أيوه بغير
السّلام عليكم ورحمة الله،
إذا سمحتوا لي سوف أكتب قصتي وما أعانيه، فأرجو من سيادتكم سعة الصّدر.
بدأت قصتي عندما تزوجت لمدة خمس سنوات من شخص أحببته جداً ثم حدث طلاق بسبب عدم إنجابي، إذ تبين بعد الفحوصات والتحاليل الطبية أن العيب مني أنا، وتبيّن أيضاً استحالة إنجابي لوجود عيب خَلقي في الرّحم ومشاكل في المبايض. بعد أن حدث الطلاق شعرت بحزن فظيع، وانعزلت عن كل الناس وظللت أقضي طوال الوقت في غرفتي المغلقة ما بين الكمبيوتر والنّوم ولا أعمل أي شيء في حياتي غير هذا، حتى مظهري أهملته تماماً لأنّه ليس لدي أي رغبة في عمل أي شيء.
أصبحت لا أخرج من البيت أبداً، ووصل بي الحال إلى أن لا أخرج من غرفة نومي إلا للضرورة القصوى، ولا أردّ على التليفون مطلقاً. كان دافعي للبعد عن الناس والعزلة هو الحزن، وأيضاً هو الخوف أن تظهر عليّ أو على نبرة صوتي الغيرة إذا تعرضت لموقف ما، إذ أنني كلما علمت عن مناسبة خطوبة أو زواج أو إنجاب لأي أحد من أقاربي أو جيراني أو أصحابي أو النّاس عموماً شعرت بحزن شديد وتذكرت حالتي وكأنها لسّه حالة حديثة، برغم أنها مرّ عليها أعوام وكأن أيضاً هذه الأخبار التي أسمعها عن زواج أو إنجاب مؤشر وتنبيه قوي لعقلي وإحساسي بالفرق الشاسع بين الأبيض والأسود، فلولا اللون الأبيض ما شعرت بفظاعة قتامة اللون الأسود.
أنا أشعر وقتها بقسوة ظروفي، ولا أخبّئ أنّه للأسف الشديد يسيطر عليّ عندما أسمع هذه الأخبار السّارة عن أحد شعور بتمنى عدم إتمامها، وهذا والله ليس لأني شريرة أو أكره الخير للناس لكن لأني رغماً عني ينتابني إحساس يجعلني أرغب أنّ كل الألوان تكون سوداء لأني أخشى أن يظهر لون أبيض يبرز ويظهر بقوة قتامة اللون الأسود الذي أعيش أنا فيه، فيزيد عليه حجم المشكلة ويزيد إحساسي بالنقص وإحساسي بالاختلاف عن باقي الناس. وللأسف تطور بي الحال لدرجة أنني أصبحت أغير من أختي المتزوجة وأحسدها على زوجها وأطفالها، كما أنني لم أحضر فرح أختي الأخرى نظراً لغيرتي الشديدة جداً.
وطبعاً انعزالي بهذا الشكل وعدم تواجدي الدائم بين الناس حتى في أهم المناسبات الخاصة حتى بأقرب الناس لي أو بأقارب الدرجة الأولى خلق عندي إحساس بالنقص والضآلة والعجز والخجل من نفسي وإحساس بأن عدم وجودي بين الناس أصبح أمر عادي جداً ومقبول بالنسبة للناس بعد أن كانوا يسألون عني ويندهشون ويتكلمون كثيراً في غيابي مع أهلي عنّي وعن مشكلتي، فبعدم وجودي دائماً أصبحت الآن منعدمة تماماً من ذاكرة جميع الناس، ورغم أن ذلك يؤلمني جداً لكنى مازلت عاجزة تماماً عن مقابلتهم أو رؤيتهم.
وبالإضافة إلى كل هذه المشاكل والضغوط النفسية والمعاناة فقد فقدت تعاطف أمي معي ومع حالتي وظروفي، لأنها بعد أن كانت متعاطفة معي وحاسه بي وبحجم مشكلتي وبحجم ما سببته لي تلك المشكلة من معاناة، وبعد أن كانت دائماً تصبّرني وتساندني معنوياً عندما تجدني أحزن جداً وأبكي على حالي وأشعر بالغيرة الشديدة عقب سماع خبر عن خطوبة أو زواج أو إنجاب، أصبحت الآن -وبعد أن وجدت غيرتي اتجهت نحو أخواتي- وخاصة أني صريحة جداً ولا أستطيع إخفاء مشاعري سواء كانت مشاعر إيجابية أو سلبية لا تحتمل ذلك، وبدلاً من أن تقدّر حالتي النفسية وظروفي القاسية وطيبتي الزائدة التي جعلتني لا أستطيع إخفاء مشاعر الغيرة عنها وعن أخواتي- بدلاً أن تقدّر كل هذا وتلتمس لي العذر وتصبّرني مثلما كانت تفعل من قبل عندما كنت أشعر بالغيرة من أحد الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء فبدلاً من كل ذلك، كرهتني ولم تحتمل مني مشاعر الغيرة نحو إخوتي وخافت عليهم من أن أحسدهم فيصابوا بأذى من هذا الحسد، وقالتها لي بطريقة صريحة ومباشرة وهي في منتهى الغضب: لا تحسدي أخواتك.
نسيت أن هذه المشاعر ليست بيدي وأنّها نتاج للظروف القاسية جداً جداً التي مريت بها، وخوفها من الحسد على أخواتي الذين لا يعانون من أيّة ظروف غير طبيعية غلب وفاق بمراحل خوفها على ابنتها التي تعاني من ظروف قاسية ومؤلمة! فإذا كان هذا هو حال الأم التي هي رمز الحنان والرّحمة معي، فكيف يكون حال باقي البشر معي!
أنا الآن أصبحت أشعر أنّي وحيدة في هذه الدنيا تماماً، أفتقد الصدر الرّحب الذي يقدّر ظروفي ويصبّرني عليها وبدأت أفقد الثقة بالناس كلها وأفقد الثقة بأن أحداً يمكن أن يحس بي وبأحزاني وبعذابي إلا أنا فقط صاحبة المشكلة. الأكثر من ذلك تطورت الأمور النفسية عندي وأصبحت لا أشعر بالغيرة فقط بل أشعر بالحقد والكراهية تجاه أي شخص لا يقدّر حالتي وظروفي ولا يراعي مشاعري وحساسية موقفي ويتحدث أمامي دون أي اكتراث أو حرص في أدق أدق التفاصيل المملة والتي ليس لها أي لزوم عن المدح والغزل في شريك الحياة وإبراز محاسنه وإخلاصه وعن جمال نعمة الأطفال.
أعلم أنّ مشاعر الحقد والكراهية شيء سيء جداً ورديء، وأنها لو كانت اقتصرت على مشاعر الغيرة فقط لكان الأمر أهون لكن عدم مراعاة الناس لمشاعري وعدم تقديرهم الكافي لحالتي النفسية وظروفي المؤلمة هو الذي جعل مشاعر الغيرة داخلي تتحول إلى حقد وكراهية وليس مجرد غيرة. ولكن هذا كله لا يمنع أنني لست راضية عن هذه المشاعر بداخلي وأنّي آسف جداً لوجودها، لكن لديّ رغبة أكيدة في الخلاص منها وفي الخلاص من مشاعري السلبية أيضاً تجاه نفسي.
أرجو من سيادتكم تشخيص الحالة والإرشاد والعلاج إن أمكن،
وجزاكم الله كل خير.
04/11/2007
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
ابدئي عزيزتي بحمد الله على سواء فطرتك التي ما زالت هي دليلك بين غليان مشاعرك فترفضين مشاعرك السلبية وتتأسفين لوجودها وتتمنين التخلص منها.
لنبدأ من البداية فنقول أن معاناتك بدأت بمشاعر الحزن لمعاناتك وانفصالك الذي لم تذكري تفاصليه وإن كان لطريقة الانفصال دورها الأكيد في تقبلك لمشكلتك أو رفضها ولأنك لم تتعاملي مع مشاعر حزنك بطريقة مناسبة تحولت لبركان غضب تصفينه أنت بمشاعر الغيرة والانزعاج ممن حالهم يخالف حالك كما أن التعامل غير الناجح مع معاناتك وحبسك لنفسك وكأنك تعاقبينها على ما لا تملك أدى لإصابتك بالاكتئاب وهو ما تشيرين إليه "إحساس بالنقص والضآلة والعجز والخجل من نفسي" وهو تصوير دقيق لتدني مفهوم الذات الذي هو أحد أهم دعائم الاكتئاب.
ثم ننتقل لتصحيح المسميات فأنت تقولين أنك طيبة ولا تستطيعين كتمان مشاعرك السلبية وهذا غير صحيح فأنت غاضبة وتستخدمين الغيرة كقناع لشعورك بالغضب لأنك على مستوى ما من التفكير تشعرين أنه ليس من حقك الشعور بالغضب٬ التعبير عن المشاعر بدقة يساعدنا في التعامل المناسب معها ولكن تعميتها وتحويرها يضللنا ويزيد معاناتنا.
نقطة أخرى يجب عليك أن تعملي على التعامل معها هي قولك بأن مشاعرك أمر لا تستطيعين السيطرة عليه وهي فكرة غير صحيحة ذلك أن مشاعرنا نابعة من طريقة تفكيرنا والتي نحن قادرين بكل تأكيد على توجيهها٬ باختصار عزيزتي كما طلبت منا تشخيص حالتك أقول لك بأنك تعانين من مشاعر غضب تهدد حياتك وجميع علاقاتك كما أنك تعانين من الاكتئاب الناتج عن تدني مفهوم الذات لاختلاف ظروفك عن غيرك وبالطبع يمكنك أن تطلبي المساعدة المتخصصة كي ترتاحي من المعاناة النفسية والاجتماعية وكفاك ما هدرت من عمرك سدى.
يمكنك أن تتوقفي عن القراءة وتسرعي لزيارة مختص ويمكنك أن تكملي القراءة في حال أردت مزيد من التشجيع كي تقومي بهذه الزيارة.
كان الله في عونك على ما ابتلاك به وعلى ما استجلبته على نفسك بنفسك٬ ولا شك أن مصابك كبير إلا إن تذكرت بأن من اختاره لك هو الرحمن الرحيم فتفكري كيف يقسو الرحمن الرحيم!!! يحضرني الآن ملخص لحديث بأن الله جعل الرحمة على مئة شعبة أنزل في الأرض منها شعبة واحتفظ بنفسه وهو الرحمن الرحيم بتسعة وتسعين ولذا نوقن بأنه لا يقسو أو يظلم أحدا من خلقه وما خلقه ورزقه لنا إلا دليل على حظوتنا عنده فلولا مشيئته لما كنت ولما كتبت ما تشعرين به.
لقد خسرت بلا شك أحد أهم أدوار المرأة في الحياة وقد يكون أحبها على قلوب النساء فأين منك باقي الأدوار؟ لماذا حكمت على نفسك بالعزلة الاجتماعية فكأنك تنتقمين من نفسك على أمر ليس لك فيه حيلة ولا أعتقد أنك كنت على هذه الدرجة من السعادة مع زوجك فقلة من الرجال من تضحي بعلاقة منسجمة محبة من أجل الإنجاب ولكنه قد يختار التعدد أسلوبا لحل مشكلته٬ فهل رفضت ذلك؟ أريدك أن تكوني واضحة مع نفسك كي تتخلصي من معاناتك وتتوقفي عن تقييم الأمور فقط من منظورك الشخصي فتقولين أنك كنت تحبينه فماذا عنه.
أخطأت حين انكفأت على نفسك منعزلة وبالغت في هذه العزلة فإن كان الحزن رد فعل طبيعي في حالتك إلا أن شعورك بالغضب الذي ولا شك توجهين بعضه إلى ذاتك من خلال إهمالك لنفسك قبل أن يصل إلى أمك ليس له ما يبرره٬ يتعاطف الناس مع الساعي في الحياة ولكن لا أحد يستطيع أن يعينك إن لم تمدي يدك من الجهة الأخرى للناس والحياة.
لا تشتكي قسوة أمك والناس من حولك فأنت من تخلت عن حقها في الحياة لأنها لم تكن وفق مشيئتها. لماذا تعاقبين نفسك على أمر ليس بالضرورة شرا٬ نعم البنين زينة كما قال رب العالمين في كتابه الكريم ولكن عقوق الوالدين من أكبر المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا٬ ومسئوليات الصغار المادية والنفسية سبب لمعاناة كثير من الأهل. لماذا تغضبين من أمك والناس وأنت من اختارت ألا تتزوج مرة أخرى فحرمت نفسك من نعمة الرفيق في الحياة دون أطفال أو الزواج من رجل له أطفال يحتاجون من تحنو عليهم٬ وأنت من رفضت أن تكون أختا وخالة محبة تنعم مع صغار العائلة بمشاعر الأمومة.
عزيزتي ترفقي بنفسك وانشغلي بذكر نعم الله عليك وشدي أشرعتك وأبحري في الحياة وتذكري أن أمر المؤمن كله خير فمن أنجبت يعلم الله أنه يصلح حالها ومع ذلك لها نصيبها من المعاناة٬ ومن لم تنجب ذاك كان امتحانها دون أن تفقد نصيبها من رحمة ونعم الله فقط ركزي تفكيرك على ما لديك وانعمي به واعملي ليوم ينال المرء فيه ما يتمنى بمجرد التفكير فيه إن صبر على امتحانات الدنيا ودخل الجنة.
أسأل الكريم أن يعوضك خيرا مما حرمك كيف شاء وأن يعطيك فترضين ويحشرك مع من رضوا عن الله فرضي الله عنهم.... أمنوا يا قراء مجانين