزائرين بنا، وأعتذر لك عن تأخرنا في الرد عليك طوال الفترة الماضية لظروف جزء كبير منها خارج عن إرادتنا.
حبيبتي، تحدثنا كثيرًا في صفحتنا عن زواج الثقافات، ناقشناه من زوايا مختلفة في مشكلات كثيرة، فأنت وزوجك نموذج لنوع من زواج الثقافات الذي تحدثنا عنه كثيرًا في صفحتنا، فزوجك قضى أكثر من خمسة عشر عامًا بعيدًا عن وطنه وذاب في المجتمع الغربي حتى صار جزءا منه، تشرّب عاداته وتقاليده المختلفة كالتفكير العملي العقلي الذي له الصدارة في التعامل مع شتى مواقف الحياة، والاستقلالية والخصوصية الشديدة حتى داخل الأسرة نفسها، على عكس ما تربيتِ أنت عليه في المجتمع الشرقي الذي نشأت فيه، المليء بعادات وتقاليد مختلفة بدءا من دفء المشاعر والترابط الأسري والتفكير العاطفي... إلخ.
لذا فإنه من الطبيعي جدًا عندما يتم الزواج بين ذوي ثقافتين مختلفتين حدوث خلافات ناتجة عن اختلاف الثقافة، فهذه هي مشكلتك الأساسية مع زوجك، وإن كان هناك عوامل أخرى زادت من أسباب الخلاف، منها فارق السن الكبير بينكما، فهو أكبر منك بخمسة عشر عاما، وكذلك ضيق وقته، وطبيعة عمله التي تجعل فترة احتكاكك معه صغيرة نسبيًا.
فمن الصعب، بل شبه المستحيل أن تطلبي من رجل تعدى الأربعين أن يغير عادات تأقلم معها من زمن طويل كالاستقلالية وتغليب العقل على العاطفة؛ فزوجك تعود على نمط معين في الحياة، وهو أن يكون له خصوصية حتى في غرفة النوم وخزانة الملابس… والكثير من الشئون الدقيقة في حياتكما، بل لا أبالغ إذا قلت: إن تصوره السابق عن حجابك ومشاهدته الحالية للمواقع الجنسية جزء من هذا النمط الذي تعود عليه وأصبح جزءا منه.
وليس معنى ما أسهبت في شرحه عن زوجك هو الاستسلام له، فأنت لست بين خيارين؛ إما اللامبالاة أو حرقك بلظى مشاكلك معه والاستمرار في دائرة من الحزن لا تنتهي، بل ما زال هناك طريق ثالث تلجئين إليه لتسير سفينتكما لبر الأمان، وهو أن تتكيفي معه، ولا أعني بالتكيف الاستسلام والقبول بالأمر الواقع بقدر ما أعني به إدراكه وإدراك صعوبة التغيير فيه، خصوصًا مع سن زوجك.
حبيبتي، ما يرضيك ويسعد زوجك هو حسن إدراك كل منكما للآخر، وأن يحاول كل منكما التفكير من وجهة نظر الآخر.. فعليك:
* بكل ما تحملينه لزوجك من محبة وتقدير محاولة الاندماج معه في كل شيء، فأشركيه في أفكارك وقراراتك قبل أن تقومي بها، وقبل أن تطلبي منه مشاركته في أمورك.
* شاركيه اهتماماته وحاولي الاندماج مع المعارف والأصدقاء الذين تكيف معهم واعتاد عليهم، ولكن طبعًا في إطار الشرع.
* تفهمي حبه للخصوصية في أشيائه، فهذه سمة منتشرة في الغرب عمومًا وهو تطبع بها، وليس معنى هذا أنه لا يحبك أو أنك دخيلة عليه، فقط هو تعود أسلوب حياة، وبعد الزواج وضع علاقتك به في إطار لا يغير له نمط حياته.
* أكثري من الدعاء له بالهداية وبزيادة التواصل معك، وحاولي تقوية وازعه الديني بأسلوب غير مباشر، واحرصا كل فترة على أن تذهبا معًا لأقرب مركز إسلامي والمشاركة في أنشطته معًا ليزداد ارتباطه وحبه للإسلام، وحتى يكوّن دائرة ما من العلاقات مع بعض المسلمين المغتربين، ويزيد من متانة علاقتكما.
أما بخصوص مشاهدته للمواقع الجنسية فلعلنا تحدثنا في هذا الأمر كثيرًا ويمكنك متابعته مع ما كتبنا سابقًا، ومنها:
بين المسرح والفراش : زوجان وجوقة عزف
* وأما عن رغبتك الشديدة في وجود طفل بينكما؛ فهذا أمر طبيعي، وطلبه منك الصبر والانتظار لمدة عام آخر هو جزء من طبيعته التي تحدثنا عنها سابقًا، وأقول لك: عسى أن تكرهي شيئًا وهو خير لك، فلعل تأخر إنجابك إلى الآن رحمة بك؛ فتربية الأبناء في الغربة بدون وجود رؤية واحدة وأسلوب واحد لتفكير الوالدين وإدراك جيد منهما لطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه ويتربى فيه ولدهم، قد ينتج عنه الكثير من المشاكل، أقلها تهميش الابن لدور الوالدين أو أحدهما، خصوصًا الذي يفكر بشكل يبدو جامدًا غير مدرك لطبيعة البيئة التي ينشأ بها الابن، والتي تؤثر في بنائه وتكوين شخصيته، وليس معنى كلامي هذا ألا تسعي للإنجاب، ولكن أعني به أن تجتهدي للتواصل مع زوجك واحتوائه وتفهمه بدون أن تقبلي أدنى تنازل عن حجابك أو قيمك الإسلامية، وبهذا تضمنين لأبنائك مستقبلا مستقرا وحياة أسعد، إن شاء الله.
* وأخيرًا أنصحك حبيبتي أن تكملي تعليمك الأكاديمي؛ فربما ساعدك على الاندماج مع زوجك أكثر، وفي نفس الوقت يملأ وقتك، ويقلل من قلقك بشأن الإنجاب.