إعـــــــدام مـيـت
أنا طالب جامعي عمري 21 سنة أعاني من مشاكل وضغوط نفسية كبيرة ومعقدة ومتداخلة ولا أدري من أين أبدأ قصتي، فسامحوني إن كان الموضوع غير مرتب. كنت في المرحلة الثانوية حصلت على مجموع مرتفع 97.5 % مكنني من الالتحاق بكلية الطب في العام الأول من دراستي بالكلية حصلت على تقدير جيد جداً بمجموع 79 % وانتقلت إلى الفرقة الثانية وبدأت المشكلة. كنت في السنة الأولى أقيم بالمدينة الجامعية، كنت أواظب على حضور المحاضرات وأذاكر دروسي أولاً بأول، ولكن في السنة التالية لم أقيم بالمدينة الجامعية وذلك لأنني لا أحب الاختلاط بالآخرين ولا أشعر بالراحة إلا وأنا وحدي (وسوف أشرح سبب هذا فيما بعد).
وكان سكني بالمدينة الجامعية بالعام الأول بناءً على إلحاح شديد من والدي على اعتبار أن العام الأول أحتاج فيه إلى بذل مجهود مضاعف لكي أتأقلم مع أسلوب الدراسة الجديد ولم يلح علي نفس الإلحاح في العام التالي ففضلت عدم الإقامة بالمدينة، وبعدها لم أستطع حضور جميع المحاضرات وبدأت أتغيب من المحاضرات وأحرص فقط على حضور السكاشن ولم أستطع مذاكرة دروسي بسبب الإرهاق الذي سببه لي السفر المستمر وضياع الوقت حيث أنني أبعد عن الجامعة بمسافة تقطعها السيارة في ساعتين في أحسن الظروف هذا فضلاً عن المجهود الجبار الذي اضطر إلى بذله يومياً حتى أصل لهذه السيارة بسبب تكدس المواصلات، وهذا أضعف أسباب رحلتي الطويلة مع الفشل.
السبب الأقوى هو عدم قدرتي على الاندماج في المجتمع ودائماً أنأى بنفسي وأنسحب من أي نشاط اجتماعي بل أود أن أختفي عن أعين الناس بما فيهم أهلي، وسبب ذلك هو أنني أعاني من السمنة وعندي حالة (Gynecomastia) وهذا ما يجعلني أتوارى عن أعين الناس وأشعر دائماً بالخجل وأفضل دائماً أن أظل بغرفتي وحيداً طوال الوقت لا أحب الخروج إلى الشارع مطلقاً حتى لا يراني أحد فلا أستطيع القيام بأي عمل أو قضاء أي مصلحة للمنزل، لا أزور أحد في أي ظرف من الظروف مما سبب نفور الآخرين مني بل أشعر بكراهيتهم لي أحياناً، حتى إذا زارنا أحد الأقارب بالمنزل أختفي سريعاً في غرفتي حتى لا يراني وأطلب من أسرتي الادعاء بأنني خارج المنزل أو نائم إذا سأل عني حتى لا أضطر للخروج من غرفتي للترحيب به؛
حتى أدى عدم قيامي بأي نشاط إلى زيادة مشكلة السمنة التي أدت بالطبع إلى زيادة رغبتي في الاختفاء عن الناس ووجدت نفسي في دائرة مغلقة... ولا أحضر دروسي بالكلية بل أنني عزفت أيضاً عن حضور الامتحانات وكنت أؤجل الامتحان في كل مرة حتى أدى ذلك إلى بقائي بالسنة الثانية للمرة الرابعة على التوالي، الكارثة أن أهلي لا يعلمون ذلك ويظنونني في السنة الخامسة الآن حيث أنني أخفيت الحقيقة عنهم وأوهمتهم بذلك فأنا لا أستطيع مواجهتهم بهذه الحقيقة القاتلة.
أصابني كل ذلك بحالة نفسية غريبة لا أستطيع فهمها، أحياناً أشعر بالاكتئاب الشديد، وأحياناً أخرى أهرب من الحقيقة وأجلس في حجرتي وحيداً ودون أن أشعر أسرح بخيالي في عالم جميل أرسمه بنفسي وأتخيل أنني شخصاً أسطورياً ناجحاً في كل مجالات الحياة ونابغاً في دراستي ولامعاً في عملي (عكس الواقع تماماً)، وأرى نفسي واحداً من أعظم الأطباء على مستوى العالم! بل أعظمهم على الإطلاق!!!!! وأتخيل أنني أحصل على جائزة نوبل وذلك لتوصلي لعلاج جميع حالات الأورام وقدمت أساليب فعالة وحاسمة للوقاية من جميع أنواع السرطان؛ الأمر الذي أدى إلى اختفاء هذا المرض من العالم نهائياً وتم تعييني رئيساً لمنظمة الصحة العالمية!!!!!!!!!!!!!؟؟؟!
وكنت في بداية الأمر أسرح في هذه الخيالات لا إرادياً كلما أخلو بنفسي (يعني طوال 24 ساعة) ولا أفعل أي شيء في حياتي علي الإطلاق إلا أن أهرب من الواقع المظلم الذي أعيشه وأنطلق إلى هذا العالم الخيالي الجميل الذي رسمته بنفسي ولنفسي، وكنت أشعر بلذة ونشوة كبيرة كلما أفكر في هذه الأحلام حتى أدمنت هذا الإحساس وأصبحت أسرح في هذه الخيالات بكامل إرادتي وقضى هذا الأمر على وقتي تماماً وأصبح يشبه الوسواس القـهري- (ولا أحب أن أطلق عليه-قهري-) (Obsessive Compulsive Neurosis) مما أدى إلى ضياع 4 سنوات من عمري هباءً عشتها في عالم خيالي لا علاقة له بالواقع على الإطلاق؛
وكانت تتخلل هذه النشوة الزائفة فترات أكون فيها واقعياً أفكر في واقعي فأصاب باكتئاب شديد (Major Depression)، ولكن سرعان ما أعاود الهروب مرة أخرى وأشعر بالفخر بسبب النجاح الأسطوري الذي حققته في عملي المزعوم.
وأصبحت لا أستطيع التركيز في أي شيء على الإطلاق ولا أستطيع مذاكرة دروسي أبداً، فكلما خلوت بنفسي أسرح في هذا العالم الخيالي ولا أدري هل هذا السرحان إرادياً أم لاإرادياً ولكن على أي حال انعدم التركيز لدي تماماً، وأصبحت راضياً بحالي عاشقاً لحالة الغيبوبة والانسلاخ عن الواقع التي أعيش فيها سعيداً بالنشوة الزائفة من النجاح الخيالي الذي أتصوره وعشت في هذه الحالة طيلة السنوات الأربعة المنقضية.
كما كنت أيضاً أقضي كثيراً من وقتي في ممارسة العادة السرية ومشاهدة المواقع الإباحية على الانترنت حتى أصبحت مضيعاً للصلاة بسبب ذلك وكنت أمارس العادة السرية أحياناً في نهار رمضان وأنا صائم عن الطعام والشراب وهذا زاد من إحساسي بالذنب (ضيعت صيامي وصلاتي).
وهكذا مرت أربع سنوات من عمري قضيتها في هذا الضياع. حتى اصطدمت بالواقع المرير عندما أوشك والدي أن يعرف حقيقة فشلي الدراسي حيث ينتظر تخرجي من الكلية بعد عام واحد والحقيقة أنني لم أجتاز في دراستي إلا عاماً واحداً (سنة أولى) ومازلت في سنة ثانية حتى الآن ولولا نظام التأجيل للامتحانات المعمول به في كلية الطب كان زماني مرفوض من سنتين، ولا أدري كيف تكون نظرة أبي لي عندما يضاف فشلي الدراسي إلى سجلي الطويل الملوث بالفشل في كل مناحي الحياة، بل لا أدرى كيف يتحمل هذه الصدمة وأي جريمة ارتكبها أبي في حياته ليعاقب هذا العقاب الفظيع؟! وهو أن يكون له ابن مثلي!
يعلم أبي أنني فاشل في كل شيء في الحياة وكان يصبره على احتمال حالي ظنه خطأ بأنني متفوق دراسياً وملتزم دينياً فماذا لو علم أني فاشل دراسياً أيضاً وأمارس هذه الجريمة التي قضت على التزامي الديني فأصبحت لا أصلي، لا أستطيع مواجهته بالحقيقة وكيف أبرر له فشلي؟؟
لا أدري ماذا أفعل.
أحس بالذنب تجاه أهلي وتجاه نفسي أيضاً.
أحسست أنني كائن ليس له أي قيمة في الحياة.
بل أحسست أنني لا أستحق الحياة، مما دفعني للتفكير في الانتحار ولكنني لا أملك الشجاعة لارتكاب هذا حتى الآن ولا أدري ماذا أفعل حتى أنني لا أدري لماذا أكتب إليكم فأنا أعلم يقيناً أن مشكلتي ليس لها أي حل على الإطلاق، إلا الموت..... الذي يريحني من هذه القصة التي عشتها لفترة طويلة ولا أعلم دوري فيها -مجرم أم ضحية-.
أتمنى الموت كل ثانية ولكني لا أدري متى يحقق لي القدر هذه الأمنية الغالية التي لا أتمنى غيرها الآن، ولكني حتى اللحظة لم أجترئ على أن اختم سجل حياتي الملوث بالعار والفشل والجريمة في حق كل شيء.. أفسدت علاقتي بربي وأهلي وخسرت كل شيء.
أحس أحياناً أن الانتحـــــــــار سوف يكون أفضل شيء فعلته في حياتي، وأفكر أحياناً أن هذا الأمر سوف يضيعني في الآخرة كما ضيعت نفسي في الدنيا، ولكنني أرى أن استمرار حياتي يزيد حالتي سوءاً ويزيد ذنوبي أيضاً فأرى نفسي أسقط في بئر عميق من العار والفشل والذنوب ولا أجد من ينتشلني منه.
براعتي في إخفاء حقيقة فشلي عن أهلي جعلتني محترفاً للكذب مما سبب معاناة لأهلي عندما يكتشفون كذبي عليهم في مواقف أخرى وعديدة مما أفقدهم الثقة في تماماً ولكنهم حتى الآن لم يكتشفوا الكذبة الكبرى وهي أنني في السنة الثانية ولست في الخامسة، وأصبحت أعيش حياتي كلها في كذب ورياء..... حتى أنني أصبحت أجلس مع نفسي وأفكر في أي مرة كنت صريح فيها مع الآخرين أو حتى مع نفسي فلا أجد مرة وحيدة واجهت فيها الحقيقة.
أشعر أنني إنسان جبان لا يستحق الحياة بل أشعر أنني لست إنساناً بل شيطاناً عرف كيف يخدع أقرب الناس إليه ويوهمهم بأنه شخص ملتزم وناجح دراسياً لمدة أربعة أعوام ولا أدري ماذا أفعل عندما تكتشف الحقيقة التي لابد أن تكتشف حتماً إما عاجلاً أو آجلاً (بعد عامين على الأكثر) ولا يهمني ماذا يكون موقفهم مني بل كل ما يشغل تفكيري الآن كيف يتحملوا صدمة هذه المفاجأة؟؟؟؟؟!!!!!!!!!.
أحس بذنب كبير نحوهم ولا أعرف كيف أعاقب نفسي على هذا الذنب، وما ذنبهم في أن يعيش معهم شيطان مثلي؟... وهكذا يتردد تفكيري في الانتحــــــــار بين حرمة هذا الأمر و شعوري بالخصوصية حيث أن الانتحار الذي يعد من كبائر الإثم بالنسبة للآخرين قد يعتبر بالنسبة لي أفضل شيء فعلته في حياتي؛ ولا أستطيع أن أصل إلى قرار نهائي في هذا الأمر.
آسف للإطالة ولكنني كنت في حاجة لأكون صريحاً ولو لمرة واحدة في حياتي، ولأنني لا أستطيع أن أتحدث مع أي أحد بهذه الصراحة وسمعت عن الموقع الخاص بكم من أحد الأصدقاء فقررت أن أرسل إليكم حتى أشعر بأنني كنت صريحاً ولو لمرة واحدة في حياتي. وأود أن أشكركم على هذا المجهود العظيم، وجزاكم الله عز وجل عن كل متصفحي هذا الموقع خير الجزاء. فهذه هي المرة الوحيدة التي أكون فيها صريحاً وهي المرة الوحيدة أيضاً التي أدخل فيها على الانترنت لغرض نافع.
فجزاكم الله خيراً.
16/12/2007
رد المستشار
الأخ العزيز طبيب المستقبل؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أسعدني كثيرا أن أرى هذه الومضات لشعاع ربما ينير لك بداية طريق الخير إن شاء الله بعد انقشاع ظلمة غياباتك (أو غيبوبتك) التي ظللت حبيسها وحبيس ذلك العالم الوهمي لسنوات طوال حاولت أن تقاوم فيها الرهاب الاجتماعي بأشكال عدة كالاكتئاب والخيال المرضي والعادة السرية...إلخ،
ولكن ها هي الطبيعة الاجتماعية لبني البشر تغلب عليك من جديد لتبدأ تواصلك معنا ثم مع غيرنا إن شاء الله وإن كنت أذنبت في حق نفسك بإهمال فرص علاجك، فإهمال أهلك أشد مرارة وقسوة فمن المؤكد الذي لا شك فيه أنهم أدركوا مرضك ولكن الإنكار منعهم من رؤية الحقيقة فدفنوا رؤوسهم في التراب، فلتخرجها أنت الآن ولتغسل أعينهم ليروا الحقيقة جلية كما تراها أنت الآن ولتدق باب أول طبيب نفسي لتبدأ رحلة علاجك ونجاحاتك معه إن شاء الله.
ونحن سعداء بالتواصل معك دائما...