السلام عليك ورحمة الله وبركاته
د. سحر طلعت، أعجبتني حلولك لمشاكل الفتيات؛ مما شجعني للكتابة لك.
أنا فتاة أبلغ من العمر 26 سنة، لا أعمل، عندي أخت أكبر مني بست سنوات، قبل 6 سنوات تقدم شابان لخطبتي أنا وأختي، لكن لم يحصل نصيب، ومنذ ذلك الوقت لم يتقدم لي ولا لأختي أحد.
أنا وأختي راضيتان بنصيبنا، ونؤمن بأن الزواج رزق، ولكن الذي يجرحني كلام الناس! تصوري مرة امرأة قالت لأختي: إن الفتاة الشاطرة هي التي تتخرج في الجامعة بشهادتين: شهادة جامعية وشهادة الزواج. ومرة أخرى قالت لنا: عليكما أن تتعرفا على عائلات معها شباب "علشان يخطبوكم"، وقالت هذا الكلام أمام مجموعة من النساء؛ مما سبب إحراجا كبيرا لي ولأختي. ولصدمتي لم أستطع أن أرد عليها، وعدت إلى البيت وأنا حزينة أعرف أنني عانس، لكن ماذا أفعل؟
هل الزوج فستان سوف أشتريه من السوق أو أقوم بإعلان في الجريدة بأنني أريد زوجًا؟
صدقيني يا أختي.. إنني رضيت بقدري، ولكن الناس لا يتركون أحدا في حاله، وكلما أتذكر كلام هذه المرأة أشعر كأن أحدا يقطع قلبي بالسكين؛ لدرجة أنني لا أحب أن أراها. وأنا من النوع الحساس الذي يتأثر بسرعة من كلام الناس.
وهل يا أختي تأثُّري بكلام هذه المرأة يدل على عدم رضا بقدر الله، وأنا أخاف أن يكون ربي قد غضب مني مع إيماني الكبير بأن الزواج زرق من الله، لو كتب لي فسوف أحصل عليه، وكل ما أتمناه أن أعيش بصحة وسعادة مع أهلي، وأن أعبد الله وأطيعه وأدخل الجنة..
فماذا أعمل؟
ولك جزيل الشكر.
30/6/2025
رد المستشار
أختي الكريمة، نشكرك على ثقتك، وندعو الله أن نكون عند حسن ظنك بنا، وألا يجعل مديحكم لنا وإقبالكم علينا من قبيل تعجيل الثواب في الدنيا، وأن يجعله فقط من عاجل بشرى المؤمنين، وندعوه أن يرزق عملنا الإخلاص، وأن يتقبل شهادتكم لنا "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم". فبعد أن انهالت علينا مشاكلكم، وملكت كل أوقاتنا وكل أذهاننا حتى صرنا نعيش بالمشكلة ونتحرك بها، ننام بها ونصحو لها، نحلل جوانبها ونعايش أصحابها، نتناقش حولها، ونضع الحلول المقترحة، وقلوبنا على أيدينا؛ لأننا نريد لصاحب المشكلة أن يهدأ بالا، وأن يرتاح وتحل مشكلته. ونتمنى من الله لأنفسنا أن نكون ممن عناهم الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله: "من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة"، فأدعو الله أن يتقبل منا، وأن يعيننا ويلهمنا الصواب؛ فمنه سبحانه التوفيق والسداد.
أختنا الحبيبة، مشكلتك ليست جديدة، ولكنها مشكلة كل يوم؛ فهي مشكلة متجددة، هي مشكلة كل فتاة تتأخر بها سن الزواج في مجتمعاتنا حتى ارتفعت السن في كثير من الأحيان إلى ما بعد الثلاثين بسنوات. والدراسات الاجتماعية تؤكد ارتفاعا شديدا في نسبة من لا يتزوجون من الجنسين، ولكن مجتمعاتنا تضخّم من حجم الأزمة بالنسبة للمرأة. وأغلب هذه الدراسات تتحدث عن العوامل الاقتصادية على أنها السبب الرئيسي لهذه المشكلة.
والحقيقة أن هناك أسبابًا أخرى لإحجام الشباب عن الزواج، منها البحث عن مواصفات شكلية وجسدية تشابه مواصفات ملكات الجمال ونجمات الشاشة وفتيات الإعلانات في عروس المستقبل، وهي مواصفات يستحيل أن تتواجد على أرض الواقع لما في الصورة المصنوعة من إبهار غير حقيقي تضفيه الكاميرا.
ومن الأسباب أيضا خوف الشباب من المستقبل، وخصوصا مع ارتفاع نسبة الخلافات الزوجية، وارتفاع معدلات الطلاق بين الزيجات الحديثة، وكذلك خوفهم مما يشاهدونه من ممارسات بعض الفتيات ممن لا يتورعن عن فعل كل شيء وأي شيء مقابل الفوز بأي رجل، وشيوع هذه الممارسات مع كونها غريبة على بيئتنا وعلى قيمنا تبدو واضحة كالبقعة السوداء في الثوب ناصع البياض؛ وبذلك تدفع الشباب لفقد الثقة بكل الفتيات؛ ما يدفعهم للعزوف عن الزواج خوفا من أن تكون الفتاة المختارة من هؤلاء.
وحل هذه المشاكل والخروج من هذه المتاهات على المستوى الجماعي يحتاج لتضافر الكثير من الجهود التي لا نستطيعها نحن ولا أنت بمفردنا، قد نبذل جهودا في بعضها كما نحاول عندما نتحدث عن أهمية تيسير الزواج والاكتفاء بالضروريات، وكذلك عندما ينطلق ملفنا الجديد عن نظرة الإنسان لجسده ورضاه عنه، وعلاقة هذا بالصورة والمقاييس التي جعلها الغرب مثالا للجمال.
واهتمامنا بهذه المشكلة دفعنا أيضا لتقديم خدمة الزواج سواء في القسم العربي أو الإنجليزي (شريك الحياة)، هي محاولات لن تؤتي ثمارها على المستوى الجماعي إلا إذا تكاتفت الأيدي والجهود التي تعمل على إحداث نقاط ضعف متعددة في جسد المشكلة المتضخم.
ورغم وعينا بهذه الظروف فإن الكثير منا ما زال يحاصر الفتيات بنظراته وتساؤلاته وتعليقاته الجارحة، وكأنها هي من اختارت أن يكون هذا هو قدرها، كل فتاة تتمنى وتحلم باليوم الذي تصبح فيه زوجة وأما، ولكن كما نؤكد دائما أن الزواج رزق؛ فمن كانت عنده القدرة على السعي لاستجلاب هذا الرزق لبعض فتياتنا فليفعل، ومن عجزت قدراته فليصمت؛ عملا بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه".
وبداية هذا أن نتوقف عن إطلاق لفظة "عانس"؛ لأن هذا نوع من التنابز بالألقاب المنهي عنه شرعا.
حبيتي وصديقتي، ضيقك وتبرمك من كلمات هذه المرأة لا يتعارض مع رضاك بقضاء الله سبحانه، والأفضل لك دائما أن تكوني مستعدة لكلمات وتساؤلات المتطفلين والمتطفلات، وألا تسمحي لأي منهم بمضايقتك؛ وذلك بأن ترديه بقوة وأدب، وتمنعيه من مواصلة الحديث الذي يضايقك.
أختي الكريمة، كما رأيت.. مشكلتك أنت وأختك تعتبر ظاهرة عامة، ومعظم الفتيات تتأخر بهن سن الزواج إلى ما بعد ذلك؛ فهل نكتفي بالبكاء وسكب العبرات؟ وهل من العقل والحكمة أن نهدر أعمارنا منتظرين قدوم العريس المنتظر؟ هذا الانتظار بدون شاغل يهدر الطاقة، ويدمر النفسية، ويجعل الفتاة عرضة لأي كلمة مؤلمة.
وبداية الحل تكمن في الحركة، فابحثي لك، وشجعي أختك على البحث، عن مجال عملي (عمل ودراسة وهوايات وجهد تطوعي) يحتويكما ويناسب ميولكما وحركتكما، هذا قد يعينكما على التعرف على بعض الشباب، ويأتيكما رزقكما من حيث لا تعلمان، ومع الحركة عليك باتخاذ كل الأسباب الميسرة لاستجلاب الرزق، وأهمها على الإطلاق استمرار الدعاء والضراعة إلى الله أن يرزقك أنت وأختك الزوج الصالح الذي يتقي الله فيكما، ويكون عونا لكما على مرضاته.
ونحن معك بقلوبنا، وننتظر أن نسمع منك قريبا خبرا سعيدا، ونتمنى أن نشاركك فرحتك كما كنا ملاذك في همك. فتابعينا بالتطورات.