عمار على سلم التفوق
تجربتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... حياكم الله لما تقدمونه للأمة جمعاء من الخدمات الجليلة في ظل مجتمعاتنا العربية التي ومع الأسف لا زالت تنظر بالريبة والشك، للطب النفسي وللمريض النفسي.... لفتت مشكلة عمار انتباهي كثيرا... لأنني كنت أعاني منها منذ عدة شهور مضت عندما كنت في الثانوية العامة، وقد كانت عواقب هذا وخيمة... ففي المرحلة الأولى حصلت على دراجات مرتفعة جدا أما في المرحلة الثانية فقد انخفضت درجاتي بشكل ملحوظ ولازلت حتى الآن كيف قضيت أياما أليمة خائفة من ألا أتمكن من الالتحاق بكلية الهندسة التي كنت أتمنى الالتحاق بها... وكيف كنت عصبية دائما ومنطوية كثيرا حتى أنني كنت إذا زارنا الأقارب، أغلق علي غرفتي....
هذا فضلا عن الزيادة المفرطة في وزني فتحولت من فتاة رشيقة إلى فتاة بدينة جدا OVER WEIGHT إذا صح التعبير وتختبئ وراء أي شيء أو أي شخص من فرط كراهيتها لشكلها بالإضافة إلى علاقتي التي ساءت مع أصدقائي -أصدقاء الطفولة- وعلاقتي مع أهلي وأصبحت مدمنة للشات وغير واثقة من نفسي....
كل هذا بسبب القلق فماذا جنيت من هذا كله سوى أنني أفسدت من الأمور العظام ما أحتاج إلى سنوات لإصلاحه؟!!. أحاول الآن أن أتغير فقد رزقني الله في الجامعة بأخ أكبر لي... وهو من لفت انتباهي أن سبب كل المشكلات هو القلق.... وأنا الآن نادمة على تصرفاتي تلك... وأحاول أن أحيا هذه الأيام حقا كما ينبغي للمرء أن يعيش..... الحل هو أن يقطع المرء دبر القلق منذ البداية....
عذرا على الإطالة.
حياكم الله.
11/1/2008
رد المستشار
ابنتي "سلمى"؛
تحية طيبة وأهلا ومرحبا بك على مجانين، قاتل الله القلق، ولكن وللأسف فالأهل غالبا، وفي كثير من الأحوال هم من يغرسون القلق فينا، فالأب والأم قلقان على ابنتيهما أو ابنيهما في الشهادات الدراسية المختلفة بداية من الحضانة، مرورا بالصف الثاني الابتدائي ثم الرابع وبعد ذلك الشهادة الابتدائية فالشهادة الإعدادية أو المتوسطة ثم الثانوية العامة، ثم يتخرج الطالب أو الطالبة من الجامعة: "ثور الله في برسيمه"، لا ثقافة ولا علم ولا معرفة ثم الكارثة تتمثل في أنه لا عمل أيضا وبطالة في أوساط الجامعيين!!، والطالب المتخرج محتاج لعمر جديد كي يفهم أساسيات الحياة!!،
وتعجبت من خلال قراءتي أن هذا السلوك موروث فرعوني أيضا: فأحد حكماء الفراعنة في إحدى البرديات يوصي ابنه بأن يحرص على التعليم حتى يكون موظفا في بلاط الفرعون، وأن يبتعد عن الحرف والفلاحة والجندية وغيرهم من الوظائف البعيدة عن الحكومة والدولة!!؛ وأنا إذ شجعت عمار على المضي في تفوقه فذلك لأن له هدفا ساميا ومحددا يرغب في تحقيقه ويتمناه بعد أن ينتهي من دراسته الشرعية، وليس مجرد الحصول على شهادة عليا يتزوج بها ويناسب أهل عروس طيبين؛
وأتمنى من قلبي -حتى مع ابني الوحيد- إن لم يكن يرغب في الدراسة بجدية لهدف محدد سام في حياته تنتهي به مسيرته الجامعية، فمن الأفضل لي وله أن يتعلم حرفة أو صنعة يجيد فيها ويتفوق ويثبت وجوده، وفي نفس الوقت يكون سعيدا في حياته، ومستمتعا بما يفعله سواء أكان ذلك منصبا مهنيا أو حرفيا أو حتى في مجال التجارة والاقتصاد، هذه المعادلة البسيطة التي عجز المجتمع المصري (بالذات) أن يتفهمها ومنذ عهد الفراعنة وإلى اليوم!!، تخيلوا معي لو أصبح كل شبابنا من خريجي الجامعات وحسب، فمن سيعمل في الحرف المختلفة؟!، من سيزرع الأرض ويطعم الناس؟! من سيقف على الماكينات وينتج في المصانع؟!، من سيخبز لنا الخبز؟!، من سيقود لنا الباص والقطار والمركب، من سيقدم لنا الطعام في المطاعم؟!، من؟! ومن؟! ومن؟!...
في الحقيقة نحن نكذب على أنفسنا ونتعمد خداعها، ثم نلقي بمشاكلنا على الآخرين، وهذا بالتأكيد ناتج من عدم النضج الذي نُربى عليه ثم نعاني من الآثار المترتبة عليه، والنتيجة النهائية والمنتج البشري بعد كل هذا "العك من أولياء الأمور" هو شخصيات مهزوزة قلقة مكتئبة لا تحب ما تفعل ولا تفعل ما تحب!!.
هل ننتظر تغيرا في فكر أولياء أمورنا؟!، هل نطمح من أولياء الأمور أن يتركوا لأبنائهم حق اختيار مصيرهم ومستقبلهم في الحياة، وأن يحيا الأبناء حياة يحبونها، فيستمتع من يحب العلم بالعلم، ومن يحب العمل الحرفي بعمله الحرفي، ومن يحب التجارة بالتجارة، وأن نكتفي من أبنائنا بحسن الخلق وتحصيل العلم الأساسي الذي يدعمهم ويساعدهم على مواجهة صعوبات الحياة، ومن أحب الاستزادة في تعلم مهنة معينة كالطب أو الصيدلة أو الهندسة أو التدريس فدورنا هو تشجيعه ومساعدته ودعمه كي يصل إلى ما يريد، أما فرض الوصاية على أبنائنا، ومحاولات بعض الآباء أن يفرضوا على أبنائهم تحقيق ما عجزوا هم عن تحقيقه في شبابهم فكل ذلك محصلته النهائية هي الخوف والتوتر والقلق واضطراب شخصية الأبناء.
ابنتي "سلمى"
قد يكون والداك من أهل التفهم والود، ولم يمارسوا عليك أي ضغوط في اختيارك لدراسة الهندسة أو غيرها، وأن أمر اختيارك لتلك الدراسة كان مُفوضا لك تماما، وفي هذه الحالة تصبح الكرة في ملعبك، ويصبح أمر علاجك من القلق والسمنة أبسط وأسهل، لأن الضغوط النفسية من عائلتك أقل، بل أفراد أسرتك (وبالذات والديك) يدعمونك ويشجعونك ويدفعونك برفق إلى النجاح في حياتك، وشد أزرك لتواصلي دراستك بنجاح وتفوق مع محافظتك على رشاقتك وصحتك، وأقول لك يا ابنتي أن نجاحك في حياتك كإنسانة متكاملة متزنة مُحِبة ومَحبُوبة من الآخرين أهم بكثير كثير من تفوقك في دراسة الهندسة.
ابنتي الغالية؛
أظنك الآن تفكرين في سبب عرض القلق لديك، هل هو بسبب مشاكل في التربية؟!، هل هو بسبب ضغوط عانيتِ منها منذ الصغر أو في مرحلة ما من مراحل حياتك؟!، أم هل هو متجذر في أسرتكم وينتقل وراثيا في بعض أفراد عائلتكم؟!، أم سبب القلق لديك هو خليط من تلك الأسباب؟!، أم القلق لسبب آخر لم أذكره؟!، وأنت محتاجة يا سلمى إلى إسهاب أكثر في عرض مشاكلك من قلق وسمنة وإدمان للشات واضطراب علاقاتك بمن حولك أحيانا، وأعيد وأكرر أن القلق وحده –من وجهة نظري على الأقل– غير كافٍ كي يسبب كل تلك المشاكل.
في النهاية أكرر لك جزيل شكري لمشاركتك، وفي انتظار صورة متكاملة عن مراحل حياتك وعلاقاتك مع نفسك ومع عائلتك ومع من حولك حتى أتمكن من مساعدتك.
ويتبع >>>>>: عمار مشاركة تلتها استشارة