حقاً أشعر بوحدة فظيعة
حين دخلت إلى هذا المنتدى بمحض الصدفة وتصفحت بعض المواضيع ملكت الجرأة لأكتب لكم قصتي وحكايتي بدوري فربما أجد هنا ما كنت أبحث عنه منذ سنوات. أنا فتاة عمري 20 سنة توفي والدي وأنا ابنة 6 سنوات فاضطرت والدتي إلى الخروج للعمل، لدي أخت وحيدة، كنا نعيش في منزل جدي قبل أن تحصل مشاكل عائلية فتقرر والدتي ترك المنزل ومن هنا بدأت مشكلتي. كنت في سن 9 سنوات لا أعلم ربما لم أستطع أن أنسجم مع محيطي الجديد، طوال فترة دراستي لم يكن لدي أصدقاء، كنت دائماً أفضل الانعزال والبقاء وحيدة، كان ذلك يؤلمني كثيراً خصوصاً حين أجلس وحيدة في القسم أو حين أقضي معظم وقتي في المنزل مع التلفاز؛
كنت من فرط وحدتي أخترع لنفسي أشخاصاً وهمين أحدّثهم وأتناقش معهم وأقضي وإياهم معظم وقت فراغي، حتى وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها أكلّم نفسي في الشارع على اعتبار أني أكلّم أصدقائي الذين ليس لهم مكان سوى في خيالي، فلاحظت والدتي هذا الأمر وأصبحت تلازمني كلما شاهدتني وحدي. كثيراً ما نصحني أفراد عائلتي أن أقيم صداقات وعلاقات وألا أبقى وحيدة، وأن هذه العزلة ليست في مصلحتي معتبرين أني أحبها وأنها تحلو لي! مع أنها في الحقيقة مؤلمة بالنسبة لي، ومؤلمة أكثر كلما حاولت أن أقيم صداقة مع أحد وأقابل بالرفض والصد، حتى بدأت أشعر باليأس وأقتنع أنه كتب لي ألا يكون لي أصدقاء. أكثر ما أكره في حياتي المناسبات الاجتماعية والحفلات والأماكن التي تعج بالناس؛
أشعر فيها بالملل وأبقى بعيدة جداً عن الجميع أراقب فقط، أتمنى متى تنتهي لأعود للمنزل. حتى تعرّفت منذ أربع سنوات إلى شيء اسمه انترنيت وأدمنته وعشت قصة حب من خلاله وكانت قصة فاشلة كلفتني الكثير من الأيام التي أمضيتها في الألم والدموع والحزن وزادت ألماً على ألمي، ومازلت إلى هذه اللحظة ورغم مرور حوالي سنتين على انتهاء هذه القصة أعيش تبعاتها وأحاول أن أنسى شخصاً نسيني في لحظة، وما زلت لا أستطيع وأتساءل لم لا أستطيع.. مرّت عليّ الكثير من الأوقات تمنيت لو أنني أموت، تمنيت ذلك من كل قلبي وفكرت كثيراً في الانتحار ولكن إلى الآن لم أملك الجرأة لأفعل ذلك.
لا أعلم إن كنت أبالغ في رسم الأمور،
ولكن حقاً أشعر بوحدة فظيعة تزداد كلما تعلّقت بشخص ما ابتعد عني أو كلما حاولت الاقتراب من أحد وقام بصدي.
16/03/2008
رد المستشار
لا تستطيعين نسيانه لأنك لا تريدين أن تعيشي الواقع؛ والواقع يقول أنه ليس موجودا؛ ولن يكون موجودا
فتخلقين مع نفسك "وهم" قصة مؤلمة فاشلة تعيشين في ذكرياتها أفضل من التعامل مع الواقع وهو نفس ما تفعلينه تماما فيما يخص حديثك مع نفسك؛ فأنت لا تعانين من أحلام يقظة تقحم نفسها عليك وتحاولين التفلت منها فلا تقوّين؛ وإنما أنت من تذهبين إليها بإرادتك لأنك لا تريدين بذل مجهود حقيقي؛ والفرق كبير؛ وإن كانت الحالتان تعتبران هروبا ولكن هناك هروبا "اختياريا" وهناك هروب يحدث دون "وعي" منّا.
والدليل أنك اخترت كلمة "ملل" حين تكونين في تجمع وليس كلمة "خوف" أو "توهان" أو حتى "كره" وكذلك ذكرك أكثر من مرة لمحاولات القيام بصداقات ولكنها تنتهي بالصد فسئمت ذلك أو كرهت التعامل معه فهربت إلى أحلام يقظتك التي يتصور البعض لأول وهلة من حديثك حولها أنها بدأت تأخذ الشكل المرضي الذي يخافه الأطباء النفسانيون حين تؤثر على التواصل الحقيقي بين البشر في الواقع أو تعزله ولكنني أرى العكس، فلقد تواصلت مع صديقات من قبل ولكنك لم تحظي بالقبول، وتواصلت في قصة حب لمدة طويلة نسبيا ولم تحظيْ بالنجاح، فقررت الهروب بمحض إرادتك لعالم تخلقينه على هواك لا تبذلين فيه مجهودا!!
إذن أرى أنه حان الوقت لتواجهي حياتك الواقعية ويصبح السؤال الأكثر أهمية هو لماذا لا تحظين بصداقات حقيقية ولماذا لا تحققين فيها نجاحا؟ وعليك أن تفكري كيف تنجحين في إقامة علاقة صداقة حقيقية ولا اقصد أن تكون بالضرورة قوية وعميقة ولكن صداقة فيها تفاعل مع بشر حقيقيين يتعاملون معك في الحلو والمر كما نقول؛ وسأضع يديك على عدة نقاط هامة لتفكري فيها بجدية:
... ما دمت أرسلت مشكلتك فهذا يعني أنك سئمت الهروب وتودين العلاج منه وهذا نذير خير فاصمدي وأكملي مشوار التغيير.
... فكرة "البروفة"مع أنفسنا ومع الآخرين فكرة تساعد على التقدم وتحقيق الإنجاز ولقد أهدى الله لك والدة محبة وأخت –فتاة وليست ذكرا– يسهل التفاهم معها، وأقارب يهتمون لأمرك كما ذكرت فاجعليهم بروفتك الشخصية للتواصل الحقيقي على أرض الواقع، فما المانع في الذهاب إلى أقاربك بين الحين والحين والانغماس في تواصل معهم؟؟ أو مرافقة أختك في بعض أنشطتها أو الذهاب لرحلات؟؟؛
ولتستخدمي أحلام يقظتك الاستخدام الصحيح -بروفة مع نفسك- بأن تتصوري فيها موقف من المواقف التي تعاملت فيها بطريقة لا ترضيك وتعالجينها في أحلامك لتطبيق التصرف الأفضل في المرة القادمة في الواقع؛ ولتستخدمي مراقبتك للناس استخداما "ذكيا"؛ ليس فقط "للمشاهدة" الصامتة ولكن "للتعلم" فتتعلمين كيف يدور الحوار؛ كيف تبدئينه؛ كيف تتحلين بالابتسامة والود؛ كيف تضفين على نفسك خفة ظل؟؛ وهكذا.
... الصداقة شيء ثمين في حياتنا نحتاج لدفع ثمنه للحصول عليه؛ فلن يهبط علينا من السماء دون بذل مجهود له لأنه احتياج فطري للشخص السوي ولقد تحدثنا في موقعنا عن الصداقة وكيفية التعامل معها واكتسابها وكيف نكون محبوبين؛ فأرجو قراءتها والاستفادة منها لأنها تعنيك وتحتاجينها.
... أحياناً نأخذ أنفسنا باللين لدرجة مستفزة تجعل طريق تغييرنا للأفضل طويلاً لدرجة السخافة أو للدرجة التي تسبب لنا الاكتئاب والإحباط من نسبة التغيير الحادثة؛ لأنها قليلة وتحتاج لميكريسكوب لرؤيتها وهذا ما يحدث معك فأنت تعانين من بطء التحرك نحو حياة أجمل وكأنك تسيرين في مربع محدود المساحة منذ أحد عشر عاماً! وبدأت علامات الاكتئاب تظهر بوضوح حين تفكرين في الموت وتتمنينه.
فلتأخذي نفسك بشيء من القوة "المنضبطة" لتزيدي من معدل التغيير بحق في حياتك كأن تشتركي في "جروب" نشط على النت يقوم بعمل أنشطة وتتواصلين معهم على أرض الواقع؛ أو زيارة والدتك في موقع عملها والتعرف على بعض زميلاتها وبناتهن مثلاً وهكذا.
... من الفشل تتولد فكرة الإصرار على النجاح فلا تتصوري أنك ستصبحين في يوم وليلة تلك المتحدثة اللبقة التي تتواصل مع البشر ولكن سيحدث فشل؛ وسيحدث نجاح ولو جزئي، وستقاومين نفسك للخروج من أحلام يقظتك فتنجحين تارة وتفشلين مرات فحين يحدث ذلك اعلمي أنك بدأت تخطين نحو التغيير فاستمري ولا تعجزي
وأصري أكثر لأنك بالفعل تستطيعين خاصة إذا جعلت ثلاثتنا -نحن ووالدتك وأختك- قوة دعم لك.
... أنت في العشرين من عمرك فما أجمله سن! فغدا ستكونين عروسا وبعد غد ستكونين أما؛ فعليك أن تستعدي لتلك الأدوار الجميلة لتنجحي فيها إن شاء الله والتي تحتاج منك أن تبدئي في التأهل لها من الآن لتتواصلي مع حياتك الحقيقية التي تنتظرك مع زوج محب وأبناء أسوياء..... هيا لا تتأخري.