نحن نعيش في عصر الإشباع الفوري، عصر الطعام السريع والحلول الجاهزة والنتائج المضمونة في وقت قياسي، كل شيء حولنا يروج لفكرة أن المشاكل يجب أن تُحل فوراً، والألم يجب أن يختفي بسرعة، والأهداف يجب أن تتحقق بأقل جهد ممكن، فلدينا تطبيقات تحل مشاكل العلاقات في دقائق، وكتب تعدك بالثراء في 30 يوماً، وبرامج تدريبية تحولك إلى خبير في أسبوع، وحتى أدوية تعالج الحزن قبل أن نفهم أسبابه الحقيقية، وفيديوهات على يوتيوب تعلمك كيف تغير حياتك في 10 دقائق، فأصبحنا مدمنين على فكرة أن كل شيء يجب أن يكون سريعاً وسهلاً ومضموناً، وأي شيء يحتاج وقتاً أو صبراً أو جهداً مستمراً يبدو لنا وكأنه عقاب أو فشل في إيجاد «الطريقة الصحيحة»!
هذا الإدمان على الحلول السريعة لا يقتصر على الأمور التقنية أو التجارية، بل يمتد إلى أعمق جوانب حياتنا النفسية والعاطفية والروحية، فنحن نريد أن نتعافى من الصدمات النفسية خلال جلسات قليلة، ونتوقع أن تختفي العادات السيئة التي تكونت عبر سنوات طويلة في أسابيع معدودة، ونرغب في بناء علاقات عميقة ومعقدة بسرعة البرق، ونطلب من أطفالنا أن يتغيروا فوراً، دون أن نمنحهم الوقت الكافي للفهم والنمو، وحين لا تسير الأمور وفق هذا الإيقاع المتسارع المجنون، نشعر بالإحباط والفشل العميق، وننتقل للبحث عن حل أسرع أو طريقة أسهل أو خبير جديد، بدلاً من أن نتقبل حقيقة بسيطة، وهي أن بعض الأشياء في الحياة تحتاج وقتاً طويلاً ونضجاً تدريجياً وصبراً لا ينتهي!
الخطر الحقيقي في هذا الإدمان أننا نفقد القدرة على تقدير العمليات الطويلة والنمو التدريجي، فنصبح غير صبورين مع أنفسنا ومع الآخرين، ونفقد الثقة في قدرتنا على المثابرة والصمود، كما أننا نحرم أنفسنا من متعة الرحلة والدروس التي نتعلمها في الطريق، لأن الحلول السريعة عادة ما تركز على النتائج وتتجاهل الرحلة والتجربة، والحقيقة أن التجربة نفسها هي جزء مهم من الحل، بل أحياناً تكون هي الحل كله، فالشخص الذي يخسر وزنه تدريجياً عبر تغيير نمط حياته يتعلم أشياء عن نفسه وعن الطعام والصحة لا يتعلمها من يخسر الوزن بعملية جراحية سريعة!
البطء أحياناً ليس عيباً، بل ضرورة حتمية، والوقت ليس دائماً عدواً، بل قد يكون حليفاً وصديقاً، وبعض الأشياء الجميلة في الحياة تحتاج للنضج والتطور البطيء كي تصبح قوية ومستدامة وحقيقية، فالعلاقات الجيدة تُبنى بالوقت والخبرات المشتركة والأخطاء المتبادلة والتسامح المتكرر، والمهارات الحقيقية تتطور بالممارسة المستمرة والتكرار والصبر على التعلم، والشفاء النفسي يحدث بالتدريج والتأمل والصبر مع النفس، والحكمة تأتي من تراكم التجارب، وليس من قراءة كتاب واحد أو حضور ورشة عمل، بل حتى الطبخة اللذيذة تحتاج الى نار هادئة ووقت كاف لتنضج، ولربما علينا أن نتعلم من جديد كيف نستمتع بالرحلة بدلاً من التركيز فقط على الوصول، وأن نجد السلام الحقيقي في الانتظار بدلاً من القلق المستمر من البطء، وأن نثق بعمق في أن بعض أجمل الأشياء في الحياة تأتي لمن ينتظر ويعمل بصبر وطول بال!
واقرأ أيضًا:
متلازمة.. سأبدأ غداً / عندما يصبح العطاء.. استنزافاً!