شعور الاستحالة
من الصعب جدًا عليّ أن أشعر بالحب، مهما كان عدد أصدقائي والأشخاص الذين يحبونني ويتذكرونني ويهتمون بي. أشعر دائمًا أنهم لا يحبونني حقًا، بل يستغلونني ويسخرون مني.
حتى عندما يتذكرني أصدقائي أو يفعلون شيئًا من أجلي، أتفاجأ عندما يرسل لي أحدهم مقطع فيديو قصيرًا أو تيك توك. أسأل نفسي باستمرار: "هل رأى هذا الشخص شيئًا ما حقًا، وتذكرني، وقرر إرساله لي؟"
أعني، أحيانًا أشعر أن أصدقائي قد يتركونني في أي لحظة. على سبيل المثال، كنتُ أقضي بعض المهام في الخارج، ورأيتُ في المجموعة أنهم يخططون للخروج، فأرسلتُ لهم رسالةً بأنني سأقضي بعض المهام وسأنضم إليهم عند الانتهاء. انتهيتُ من قضاء بعض المهام وقررتُ مراسلتهم، لكن أحدهم لم يرد، فأرسلتُ رسالةً لآخر فلم يرد، وأول ما خطر ببالي بعد أن لم يُجب هذان الاثنان (رغم أنني اتصلت بهما مرة واحدة فقط) أنهما خرجا ولم يُجيبا لأنهما لم يُريدا أن آتي، رغم أنهما اتصلا بي مرات عديدة ليطلبا مني الحضور أو لترتيب موعد ومعرفة ما إذا كان بإمكاني الحضور.
اكتشفت لاحقًا أنهما ألغيا الموعد في اللحظة الأخيرة ولم يخرجا على الإطلاق. والسبب في عدم ردهما هو أن إحداهما كانت نائمة والأخرى كانت مشغولة بشيء ما ولم يكن هاتفها قريبًا. بالطبع، هذا يؤثر على حياتي العاطفية. لا أستطيع أن أتخيل على الإطلاق أن فتاة يمكن أن تُحبني، أو تُفكر بي، أو تهتم بي، أو تريد إسعادي.
شعور الاستحالة الذي ينتابني هو نفس الشعور الذي ينتابني عندما أتخيل نفسي في دين مختلف أو أفعل شيئًا لم أفكر في فعله من قبل. بسبب هذا الشعور، لا أحاول التقرب من أحد، مهما بلغ انجذابي أو إعجابي، لأني لا أتخيل أن هذا الشخص يمكن أن يحبني يومًا. لا أشعر أنني عبّرت تمامًا عما أشعر به، بل أعبّر عن مشاعري. لعلّ أحدهم يفهمني ويخبرني كيف تعافى من أمر كهذا.
الأمر يؤلمني حقًا، وأحيانًا أتفاجأ بردود أفعالي وطريقة تفكيري!
ولا أعرف ما حدث في حياتي أو ما الخطأ الذي ارتكبته لأصبح هكذا.
16/11/2025
رد المستشار
أهلا وسهلا بك "فاروق" وشفاك الله وعافاك ونأمل أن نكون عونا لك
من خلال رسالتك قد يبدو لنا استنادًا إلى كل ما وصفته، أن لديك اعتقادا ثابتا بأن الآخرين قد يرفضونك أو لا يريدون وجودك وأنك تفسر أي غياب أو عدم رد على أنه رفض متعمّد وتتوقع الرفض حتى من أقرب الأصدقاء رغم وجود أدلة عكسية ضد ما تعتقده كما أن لديك حساسية عالية تجاه الإشارات الاجتماعية وإعادة تفسيرها بشكل سلبي وهذه قد تكون مظاهر كلاسيكية للقلق الاجتماعي لكن بنمط داخلي غير ظاهر internalizing type أو اضطراب القلق الاجتماعي Social Anxiety Disorder مع أفكار وسواسية.
ويبدو أن لديك مخاوف الهجر والرفض Rejection Sensitivity وحساسية مفرطة للرفض فأول ما يخطر ببالك عند عدم الرد: هم لا يريدونني. كما أن لديك عدم القدرة على تخيل أن أحدًا يحبك أو يفكر بك ومفاجأتك الشديدة حين يرسل أحدهم شيئًا لك وكأن الأمر غير منطقي أو مستحيل. كما أن استخدامك لكلمة "شعور الاستحالة", وهو مصطلح يعبر تمامًا عن صعوبة استقبال الحب أو الاهتمام.
ولديك أيضا معتقدات جوهرية سلبية عن الذات Core Beliefs مثل "أنا غير محبوب" و"الناس سيغادرونني لو عرفوني أكثر" وهذه المعتقدات تشكل ما نسميه في الـCBT أو الع.س.م مخطط الرفض/الهجر Abandonment Schema.
كما يمكن أن يكون لديك سمات شخصية تجنبية Avoidant Traits حيث تتجنب التقرب من أي فتاة لأنك لا تتخيل أنها قد تحبك ولديك شعور بثقل نفسي شديد عند التفكير في العلاقات وتفسر كل سلوك من الآخرين بأنه يحمل إيحاءًا بالابتعاد.
ولو حاولنا أن نتعرف على ما قد يكون سبّب ذلك نفسيًا واجتماعيًا وشخصيًا فربما نجد
1) خبرات الطفولة أو المراهقة – حتى لو لم تتذكرها بوضوح
غالبًا ما تتشكل هذه المشاعر بسبب: نقد زائد أو مقارنة متكررة وغياب الدعم العاطفي وإعطاء حب مشروط (أغلط فيتم رفضي) وأنك لعبت دورا اجتماعيا حيث تكون دائمًا "المسانِد" وليس "المُسانَد" أو نشأت تنشئة تشجع على الكتمان وعدم التعبيروهذه الأمور تخلق ما يسمى: انخفاض الشعور بالقيمة في العلاقات Low Relational Worth.
2) تجارب رفض في سن مبكرة مثل: صديق كان يتجاهلك أو علاقة إحباط أو سخرية في المدرسة أو خذلان مفاجئ. فالدماغ يعمم لاحقًا: سيحدث مجددًا.... دائمًا
3) النمط الشخصي: شخصيتك تميل إلى اليقظة الزائدة Hypervigilance وهذا يظهر من خلال: مراقبة ردود الآخرين وإعادة قراءة الرسائل والتفسير السلبي التلقائي. وهي آلية دفاعية طورها دماغك لحماية نفسه من تكرار الألم القديم.
4) العوامل الاجتماعية تتمثل في قلة العلاقات العميقة التي تعبّر بمودة واضحة وغياب روابط آمنة تُشعرك أنك مرغوب بلا جهد أو محيط اجتماعي سطحي أو تنافسي وهذه البيئة تزيد شعورك بأن الحب حلم خيالي.
5) العوامل المعرفية (في طريقة التفكير) أنت تستخدم 3 انحيازات معرفية بوضوح:
a) قراءة النوايا Mind Reading لم يرد يعني لا يريد أن آتي.
b) التنبؤ السلبي Fortune Telling لا يوجد احتمال أن تحبني فتاة.
c) التصديق على أساس الشعور Emotional Reasoning أشعر أنه مستحيل إذن هو فعلاً مستحيل. وهذه الأفكار تُشعر الإنسان بأن الحب غير منطقي أو غير وارد.
أنت يا عزيزي لا تفتقد الحب، بل تفتقد القدرة على تصديق الحب. أنت لا تقول فقط لا يحبني أحد بل: لا أستوعب كيف يمكن لأحد أن يحبني. وهذا بالضبط ما نراه في تجارب الحرمان العاطفي المبكر.
ولو لخصنا ما سبق سنجد أن لديك اضطراب قلق اجتماعي Social Anxiety Disorder مع حساسية مفرطة للرفض Rejection Sensitivity ومخطط معرفي سلبي يتمثل في الرفض/الهجر وسمات شخصية تجنبية Avoidant Personality Traits.
التوصيات
أرى أنك تحتاج إلى مناظرة طب نفسية متخصصة مع طبيب نفساني لتأكيد ما سبق أن تحدثنا عنه ووضع خطة علاجية قد تشمل علاجا دوائيا لكنها بدرجة كبيرة تعتمد على العلاج النفساني بهدف الفهم العميق وإزالة الضباب المحيط بك واكتشاف الجرح النفسي لديك وتحليل نمط التعلق عندك وفهم آلية الدفاع لديك (الانسحاب الوقائي) وإعادة بناء صورة الذات من خلال مواجهة الصوت الداخلي الرافض للحب وتحليل علاقة الوالدين بالذات الحالية ويعقبها تعديل المخططات وقواعد الحب من خلال تفكيك مخطط "الحرمان العاطفي" وتغيير البنية العقلية التي تترجم الحب إلى شك. وبناء القدرة على تلقّي الحب Receiving Love Training والتدريب على تصحيح توقعات العلاقات وأخيرا التدريب على بناء علاقات صحية تدريجيًا من خلال التدريب على القرب العاطفي دون خوف وكيفية مواجهة سيناريو الرفض بمهارة وتخفيض التوتر تجاه احتمال الرفض.
وفقك الله واستمر في متابعتنا.