الشخصية التي عادت آملة في الراحة
السلام عليكم ورحمة الله أولا أحب أشكركم على الرد على رسالتي السابقة والتي كانت تمنعني دموعي أن تكون الرسالة كاملة باختصار ولو أن مشكلتي لا ينفع معها اختصار. فقد نشأت في أسرة تتكون من 8 أفراد. الأب رجل ريفي غير متعلم أراد أن يكون أسرة في أحد المحافظات الكبيرة وإني لأخجل أن أقول أنه رجل ضعيف الشخصية كانت تقوده والدته ثم بحث عن البديل بعد تركه لبلده وكانت زوجته (أمي) وهذه أول المشاكل فقد انهار عندي إحساسي بالأمان. ومن الأشياء التي بحث عنها وقرر أن ينفذها أسرة كبيرة (أنا وإخوتي) وأن يعلمهم أفضل تعليم لكي يتفاخر بهم أمام عائلته.
وابتدأ في التنفيذ بكل جهد وتخرجنا أنا وإخوتي جميعا من الجامعة. ومن ضمن هذه الأمنيات سيدي أن يتخرج إحدى أولاده من كلية الطب وكنت للأسف أنا كبش الفدى .فقد أخطأت وحصلت على مجموع عالي في الثانوية العامة التي ملأت رغباتها أمي فهي سيدي رجل البيت وتريد أن تقبع أي شخصية في البيت خصوصا إن كانت أنا أو أختي أما الأولاد فهم رجال فلا مانع من المناقشة وضربي أنا وأختي في بعض الأحيان لتتأكد رجولتهم وجاء التنسيق بإحدى كليات الطب خارج مدينتنا.
وبعد7سنين من الدراسة والبعد عن البيت ولعلك تعلم سيدي معنى غربة مراهقة 17سنة عن أهلها. ولكن حمدا لله فقد نتجت عن هذه السنين تكوين شخصية مستقلة نوعا ما وأيضا نتجت عنها طبيبة (مثالية يتباهى بها الوالد) ولأن العائلة لا تعرف أهمية تحضير الماجستير أو تكمله باقي الطريق في حياة أي طبيب. فقد رفض الوالد أن يكمل معي باقي الطريق وطبعا راتبي لا يسمح لي بهذا.
وبالتالي كل ما كسبته سيدي هو تكوين الشخصية التي عادت آملة في الراحة فوجدت حال العائلة كما وصفت لك سيدي. فقبل الكلية سيدي كنت عايشة في البيت بلا عقل يسمح لي أن أرى كل هذا كنت صغيرة لا تدرك هذا. والآن سيدي فأنا مطالبة أولا بشكر عرفان والدي طبعا والذهاب معه إلى كل مكان يبغيه لأني ملكه ثانيا أنا لا أتناقش أو أطلب أي مصاريف لأي دراسة فكفى ثالثا أن أتأقلم على طريقة الحياة في البيت وأرضى بالقهر الذي ترضاه أختي لأني بنت مثلها (ولازم البنات تتكسر) وأن أعمل في المستشفى صباحا ضاحكة في وجوه الناس أو أجلس في البيت وأعتزل الحياة وهذا ما أفكر فيه جديا
آسفة جدا على الإطالة ولكني أحمد الله أني وجدت هذه المرة كلام يصف الحال الذي أعيش فيه
وشكرا.
21/10/2007
رد المستشار
هذا غير صحيح فلو كنت ترغبين بالفعل في الجلوس في المنزل لما أرسلت لنا ولا خيّم عليك الحزن!
ويبدو أننا سنحتاج لتبادل نظارتينا لنرى بشكل مختلف!
فحين ننعت الرجل بالضعف لا ننعت الرجل الذي قررّ التخلي عن مكان مولده تاركاً ورائه ذكرياته والأشخاص أصحاب النفوذ الذين يسيّرون له حياته!
ولا ننعت به الرجل الذي أصرّ وكدّ من أجل الوصول لوجاهة اجتماعية حتى وإن كان رأيه في تلك الوجاهة غير صائب أو أدت به لكبت أحلام أبنائه الحقيقية!
ولا ننعت به الرجل الذي يستطيع أن "يجرّ" ابنته الطبيبة إلى أي مكان شاء!
فالقوة لها عدة وجوه ولكن لها وجهان جليّان؛ قوة خارجية تتمثل في التصرفات المرئية المكشوفة ونجد أن معظم الرجال يحومون حولها حين يستخدمون الصوت العالي ويستخدمون أذرعهم وأرجلهم قبل تفكيرهم رغم "ضعفهم" الحقيقي في اتخاذ قرار مصيري أو التفكير المخطط لمستقبل أكثر نجاحا.
وقوة داخلية تتمثل في "الدأب" الهادئ والإصرار "الصامت" على قرارات مصيرية وتشمل تخطيطا مُحكما حتى وإن كلّفه ذلك من المشاق ما لا يطيق بل ورغم اختلاط تلك القوة الداخلية "بضعف" "زائف" يظهر في التصرفات اليومية حين لا يعلو الصوت وقت احتدام موقف أو حين يؤثر السلام مع زوجته ما دامت الأمور تسير في مجراها الذي يخططه لها!
ولا تتصوري أني أدافع عن والدك ولكني فقط؛ أوضح لك؛ فهذا الرجل قوي بالفعل ولكنه تأثر –طبيعي جدا- بمفاهيم المجتمع الريفي والتربية الأولى تحت سطوة أمه الصارمة! فكان أسيرا للشكل الخارجي "الجيد" -كما يتصور- حين يكون أبا لطبيب وأبناء كلهم من خريجي الجامعات. فاعذريه يا صغيرتي؛ لا لأنه ضحية مفاهيم مغلوطة فقط، ولكن لأنه من وجهة نظره قد أتم رسالته التي وجب أن نشكره عليها لأنه بالفعل قد دفع فيها من عمره سنوات عجاف وبذل فيها المال الكثير وتحدى الغربة عن مكان نشأته.
أما كلية الطب فلم تكن حسنتها الوحيدة هي تكوين شخصية مستقلة ورؤية أكثر وضوحا لحياتك وحياة أسرتك ولكنها أحسنت إليك في الكثير والكثير منها:
• أنها علّمتك الدأب والتحدي فهي من أطول الكليات دراسة وكدا وتعبا.
• أتاحت لك فرصة الزواج الأفضل فهل تتصورين أنك ستتزوجين مزارعا مثلا لا يقوى على فك الخط؟
• ردت بدلا عنك "بعض" الجميل لما قدمه أبوك وأسرتك من مشاق من أجل وصولك لمكانة طبيبة حين أنهيتها بنجاح.
• جعلتك تحتكين بآخرين مختلفين عنك في النشأة والتفكير والظروف فأهدتك خبرة تسطرينها في حياتك، قد يحتاج غيرك لسنوات للحصول عليها وستظهر نتاجها في تعاملك الجديد مع أهلك وزوجك وأبنائك.
والآن ليأخذ كل منّا نظارته لنتفق على نقاط هامة
1- من تغرّب منذ مراهقته وشق طريقا طوله سبع سنوات من أجل الحصول علي شهادة عالية كما يقولون لا يجوز في حقه أن يضعف ثانية! فحقك كفله الله لك بأن تختاري الحياة التي تريدينها وترتضينها لذاتك مادامت في إطار الحفاظ على الحلّ والُحرمة والحفاظ على تقاليد المجتمع عموماً؛ والحق لا يُمنح ولا ننتظر أن تهبه لنا الأقدار ولكنه يؤخذ! وطريقة أخذه أهم بكثير من أخذه؛ وحان وقت استخدامك لمهاراتك وفكرك الذي تكوّن بعيدا عن أسرتك لتحصلي عليه فلماذا لا تتدللّين بكونك طبيبة على والديك بلباقة بدلا من الكبت واعتبار نفسك ميدالية يفخرون بشكلها؟ لماذا لا تتقربين من والدتك بالطريقة التي تجعلها تفهمك وتحترم عقلك؟ لماذا لا تبتعدين عن مساحات الاختلاف بينك وبينهم لتفادي التصادم وكسب أرض جديدة معهم؟ لماذا لا تُقدمين السبت لتحصلي على كل أيام الأسبوع؟!! لماذا لا تستخدمين الطب في القرب والود بينك وبينهم كالكشف على والدتك وأقاربها مثلا أو والدك وأقربائه؟ لماذا تقع عيناك فقط على كل ما هو سيء وتعيس مع إمكانية رؤية نفس الأمر "بروح" أخرى رؤية أكثر إشراقا لتحصلي على ما تريدين؟ تُرى هل تتعالين عليهم آو تتأففين دون أن تدري؟ راجعي كل ما سبق مع نفسك لتضعي يديك على نقطة البداية.
2- والدك يحتاج منك التقدير بالفعل -رغم اختلافي واختلافك الكلي معه على الأسلوب أو طريقة التفكير أو الهدف من وصولك للطب– لكنه اعتراف جدير بأن يخرج من صميم فؤادك له ويمكنك التعبير عنه بالكلام والفعل وستجدين عجبا.
3- "قد" لا يعلم والدك كم هو مهم أن تكملي دراستك في مجال الطب؛ ولكن همسة في أذنيك أهمس بها سائلةً؛ هل هو مُكلّف بذلك حتى تحصلي على الماجستير والدكتوراه والزمالة ليكون لك شأن ترتضينه لنفسك؟ فلقد "حان" دورك للقيام بذلك وسيسهل عليك ذلك إذا قدمت لهم ما قلته سابقا من ودّ واعتراف بالجميل ودلال واحترام وحين يرونك تدخرين من أجل الحصول على دراستك سيبذلون معك من جديد "قدر المستطاع" ولكن إذا لم يحدث فاعلمي أنك قصّرت في ودك معهم وأنهم ليسوا ملزومون بأكثر من هذا بل مشكورون عليه.
4- احترام الآخرين لنا لا نحصل عليه بطلبه أو بإلقاء أمر وجوب الاحترام لنا ولا بالبكاء على عدم وجوده ولكننا نحصل عليه بتصرفاتنا واحتوائنا لمن حولنا -وإن كنا أصغر منهم سناً- وبوجود دفء حقيقي بيننا وبين من ننتمي لهم فحين ترين والدتك –المسيطرة كما ترينها- سببا في وجودك بعد الله عز وعلا وحين تستحضرين شغفها عليك في فترات بُعدك عنها وحين تتصورين ما عانته لتدبير مصروفاتك مع والدك "بحق" لن تحنقي عليها هكذا، وكذلك حين ترين أن إخوتك ضحايا جدد لنفس طريقة التربية ولنفس المفاهيم أو للغيرة منك أو كرد فعل لتصرفات لك قد لا ترينها في حديث لك معهم ولكن قد تكون نظرة أو حركة جسد فلن ترينهم مجرد وحوش أغبياء؛ أليني لهم جانبك وستنعمين بالاختلاف ولو بعد حين.
بقي سؤالا يفرض عليّ ّنفسه: هل نحتاج نحن البشر لصدمات مروّعة لتُخرج الحقيقة من بين أضلعنا مذعنين؟! فتصوري فقدك لأحد أبويك أو إخوتك؛ فحينها لن تهمس نفسك إلا بفضلهم عليك وإقرارك بذلك فلتهنئي به من الآن ولتعملي على تغيير ما تكرهينه بيديك الحكيمتين بالتصرفات الناضجة والدأب والإصرار المهذب.
واقرئي على مجانين:
السير على حد السيف واستراتيجية ترقيق القلوب
"الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة"
جمود العينين والحداد المؤجل م مشاركة