السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: آبائي وأمهاتي الكرام (اسمحوا لي أن أناديكم بآبائي وأمهاتي)، أنا شاب عندي 21 عامًا تبدأ قصتي من الصغر وأنا عمري حوالي 14 عامًا أحببت قريبة لي تكبرني بعام، أنا أعرف أنه في هذه السن الصغيرة اسمه لعب عيال، ولكن ذلك استمر حتى الآن، أي حوالي7 سنوات أو أكثر، ونحن متعلقان ببعضنا بشدة.
ولكن المشكلة أن الفرق بيننا زاد في السنوات الأخيرة من ناحية التعليم، حيث أصبحت هي بالفرقة الخامسة في كلية الطب وأنا حاصل على دبلوم المدارس الصناعية، وأذاكر الآن الثانوية العامة مرة أخرى لكيلا أجعل لأهلها حجة لرفضي من ناحية التعليم، ولكني مهمل في مذاكرتي، وأنا أريدها وأقبلت على هذه الخطوة إرضاء لها، ولكني لا أقدر عليها.
من ناحيتنا لا يمثل هذا الفارق في التعليم شيئا بيننا، فهي متمسكة بي؛ لأنني والحمد لله محافظ على الصلاة من الفجر حتى العشاء في المسجد، وأحضر مجالس العلم، وهي متدينة وتحفظ أكثر من نصف القرآن، وعلى قدر عال من الجمال والذكاء والتدين والأخلاق؛ ولهذه المميزات أنا متمسك بها.
علاقتنا الآن من بعيد بالتليفون كل فترة للاطمئنان فقط لا غير عن أخبار المذاكرة وما إلى ذلك، ونعلم أن هذا الكلام البسيط الذي بيننا حرام شرعًا، ولكننا لا نستطيع البعد عن بعضنا كثيرا، فكلما قررنا إلغاء هذا الكلام (في التليفون) لا نلبث إلا قليلا ثم نعود من جديد.
وأنا أريد من حضراتكم أن تجدوا لى الحل في ذلك:
1- هل أنا ظالم لها بهذه العلاقة لفارق التعليم الواضح جدا بيننا رغم أنه لا يمثل شيئا بيننا؟
2- هل رفض الأهل وقولهم: "نحن نربي ونكبر ونزوج بنتنا في النهاية لشاب معه دبلوم المدارس الصناعية، لا يمكن أن نوافق على هذا الزواج"، رغم أني لم أتقدم لها رسميا، ولكن علموا ذلك وقالوا لها نريد طبيبا؟
3- أنا كثير المعاصي، ولكني لا أترك فرضًا من الفروض إلا وأقيمه في ميعاده، أرجو إرشادي إلى الطريق الصحيح ببعض النصائح بما أنكم أكثر خبرة؟
4- أنا عاق لوالدتي وذلك بعدم مذاكرتي؛ فهي حزينة لذلك، وكلما رأتني وبختني بكلمات كثيرة مثل: "خسارة فيك هذه البنت -قصدها من أحب- ذاكر ذاكر ذاكر...". أنا أحس أن عندها حقا، ولكن لا أقدر أن أنفذ.. فما الحل؟
5- في رمضان الماضي فعلت معصية كبيرة لا أريد ذكرها حياء من الله؛ فكنت أصلى بالناس مساعدة مع شيخ المسجد في صلاة التراويح، ولكن بعد هذا الذنب غيرت المسجد حتى لا أصلي بالناس وتبت إلى الله، وأكملت رمضان في مسجد آخر في نفس البلدة، وتأتي المفاجأة أن إمام المسجد طلب مني أن أصلي بالناس فقررت الاعتذار فألح علي؛ فقلت في نفسي لعل الله قد قبل توبتي وهذه هي البشرى، فاعتكفت في المسجد وكنت أصلي بهم قيام الليل، في رأيكم هل اعتقادي هذا صحيح؟
20/6/2025
رد المستشار
الابن الكريم:
نشكرك على هذا التكريم الذي أسبغته علينا حيث وضعتنا في مقام والديك، وندعو الله أن نكون عند حسن ظنك بنا، ووضعنا في هذا المقام الكريم يقتضي أن نتحدث معا وبكل صراحة؛ فمسؤوليتنا تحتم علينا أن نوضح ما خفي عليك من أمور قد تنتج عن هذه الزيجة، ولكما -بعد أن توضح لها هذه الأمور- أن تتخذا ما يناسبكما من الاختيارات على أن تتحملا مسؤولية هذا الاختيار.
وقبل أن أخوض في موضوع الزواج سأنتهي أولا من النقطة الأخيرة التي أثرتها حيث تتساءل عن إمكانية أن يكون إصرار إمام المسجد على إمامتك للصلاة بشارة أو دليلاً على قبول التوبة.
والحقيقة أننا لا نحتاج بشارات لتدلنا على أن الله قبل توبتنا، فمن وقع في إثم -مهما عظم هذا الإثم- وستر الله عليه وستر هو على نفسه وندم على فعلته وتاب وأناب ورجع إلى الله بقلبه وعزم على عدم العودة إلى هذه المعصية ثانية؛ فإن الله سبحانه حتما سيقبل توبته ويغفر ذنبه ويبدل سيئاته حسنات فهو سبحانه غافر الذنب وقابل التوب وهو القائل في كتابه الكريم: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا} (نوح).
أحسن الظن بالله فمنه سبحانه الفضل والمنة، واطمع في رحمته يوم تلقاه ليس بينك وبينه حجاب، فيبسط الحجب بينك وبين سائر الخلق ثم يذكرك بذنبك ثم ترى كتابك وقد تحولت الذنوب إلى حسنات؛ فهذه البشارة الحق التي نتمنى أن نعايشها يوم يخبرنا سبحانه أنه برحمته وبفضله عنا راض، ولا تيئس أبدا من روح الله ولا تتبع خطوات الشيطان الذي يحاول أن يصرفك عن الصحبة الصالحة وأكثر من الحسنات فالحسنات يذهبن السيئات.
وهذا الكلام ينطبق على هذا الذنب وعلى كل المعاصي الأخرى التي ترتكبها، والعاقل من أدّب نفسه وهذبها وألزمها بعد كل ذنب بتوبة وحسنة، فهذا الذنب يتبعه صلاة، وهذا الذنب يتبعه قضاء حاجة من حوائج الناس، وهكذا فكل ذنب يتبع بحسنة.
ونأتي بعد ذلك لموضوع الزواج لنؤكد ما قلناه مرارًا وتكرارًا أن الزواج في وجود عدم التكافؤ البين في المستوى الدراسي -وبالذات لو كان هذا التكافؤ لصالح الزوجة- يعتبر مغامرة غير محسوبة العواقب؛ فالارتقاء في التعليم وبالذات في المرحلة الجامعية يضيف الكثير من الخبرات والتجارب الجديدة، ويتيح بشكل أو بآخر التعرف على ثقافات وعقول مختلفة.
وهذه الخبرات المكتسبة -إضافة لما تسبغه نظرة المجتمع من تقدير زائد للجامعي وخصوصا لو كان من خريجي ما يعرف بكليات القمة- تجعل الزوجة تشعر بقدر كبير من الاعتزاز والزهو بالنفس، وفي المقابل تشعر الزوج بنوع من الإحساس بأنه أقل منها.
هذه المشاعر والفوارق لا تكون واضحة في غمرة الغرق في بحور الحب، وأثناء حالة السكر الناتجة عن شرب كؤوس الهوى والغرام. وما يحدث عادة بعد الزواج أن هذه الفروق وهذه المشاعر تبدأ في الظهور رويدا رويدا لتنغص على كل من الزوجين حياته؛ فالزوجة تعمل -وفي حال الطبيبة ترتقي أيضا في دراستها العليا في مجال تخصصها- وهي في أثناء هذا تلتقي بمن يكافئونها علما وثقافة، وتبدأ لا شعوريًا في عقد المقارنات بينهم وبين زوجها، والمقارنة في هذه الحالة لن تكون في صالح الزوج، وقد يدفعها الحرج الاجتماعي للامتناع عن تقديمه لزميلاتها وزملائها.
ويجد الزوج نفسه في موقف لا يحسد عليه، زوجته -سواء شعرت بهذا أو لم تشعر- تنظر إليه من عل، وهذه النظرة تضاعف من شعوره بأنه أقل منها فيحاول أن يثبت أنه رجل البيت وأنه الآمر الناهي، فلا يقبل منها أي كلمة أو تصرف حتى ولو جاء في صورة مشورة أو توضيح وجهة نظر، ويحاول أن يحاربها ويمنع عنها ما يميزها عنه بأن يطلب منها -صراحة أو بالمضايقات والمنغصات المستمرة- أن تكف عن العمل أو الدراسة، وهذه التصرفات قد تدفع الزوجة للعناد من أجل تحقيق طموحاتها العلمية والمهْنية.
وكما ترى فالخلافات تبدأ صغيرة -بعد انحسار نشوة الحب وسكرته- ثم تتضخم بمرور الوقت، وتصبح كالسوس الذي ينخر في أساس هذا البيت الذي كان واعدًا بالسعادة والهناء، فهل تدركان وتعيان -أنت وهي- هذه الأمور وما هي ترتيباتكما للتعامل معها؟
الابن الكريم:
أرجو ألا تغضب من صراحتي فأنتما كأبنائي وأمركما يهمني، ولا أبغي لكما إلا سعادة الدنيا والآخرة، وما أردت أن أقوله إنه من الأفضل لكما أن تحاول أن ترتقي في تعليمك بعيدا عنها، ولتتوقف بينكما المكالمات التليفونية، ولتجعل فترة التوقف هذه فرصة لإعادة الحسابات وترتيب الأوراق، ولتجعل حبك لها دافعا على النجاح وإتمام الدراسة، فإذا نجحت في هذه الخطوة فهنيئا لك بها، وإذا قدر الله غير ذلك فوازن أمورك جيدا ولا تتسرع، وشجعها على أن تفعل هي الأخرى هذا، وضعا اعتبارات القلب جانبا لفترة وحكّما عقلكما، على أن تضع في اعتبارك أنك بإهمالك لهذا التفكير الهادئ المتعقل لا تظلمها هي فقط ولكن تظلم نفسك قبلها، فاستعن بالله واسأله التوفيق ولا تنس استخارته... وتابعنا بالتطورات.
وارجع لإجاباتنا السابقة المعنونة:
صلاة الاستخارة والأحلام الجميلة
عن الحب؟ أم الزواج؟ صلاة الاستخارة مشاركة3
جدل التكافؤ الاجتماعي بالزواج...
عند الاختيار.. فتش عن التكافؤ وتجاهل الانبهار
خائفة من الفشل.. عدم التكافؤ في الزواج!