الأساتذة الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا متعلق بامرأة مطلقة وقد استشرتكم فيما سبق عن رغبتي في الزواج بها، ولكن اليوم لا أريد مناقشة هذا الموضوع، بل مناقشة مشكلة كبيرة أعاني منها، وبسبب ظروف لا أريد ذكرها هنا لطولها. المهم أنني تزوجت من فتاة أخرى ولكن لم أستطع نسيان تلك المرأة وهي زميلتي في العمل، وقد تحوّلت حياتي بسبب تعلّقي بها إلى جحيم لا يطاق (وليس بسببها)، فأنا أقر بمسؤوليتي الكاملة عن حياتي. وأيضاً أحلت حياتها هي إلى جحيم، والسبب في ذلك غيرتي الشديدة، فهي تتمتع بجمال وكثير من النماذج المريضة متى ما رأوا امرأة جميلة حتى يلتصقوا بها وكأنهم ما رأوا امرأة في حياتهم! وهي تلقائية في تعاملها مع الناس، فأتشاجر معها كثيراً ولا أريد لها أن تتعامل مع هذه النماذج (القذرة). هذه فقط صورة من المشهد حتى تعرفوا الجو الذي أعيش فيه.
وهنا وقفت مع نفسي وحاسبتها فأنا رجل متزوج فلماذا لا أخرج هذه المرأة من حياتي وأنساها وأتركها في حالها؟! وأخيراً جاء رجل لخطبتها يريدها زوجة له، وهو مقتدر مادياً، وهنا جنّ جنوني وتحوّلت حياتي لعذاب وأقسمت عليها أنها لن تتزوجه حتى لو أدّى بي هذا الأمر إلى قتلها أو قتله. تصوروا وصلت إلى هذا الحد من سوء الحال! وأنا اليوم أريد شيئاً واحداً فقط: أن أتخلّص من تعلّقي بها (كلما تخيلت أنها تزوجت هذا الرجل أو غيره وأنها تنام في حضنه أدخل في حالة هستيريا وحالة عصبية تكاد تصل بي إلى الجنون، وأخشى على نفسي من ارتكاب حماقة لا تحمد عقباها)، وعرفت أن هذا ربما لا يكون حبّاً بل تعلّقاً مرضيّاً يتحكم بحياتي ويتركني فريسة لوساوس شيطانية (وأنا أعني حقاً ربما وصل بي الأمر إلى القتل)، وأتخيّل حياتي دونها جحيماً لا يطاق. والآن أنا في إجازة طويلة حتى أناقش نفسي وأبتعد عن أي تشويش يعيقني عن النظر إلى الأمور بوضوح واتخاذ قرارات سليمة. أنا أعلم أن هذا غير منطقي وأنه ليس حبّاً بل تعلّقاً مرضيّاً، والسؤال: كيف أتخلّص منه؟ وكيف أحيا في سلام داخلي؟ وكيف أحيا حرّاً لا أتعلّق بإنسان تعلّقاً يهدد حياتي؟.
والشق الثاني من الاستشارة أنني لم أوفق في زواجي واخترت فتاة لا تناسبني، وذلك نتيجة ظروف يطول شرحها، والمشكلتان مرتبطتان ببعضهما. ففي ظل ظروف اجتماعية قاسية تزوجت هذه الفتاة وقلت لنفسي ربما الزواج يهدّئ من اضطرابي وربما ممارسة الجنس الحلال يخفف من حالة الرومانسية التي أعيشها، ولكن صدمت صدمة كبيرة عندما اكتشفت منذ أول ليلة لزواجي أن هذه الفتاة لا تناسبني على الإطلاق.
أنا لا أريد أن أضع اللوم عليها فهي تحبني كثيراً وتلبّي لي كل طلباتي ورضيت بوضعي الاجتماعي وتفعل أي شيء لإرضائي ولكن... زوجتي لا تثيرني جنسياً على الإطلاق! فصدّقوا أو لا تصدّقوا أجد في نفسي الرغبة الجنسية كبيرة وعندما آتي إليها لا أجد أي رغبة في معاشرتها بل أنفر منها. ولم أشعر بمتعة الجنس إلى اليوم بعد مرور عام على زواجنا، فأنا بين نارين؛ نار العشق والتعلّق المرضي بامرأة لا أستطيع الوصول إليها، ونار كراهيتي لزوجتي ونفوري منها، وأنا أظلم الاثنتين معاً وأظلم نفسي في هذا الوضع الحرج. ووضعي الاجتماعي معقد؛ فلا أنا أستطيع تحمل استمرار الزواج ولا أستطيع تحمل نتائج الطلاق، وأنا أقرّ بأنني أنا المسؤول المسؤولية الكاملة عن وضعي هذا، ولكن أبحث عن حلول ولهذا لجأت إلى استشارتكم في مشاكلي العويصة هذه.
وأعتذر شديد الاعتذار عن الإطالة وربما أيضاً عن سردي هذا الذي ربما يعكس اضطرابي.
ولكم مني جزيل الشكر.
04/09/2008
رد المستشار
سأغض الطرف عن تهديدك بقتل شخص ما حتى وإن تصورت أنك قادر بالفعل على ذلك لأنه مجرد انفعال غير مسؤول، وسأفعل ما تتمناه وهو التفكير بهدوء، والتفكير الهادئ يصرخ لك قائلاً: أنك تعيش أحاسيس مصطنعة ليست حقيقية؛ فلا أنت أحببت زميلتك ولا أحببت زوجتك ولا حتى تكره زوجتك، فقط أنت أناني، تريد أن تأخذ كل شيء تأخذ ما تتصوره حب من زميلتك وتعيش حالة الحب بحذافيرها فتغير وتحاسب وتأمر، وتعيش الزواج فتأخذ من ترضى بحالتك الاجتماعية وترضيك وتشعل لك أصابعها شمعاً وتحاسبها ولو ضمنياَ أنها لا تحقق لك حياة جنسية ممتعة شيقة وكل هذا لأنك لا تعرف العطاء!.
ورغم أنك تقول طوال سطورك أنك "مسؤول" عن وضعك الحالي وعن زواجك إلا أنك لا تعرف معناها! فما معناها؟ هل معناها هو الاعتراف بأنك مسؤول؟! فأين الفعل المسؤول؟ أين التفكير المسؤول؟ أنا لا أرى أنك ضحية تعلق مرضي كما تتصور ولكنك ضحية رغباتك التي تريدها دون أن تفعل شيئاً حقيقياً للحصول عليها أو حتى تقديرها، ولكي أوضح لك أكثر دعني أسألك ماذا فعلت لتحظى بمن تتصور حبها؟ ماذا دفعت لهذا؟ ماذا فعلت لزوجتك التي لم تتحدث عنها إلا بكل خير تقديراً لها؟ فبدلاً من أن تكون مسؤولاً بحق تركت نفسك لنفسك تشتهي وتريد أشياء دون أن تفعل شيئاً لتحقيقها، بل وتحاسب الآخرين على عدم قيامهم بما يحقق رغباتك فتحاسب الزميلة على تلقائيتها في التعامل مع من لن يتزوجوها لأنهم فئة قذرة، وتمنع عنها الزواج ممن يريدها بالحلال لأنك تغار! وتحتقر ما تبذله زوجتك وتراها مقصرة في علاقتها الخاصة معك وتحملها كل التقصير، فلتراجع نفسك كما تقول ولكن مراجعة منصفة تعرف فيها وضعك بحق ونفسك بحق وتحاول أن تعطي لمن يستحق منك العطاء؛
أولهم نفسك، فأعطها متنفساً لترى حقيقتها بوضوح فترى عيوبها دون تلفيق أو مغالطة لتبدأ معها مشوار التغيير حتى وإن أخذ وقتاً وجهداً.
ثانيهم زوجتك الحنون، فلتتذكر أنها رضيت بك وهي تعرف أنك لست فتى أحلام الفتيات ولست أفضلهم اجتماعياً ولكنها أحبتك وأعطتك كل ما يمكنها أن تعطي، فلتنظر لها نظرة جديدة بعيداً عن الانشغال بالأحاسيس المصطنعة، فأنت رجل مسؤول وصرت راعياً لزوجة وبيت، وتركك لنفسك مشغولاً بما ليس حقيقياً يجعلك تغرق أكثر، ولن تنجو إلا إذا رأيت الحقيقة واتفقت مع نفسك أن تُعلي من إرادتك لتخط بيديك حياة تتمناها وترضى عنها، وكلما راودتك نفسك بالحنين المصطنع لزميلتك قل لها هي ليست لي ولن تكون فقط أنا أدمنها، ولكن تلك الزوجة الصبور الحنون هي من أملكها الآن فلتحدثها عما تتمنى في علاقتك الخاصة بها وساعدها عليه وهي لن تضن به، فقط أشعرها أنها موجودة في حياتك وستجد عجباً، وسأترك لك عدة نقاط لتفكر فيها:
.. لقد حاولت كثيراً أن تحافظ على وجود الزميلة والزوجة في حياتك فهل ارتحت؟ إذن هذا البديل ليس مفيداً.
.. ما هي رغبة زميلتك؟ هل تحبك؟ هل تريد الزواج منك؟ وان كانت تريد الزواج منك فلماذا وافقت على آخر؟.
.. علاقتك بزميلتك ليست علاقة تعلق ولكنها علاقة إدمان لم تجرب بحق أن تتخلص منها؛ فهي معك من قبل الزواج وأثناءه وبعده، فكيف سترى زوجتك بعين أخرى؟ ويمكنك القراءة في كيفية التخلص من إدمان العلاقات والتي تبدأ بقرار صارم بعدم التواصل معها حتى وإن اضطررت لترك عملك معها والعمل في فرع آخر لعملك أو ما شابه، وأن تذكّر نفسك بالبديل المر وشغل نفسك بأنشطة تهواها ولا تترك نفسك كثيراً للتفكير فيها حتى تقطع خطوط الرجعة وتفتح قلبك ونفسك بحق لبدء حياة حقيقية مع زوجتك تشاركها فيها الفرح والمسؤولية.
.. الحياة خيارات وعلينا أن نختار الأقل سوءاً لنا وأنت لن تختار الطلاق ولن تستطيع الزواج بزميلتك فلتفكر في أن تحيا حياة طيبة مع زوجتك حتى وإن تصورت أنك لا تحبها، فالحب يبدأ بأن ترى حلو خصالها وترويه بمحبتك وعطفك وحنانك لها فتجني الكثير من الراحة والسعادة وكذلك..... الحب.
.. إن كنت وقعت فيما أنت فيه فلا تقع في الظلم، فزوجتك لا ناقة لها ولا جمل فيما حدث ويحدث.