أنا وصديقتي.. صدمات الاختلاف والفراغ
بسم الله الرحمن الرحيم.. تحية طيبة وبعد..
أود طرح مشكلتي عليكم، لي صديقة من فترة طويلة، من أيام الدراسة، تعرَّفت عليها في وقت كنت فيه شبه منعزلة عن الجميع. لم يكن لي أصدقاء كثيرون. كنت في حاجة إلى صديقة تؤنسني، والحمد لله تعارفنا وتصادقنا معا.
الحقيقة أنني سعدت جدا بأنني لم أعد وحيدة قبل أن أتأكد من أننا سنكون صديقتين مناسبتين. بعد حوالي عام بدأت المشاكل بيننا، مع الوقت وجدت أننا مختلفتان في كل شيء؛ طريقة تفكيرها متسرعة، هذا إن فكرت أساسا، وأنا من النوع المتأني في قراراتي.
أصبحت تتصرف الكثير من التصرفات التي أنكرها. المأزق بدأ من وقت ما أصبحت شبه فارضة عليَّ أمورا كثيرة. لقد كنت أتصل بها أسبوعيا حتى لو كنا قد قضينا الأسبوع بأكمله معا. وإن لم أفعل تُظهر ضيقها وعدم رضاها.إن أردت أن أفعل أي شيء كأن أخرج أو أتقدم لوظيفة ما فلا بد أن أخبرها عن كل شيء، وأعلم أن الأصدقاء لابد أن يتشاركوا في أمور كثيرة، ولكن هناك فارقا أن تفعل شيئا تريده وآخر وأنت مجبر عليه.
ما أصبحت أشعر به هو أنني مجبرة على تلك العلاقة من الألف للياء. أنا أعاني من تلك الحالة منذ 3 سنوات. وطبعا أصبحت مشاعري تجاهها في غاية السوء. الحقيقة... الحمد لله لم أصل إلى مرحلة كراهيتها بعد، ولكن بعد الآلاف من الصدامات بيني وبينها أشعر أنني لا أستطيع أن أحبها بعد الآن.
نصل لنقطة جيدة: لم لا أتركها حتى أرتاح؟
أولا: لأنها إنسانة طيبة.
ثانيا: لأنها أورثتني من الشعور بالذنب ما يمنعني من إيلامها، خصوصا أنها حساسة جدا جدا، ودائما تشعرني أنها مصدومة فيّ لأنها تعاملني أفضل بكثير مما أعاملها. هي فعلا تعاملني جيدا وأفضل من أي أحد آخر، ولكن أود أن أعاملها بأسلوبي أنا، وليس أي أسلوب آخر.
في النهاية: أرجو ألا أكون أثقلت عليكم، ولكن أنا فعلا متعبة من كثرة المشاكل بيني وبينها،
وأتمنى أن تنصحوني ماذا أفعل معها بعد أن وصلت لدرجة عدم محبتها!!!
13/2/2024
رد المستشار
أختي الحبيبة، أحمد فيك احترامك لمشاعر صديقتك، وحرصك على عدم إيذاء عواطفها، ومحاولتك الجادة إيجاد حل لاستمرار صداقتكم. الصداقة الحقيقية مشاعر راقية، وجامعة لأسمى المعاني من إيثار وود ووفاء وإخلاص وتضحية وتعاون، وإن كان الجامع فيها الحب في الله فقد ارتقت لمرتبة عليا، مرتبة يأتي بها يوم القيامة أناس يغبطهم الأنبياء والشهداء، على منابر من نور، كانوا يتحابون في جلال الله عز وجل، ويتزاورون في ذلك، ويظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فهذه أعلى مراتب المحبة والصداقة.
حبيبتي الغالية، صديقتك تحبك كثيرا، وتريد إرضاءك بشتى الطرق، وتعبر عن حبها لك بأسلوبها الذي يختلف عن أسلوبك في التعبير عن حبك للآخرين فيحدث تصادم بينكما في التعامل.
فأسلوب تعبير البشر عن الحب يختلف؛ فالبعض يعبر عن هذا الحب بالكلمة، والبعض بالفعل، والبعض لا يعبر إلا إن وجد في موقف معين يتأتى له أن يعبر عن حبه، والبعض يعبر عن حبه باهتمامه بأدق التفاصيل في حياة الآخرين، والبعض يستطيع الجمع بين كل أساليب التعبير، ووضع كل أسلوب في وقته المناسب، وهذا الاختلاف في التعبير عن مشاعر الحب يعود لعدة عوامل، منها التنشئة الاجتماعية، وطباع الشخصية، والبيئة، وعوامل أخرى.
وقد تكون صديقتك تتعامل معك بهذا الأسلوب، وهي على غير دراية بأن هذا الأسلوب مزعج لك، أو قد يعود أسلوبها في التعامل لك بهذه الطريقة لقلة خبرتها الاجتماعية أو لأسباب أخرى. ولكن هذا لا يفرض عليك التعامل معها بأسلوب أنت غير مقتنعة به، ولكن يمكنك أن تحاولي معالجة الأمر بطريقة أخرى؛ وذلك عن طريق:
أولاً: المبادرة بالتحدث والحوار معها بهذا الأمر بطريقة حكيمة ومحاولة إفهامها تدرجيًّا أنك تُقدرين اهتمامها بك وتقديرها الدائم لمحبتك، ولكن أسلوبها في التعامل معك يسبب لك إزعاجا، وأنه السبب في الفجوة التي بينكما، وتوضحين لها طباعك وشخصيتك والأسلوب الذي تفضلين التعامل به مع أصدقائك مع إشعارها أنك باقية على حبها وودها، وأن كلامك هذا من منطلق حرصك على بقاء صداقتها وودك لها؛ لأن شخصية صديقتك حساسة، كما ذكرت في رسالتك؛ فهذا سيحتاج منك لأسلوب لبق وحكمة وجهد ووقت وصبر لكي تستطيعي توصيل رسالتك لها، وفي الوقت نفسه لا تخسريها كصديقة لك.
ثانيا: يجب أن تجددي علاقتك بها لتقليل الفجوة بينكما، وللخروج من دائرة التقليد والروتين التي تغلق عليكما صداقتكما، وذلك عن طريق توسيع دائرة أصدقائك، ومحاولة إشراك صديقتك في بعض هذا التوسيع؛ فهذا يثمر لكما خبرات جديدة، وتنوعا في الحياة، كما يقلل فجوة الملل التي بينكما، ويضيف لشخصيتك وشخصية صديقتك خبرات وتجارب مفيدة ومتنوعة.
ثالثا: حاولي أن تخلقي اهتمامات جديدة بينكما والاندماج في أنشطة اجتماعية وثقافية وتطوعية مختلفة؛ فجزء كبير من مشكلتك بسبب الفراغ؛ فهذه الأعمال تضيف لشخصيتك ميزات مهمة وبنَّاءة، كما أنها تضيف لصداقتكما معنى؛ فتصبح صداقتكما أصقل وأعمق، وتضيف لكل منكما خبرة ومعنى جديدا، وتصبح لصداقتكما ثمار نافعة، وليست صداقة عقيمة وتقليدية، وحاولي أن تستفيدي من خبراتها، وأن تستفيد من خبراتك، وانقلي كل خبرة جديدة ليست لها فقط، وإنما لجميع من حولك.
رابعا: حبيبتي الغالية، كل صداقة في هذا الوجود لها هدف من ورائها، والبعض يعي هذا الهدف، والبعض يكوّن الصداقات صدفة ومن غير إدراك لوجود هدف من وراء الصداقة؛ فالبعض يكوّن صداقات لكي يجد من يشاركه الاهتمامات الواحدة، والبعض لكي يجد من يتحدث معه ويشاركه الحياة بأفراحها وأتراحها، والبعض للتسلية، والبعض لإضافة خبرة وتجارب جديدة، والبعض للمنفعة أو المصلحة، والبعض لأسباب أخرى.
والحياة يوجد بها جميع النماذج منوعة ومختلفة، لكن الصداقة التي تبقى ثمارها في الدنيا والآخرة -كما ذكرت في البداية- هي التي تكون من أجل أرقى وأسمى هدف في الوجود، وهو الحب والأخوة في الله. فحاولي أن تنشئي علاقتك مع صديقتك ومَنْ تستطيعين من أصدقائك على هذا الهدف؛ فتنتفعي بثمار صالحة في الدنيا والآخرة؛ فحاولي الحرص على أن تكون صداقتك في الله، وحاولي أن تكون نيتك في الصبر على صديقتك من أجل الله عز وجل؛ فهذا يثمر لك نفعا ومعانيَ راقية في الدنيا والآخرة.
أخيرا... حبيبتي الغالية، انظري للصداقة بمفهوم جديد، وانقلي هذا المفهوم لصديقتك، واستعيني بالله عز وجل. وأدعو الله سبحانه أن يرزقنا الفهم الصحيح لمعنى الصداقة والأخوة في الله، وأن يجمعنا بإخوةنا في الآخرة على سرر متقابلين، إنه سميع كريم مجيب الدعاء، ونحن في انتظار معرفة أخبارك،
يمكنك مراجعة إجابتنا السابقة في ذلك، ومنها:
صداقة في الميزان
الصداقة والحب في الله
الصداقة... الخوف من الفراق
صديقتي تغار، وأنا أغار: هل الصداقة نار