يا راجل حرام عليك
عند دخولي إلى البيت أبقى صامتاً..!؟
لقد قرأت رسالة الأخ العزيز وأنا أشاركه في نفس الأمر مع فارق السن بيني وبينه، فهو ما زال صغيراً وما زالت الدنيا أمامه ليتعلم منها، أما أنا فلم يبقَ من العمر بقدر ما عشته، ورغم ذلك وحتى الآن لا أستطيع التحدث مع الآخرين في أي شيء! وإذا شاءت الظروف ووقفت مع بعض الأصدقاء أو الأقارب أقف صامتاً ولو حتى لمدة الزيارة، وإذا تكلمت فكلامي كله سخيف وبلا معنى. وإذا استمعت لحديث بعضهم بعد أن ينهي حديثه أنسى في أي موضوع كان يتحدث! رجاء أريد الحل، مع أنني لم أجد أي حل، ثقتي بنفسي معدومة مع أنني متزوج ولي 3 أولاد.
عند دخولي إلى البيت أبقى صامتاً وإما أنام أو أشاهد التليفزيون، وطبعاً لا أستطيع الخروج لأني لا أدري لمن أذهب! وإذا رحت لأحدهم أجلس صامتاً لا أتكلم معه أو أحفظ كلمتين أقولهما وبعدها أسكت!!.
ساعدوني،
أرجوكم أريد الحل.
13/4/2010
رد المستشار
لقد أسكنت عدوك داخل نفسك دون أن تدري منذ فترة! بل وظللت تغذيه يومياً حتى ثقل وزنه وصار يفرض آثاره عليك من انطواء وصمت! فعدوك صنعته من أفكارك السلبية التي يملؤها التشاؤم، والأفكار السلبية كما أوضحها علماء النفس حيث تأتي من ثلاثة أخطاء وهي: توقع الأسوأ -سأتحدث حديثاً تافهاً غير ذي معنى-،
والاستخفاف بقدرة الإنسان -وماذا سأقول يعني؟-،
والنظرة الدونية للنفس -كلامي تافه وفارغ-!
وإليك هذه المفاجأة التي لا يعلمها الكثير من البشر وهو: أن العقل أو المخ يعمل على تحقيق ما توصله له من قناعات وأفكار وتصورات؛ فحين تفكر بأنك ستخفق أو أنك لن تستطيع فعل كذا، فالذي يصل للمخ هو أنك ستخفق ولن تستطيع! فيتعامل مع تلك الفكرة وتلك القناعة على أنها "هدف" يجب تحقيقه!، لذلك تجد تطبيقاً نفسياً هائلاً في الصحة النفسية يوضح أن التعامل الصحيح مع النفس لتنجو من هذا المأزق يبدأ بالفكرة، فهناك متوالية تقول: أن التفكير يؤثر في المشاعر فتؤثر المشاعر بدورها في التصرفات (السلوك)، فتسري التصرفات في اتجاه تحقيق الفكرة الأولى فتتحقق النتيجة وفقاَ لها!، فكرة ــ مشاعر ــ تصرف ــ نتيجة. فأنت تحين تفكر أنك ضئيل، مهمش، تنتقل الفكرة للمشاعر فتشعر بضآلتك وضعفك فتتصرف (لخبطة/ كلام قليل/ كلام خطأ/..) وتكون النتيجة هي فعلاً تحقيق الفشل، وتظل في تلك الفكرة مرة تلو الأخرى. والسؤال المهم الآن: ماذا تفعل في ذلك بعد أن فهمت؟ الحل سيكون بطريقتين:
الأولى ذاتية (منك) والثانية خارجية (لك)، وسأبدأ بأهم الطرق الذاتية وليست كلها في شكل نقاط:
* أن تقرر أن تقاوم التفكير السلبي بنفس طريقة نشأته؛ فتعدّل طريقة تفكيرك، وسيبدأ ذلك بحوارك مع نفسك، ومناقشة تلك الأفكار لتحولها لطريقة تفكير سليمة أو كما نقول ايجابية ومشرقة، فحين تجد نفسك تقول سأفشل أوقف تلك الفكرة، وقل لا بل هي فكرة زائفة وغير منطقية، فأنا موظف وزوج وأب، لدي أعمال جيدة، لدي أصدقاء، ولن يحدث التغيير مرة واحدة ولكنه بتكرار هذا التعامل وهذه الطريقة في التفكير ستدمن تلك الطريقة فتصبح طريقك للنجاح وتحقيق الأحلام، وسيحدث فشل أثناء تلك الفترة فلا تقل لنفسك ستفشل ولكن قل أن النجاح يأتي من التكرار والمحاولة، وأي شخص ناجح تراه عملاقاً في مكانه قل لنفسك أنه في بدايته كان مثلي وكان يتعلم من تكرار محاولاته وبهذا التكرار كوّن الخبرة والنجاح، وهكذا.
* أي فكرة تجدها فيها تعميم أو وجوب فاعلم أنها فكرة سلبية فمثلاً: كل الناس أشرار أو يجب عليّ النجاح دائماً، فهذه أمثلة لأفكار سلبية خطأ؛ ليس هناك شخص ينجح دائماً ولا يفشل في أي شيء على الإطلاق.
إذن أريد أن أقول: أن التدريب على مناقشة الأفكار واستبدالها أفكار إيجابية بها سيكون له دور البطولة في تغيير نظرتك ومشاعرك وبالتالي تصرفاتك، وأخيراً النتائج التي ترجوها من نفسك.
أما أهم الطرق المساندة الخارجية فهي:
- الجلوس مع رفاق في سنك يتسمون بالثقة بالنفس والجرأة، فالثقة بالنفس يمكن اكتسابها ويسري عليها قانون العدوى، فهي كالفيروس ينتقل بمرور الوقت من شخص لآخر بالاحتكاك الوثيق.
- أن تجعل بينك وبين نفسك تدريباً متدرجاً لك في لقاءات أو جلسات مع من هم أقل منك خبرة أو نشاط لتتحدث أمامهم أو تتخير بعض المواقف البسيطة لتكون تدريباً عملياً لك على التحدث أمام الأشخاص الذين تشعر نحوهم بضآلتك (لا تنسَ مقاومة الأفكار السلبية).
- زود نفسك بالقراءة والثقافة العامة.
- قم بنشاط رياضي فهو يزيد شعور الثقة بالنفس والاسترخاء عموماً وكلما نجحت في نشاط رياضي زادت ثقتك بنفسك، أو أي هواية أو عمل تطوعي تهواه.
- الالتحاق بدورات أو تدريبات تكسب الثقة بالنفس ومهاراتها؛ حيث يكون بها العديد من التدريبات الجماعية المفيدة.
- اعمل جدول مكافأة وتعديل تكتب فيه مهام كل أسبوع ولتقسمه من الداخل (بدرجات) مثلاً: مقاومة الفكرة السلبية كذا (سمِّها)، التدريب الفلاني (سمِّه)، المكافأة (شيء تحبه جداً وتنتظره)، التعديل (فتقرر فيه سبب الضعف لتتفاداه وتتدرب عليه في المرات القادمة).
وأرجو أن تتذكر تلك الحقائق؛ أن الناجحين لم يولدوا ناجحين ولم يولدوا واثقين من أنفسهم لكنهم حاولوا مرات ومرات، فما عليك إلا أن تستمر في المحاولات، والفرق بينك وبينهم ليس في أنهم لم يفشلوا، بل الفرق كان في طريقة استقبالهم وتصرفهم تجاه الفشل، وأن الناجح ليس إنساناً لا يخطئ! ولو ركزت في جلساتهم أو حديثهم فستجد لهم أخطاء ولكنك لم تكن تراها، كما أن الثقة بالنفس مشكلة نفسية ولها آثارها وليس الجنون وحده هو المشكلة النفسية، ووقوعك في مثل تلك الحالة قد يرجع في الأصل لطريقة تربيتك فالتربية القاسية أو التربية المسيطرة أو التربية التي يكون فيها حماية زائدة من الوالدين أو التربية التي يغلب عليها الانتقاد تكون مناخاً مناسباً جداً لضعف الثقة بالنفس والشعور بالنقص.
هناك نوعان من البشر أحدهما يكتسب ثقته بنفسه من داخله حين يعتمد على طريقة التفكير السليمة ويكسب شخصيته المزيد من القدرات والمهارات فلا ينتظر تقييم الناس من حوله (وهذا ما أدعوك أن تكون عليه)، والآخر يقيّم نفسه من رضا ومدح الناس عليه؛ وحين لا يجد ذلك تنهار ثقته بنفسه ولا يشعر بوجوده وهذا ما يفسر خوفك من كلام الناس عنك وأنك تجعل لهم قيمة هائلة في تقديرك لنفسك.... فانتبه.