الطبيب النفسي ونقص الإيمان
منذ المرحلة الإعدادية اتضحت لدي سمات الشخصية القسرية من تضخيم للأحداث وحساسية عالية وعدم المرونة والاجتهاد في الدراسة والروتينية، وكان الأهل والناس يعتقدون أن تلك هي الشخصية المحترمة المتفوقة، ولكن الحقيقة أني لو وضعت في موقف ما يظهر الخجل وعدم التفاعل الاجتماعي. كان الهدف الوحيد أن أصير طبيباً وهو ما شغل تفكيري تماماً، ثم في المرحلة الثانوية وسن المراهقة اهتممت بالجانب الجنسي دون ممارسة العادة السرية، فلا أحد من زملائي وجهني إليها ظناً منهم أني شيخ!.
حصلت على مجموع 94 في الثاني ثانوي وبدأ الكلام في أن أحوّل علمي رياضة أفضل، أصبت بتردد واكتئاب وعدم استقرار ودخلت سنة دراسية صعبة جداً، بدأت وساوس كبيرة وكثيرة، أحسست أني مررت بكل الوساوس في تلك السنة؛ وساوس أني أشعر بالضيق لأني حوّلت وعدم قدرتي على الاقتناع بذلك، وتدريجياً إلى وساوس أمراض، وطبعاً لا أحد يعرف أن ذلك وسواساً قهرياً. كانت سنة عذاب وكان أهلي قلقون جداً -كنت في الثالث ثانوي- وخائفون على مستقبلي. في يوم جاءتني وساوس أني مريض بالسكري وقلت لوالدتي وبعدها تناسيت الأمر، لكن أمي نصحتني بأن أجري تحليلاً مخبرياً لعلي أرتاح، وأراد الله أني مصاب به فعلاً.
كنت حين أتحمس أذاكر، والحمد لله سترني ودخلت الهندسة، لكن ظلّت وساوس القلق والتوتر والحساسية للوساوس بعد ذلك. كانت الدراسة في السنة الأولى في الكلية سهلة نوعاً ما، لكن السنة الثانية صعبة فكان القلق كبير جداً وخصوصاً أيام الامتحانات. قبل السنة الثالثة بدأت أدخل على النت، المهم وجدت كتب الدكتور مصطفى محمود وبدأت وجهة روحانية من حب صلاة وأنس بالله، حتى قرأت مقال "علم نفس قرآني" للدكتور مصطفى، وصلت لقمة الروحانية والتعلق بالله وبدأت أغيّر وجهة نظري لحاجات كثير وأتغلب على الوساوس، وأقدر على التعفف ليس فقط عن الجنس بل أيضاً عن بنت الجيران التي كانت تلفت انتباهي وأحاول العبور من أمام بيتهم لأراها.
لكن المشكلة التي واجهتها خلال هذه التجربة الروحانية هي الغلو، وكان هدفي أن أصير مخلصاً لله بالتدريج وأتخلص من أي قيد عليّ لأكون حراً وعبداً لله، حتى جاءت امتحانات أعمال السنة والمفروض -كما يحصل معي في تلك المواقف- أن أتوتر وأذاكر بخوف أيام الامتحانات، لكن بعد تلك التجربة الروحانية التي تملكتني قلت كيف أخضع لشيء كالامتحان، فلم أذهب! وأهلي لم يضغطوا عليّ في الفصل الأول.
في الفصل الثاني اضطررت أن أذهب للكلية لكن كنت بلا هدف، وشعرت أني فشلت في الحفاظ على مبادئي، وفقدت الحالة الروحانية، وطبعاً عرفت أني سأعيد السنة، وصرت أهتم بالجنس، ومارست العادة السرية... كنت أحاول البكاء بعد ممارستها وأقول لنفسي كيف وصلت لتلك الحالة الروحانية وأعود لممارستها؟! كنت أحاول استعادة الحالة الروحانية التي وصلتها، لكن شعوري بالفشل في المحافظة على مبادئي، والإحباط كان يعيقني. ثم بالتدريج هداني الله أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وأن أرضى بما أصابني وأبدأ منه بفطرة من غير تنطع ولا تشديد، ومع الوقت شعرت أن أحاسيسي ما عادت طبيعية ورد فعلي العاطفي الطبيعي لم يعد موجوداً، وأحياناً أحس أن دماغي يريد الهرب!.
ما التشخيص؟ وهل أحتاج مراجعة طبيب قبل أن تتدهور حالتي؟ مع العلم أني بعد التجربة الروحانية كنت أريد الثبات على بعض الأمور كألا أشكو لأحد لأني بذلك أفقد اعتمادي على الله وأحس بفقدان الهوية، حتى صرت لا أقول لأحد عن أي شيء، ولا أريد مراجعة الطبيب لذات السبب، ولأني لا أرغب في أن يتوسع الموضوع وأفقد العلاج المعرفي الذي أصل إليه بالتدريج، وهو قائم على علاقتي بالله من إيمان ورضى بالقضاء وحب للعمل. حين أصارح حداً بشيء أشعر أني أفقد تلك الأشياء الإيجابية التي حققتها، والحديث يقول: "إذا سألت فاسأل الله" هل هذه حالة مرضية أم أنه من الإيمان؟ مع أن المفروض أن المؤمنين أولياء بعض، لكن أشعر متى ما لجأت لأحد أني سأفشل وأفقد اعتمادي على الله. هل أنا أحتاج لعقار حتى لا يتحول الوسواس لفصام؟.
والسؤال الثاني: مشكلتي أني أحس أني إن تحدثت مع أحد أو مع الطبيب فإني سأضيع وأفشل!. الأعراض الحالية الرئيسية هي: عدم الطبيعية في المشاعر؛ إذ صرت متبلداً ومتردداً: مثلاً لا أعرف إن كنت أريد تناول الطعام أم لا؟ هل أصنع الشاي أم أني لا أريد؟ وحين عرفت أن عريساً تقدم لخطبة البنت التي كنت أحبها لم أحزن ولم أفرح... وهكذا تردد في العاطفة، وأحس أن دماغي أحياناً يشرد. وهذه الأحاسيس تأتي أحياناً وتغيب أحياناً أخرى، لكن لم لدي أي مشاعر جديدة فيها حماس.
هل يوجد في المنصورة طبيب أراجعه؟.
هدانا الله وإياكم.
19/04/2009
رد المستشار
الأخ العزيز "محمد"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عذراً للتأخر في الرد فقد سقطت مشكلتك مني بسبب كثرة السفر، ولولا تذكرة الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي لي لتأخر الرد أكثر.
بخصوص مشكلتك، فكما ذكرت ظهرت عليك سمات اضطراب الشخصية الوسواسية مصحوباً بالكثير من الوساوس وبعض الأفعال القهرية، ولا أدري إذا كان ذلك مصحوباً باضطراب وجداني (مزاجي) ثنائي القطب، فلا بد لتحديد ذلك من إجراء مقابلة إكلينيكية و يفضل أن تكون بصحبة أحد من الأهل.
أما بخصوص تعارض ذهابك للطبيب مع الاعتماد على الله، فهناك فرق بين التوكل والتواكل ومن أسس التوكل السعي للعلاج (تداووا فإن لكل داء دواء) (ما خاب من استخار وما ندم من استشار).
قد تحتاج للعقاقير وذلك للعلاج وليس لمنع تحولك إلى فصامي، ولكنها ليست كافية وحدها فأنت تحتاج معها إلى علاج نفسي، وغالباً ما سيأخذ فترة طويلة نظراً لعمق الاضطراب في شخصيتك، لكن من طلب العلا سهر الليالي، ومن طلب التداوي صبر على الدواء.
أهلاً وسهلا بك دائماً على مجانين، وعذراً لتأخر الرد.
ويتبع ...................: الطبيب النفسي ونقص الإيمان م