هل في العلاج النفسي أمل في الشفاء؟
وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، عيدكم مبارك سعيد وكل عام وأنتم بخير، أصبت باكتئاب نفسي مصاحب للقلق منذ سنة 2004، والطبيب النفسي الذي استشرته أول مرة ضيـع علي فرصة الشفاء آنذاك حيث أعطاني عقار الباروكستين لمدة شهرين فقط (عندها بدأت بالتحسن) ثم سحبه لي في شهرين آخرين فعادت لي الانتكاسة ومنذ ذلك الحين إلى الآن جربت أكثر من 15 نوع من مضادات الاكتئاب وزرت أكثر من 8 أطباء نفسيين، لكن ليومنا هذا لم أستطع الخروج من المحنة...
وخلاصة تجاربي مع مضادات الاكتئاب بعد الانتكاسة، هو أن الأدوية التي تؤثر على السيروتونين انتقائيا هي التي كانت ولا تزال تتحكم بحالتي شيئا ما. ولكن كان دائما يحصل شيء غريب، وما إن يبدأ الماسا في التأثير في غضون شهر حتى أستشرف الخلاص ويقوى أملي في الشفاء ثم تدوم حالة تـولد الأمل بعض الأيام فأشعر كأن الدواء أخذ منحنى آخر غير مرغوب فيه فتعتريني حالة قلق دائمة تذهب عني النوم بصفة شبه نهائية...
ولكي أوضح الأمر أكثر، أركز على نقطتين مهمتين بالنسبة لي: أولا فقد جربت مثلا سنة 2006 عقار الإفكسور فوقع لي ما ذكرته ثم اضطررت لأخذ مضادات القلق حتى أستطيع النوم وبقيت على تلك الحالة أكثر من 8 أشهر وأنا أنتظر عسى أن أتجاوزها لأنعم بالشفاء.
ثانيا كنت ولا زلت متحيرا من أن التجربة الأولى مع الباروكستين كانت ناجحة 100% لولا أن الطبيب ارتكب فظاعة فأوقف عني الدواء في ظرف شهرين من العلاج فقط؛ ثم لما عاودت أدوية الم.ا.س.ا كلها بعد الانتكاسة (الباروكستين – الإفكسور – السيرترالين – سيبراليكس) يقع لي ما قد وصفت... هذا ولما حصل عندي يأس من الأدوية في سنة 2009 وأوقفتها كلها انتكست انتكاسة خطيرة جدا كنت على وشك دخول المستشفى وترك العمل... بل قمة المعاناة لدي آنذاك لما طالبتني نفسي بالانتحار، أسأل الله العافية...
هذه باختصار وتوضيح شديدين مشكلتي النفسية المزمنة التي تعيقني في حياتي كلها، وسؤالي هو هل بعد هذا كله لي أمل باق في الشفاء؟ الأمل في الله عز وجل لا ينقطع، لكن أنا أتكلم عن الأسباب؛ يعني هل يمكن للعلاج النفسي أن يشفي حالتي نهائيا...؟ علما أني عملت تحليلا نفسيا لمدة 3 أشهر سنة 2006 (دون جدوى)؛ ثم علاج معرفي سنة 2007 (لكن لم أستطع المتابعة نظرا لحالة الاكتئاب التي لم تكن تتحسن). وما هي في نظركم طبيعة هذا العلاج؟ وكم مدته؟ وماذا يتطلب مني؟ وكيف يعمل؟
أخبركم أني طلبت علاجا نفسيا منذ قرابة 6 أشهر مع طبيب نفسي ذا صيت عربي ودولي وتجربة طويلة في العلاج النفسي، لكن لا أخفيكم أني ما زلت محبطا من الطريقة التي يتعامل فيها مع حالتي. لم أستشف منه منهجية في العلاج، اللهم أننا نتكلم في أمور متفرقة حول حالتي وأكون أنا دائما المبادر بالكلام وهو لا يعلق... ولما سألته مرة في شدة ما أعاني منه، أجابني بأن ما علي إلا الصبر وحتى أنه لا يعطيني الأمل وأن اضطرابي هذا مصدره بيولوجي...
اعذروني سادتي على الإطالة، وأسعفوني بإرشاداتكم وتوجيهاتكم وآخر سؤال هو: علما أن ظروف حياتي الآن جد جيدة ولله الحمد حيث أني متزوج ولدي طفل ومنزل اقتنيته وعمل جيد وأتابع دراستي العليا وأمارس الرياضة (رغم الصعوبات النفسية)، ماذا يغير في الأمر إذا ما عرفت -بعد علاج طويل وتكلفة غالية- السبب الأصلي لاكتئابي؟ هل مجرد معرفتي بالسبب كفيلة لي بالشفاء؟
ثم هل هناك أدوية جديدة أو أبحاث تبعث الأمل من جديد حول أدوية وعلاجات أخرى قد تخرج مستقبلا؟ وما مدى فاعليتها؟
وبارك الله فيكم وجزاكم خيرا والحمد لله رب العالمين...
10/11/2011
رد المستشار
شفاك الله وعافاك وآجرك بصبرك على مرضك. هل تذكر الآيات الكريمة "الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(83)" من سورة الشعراء، وحديث عليه الصلاة والسلام "إن الله لم ينزل داء أو لم يخلق داء إلا أنزل أو خلق له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلا السام، قالوا: يا رسول الله وما السام؟ قال: الموت".
هذا منهج للتفكير الإيجابي يعمل كعلاج معرفي إن اتبعته وحافظت عليه مع التزامك بأي من أدوية الاكتئاب السابقة والتي آخرها السيبراليكس والتي يكتب عنها بأنها أقل مضادات الاكتئاب آثارا جانبية، ولكن يمكنك أن تختار غيره إن كان ثمنه لا يناسبك.
معرفتك بأن معاناتك تعود للنقص بيولوجي قصد بها طبيبك أن يخفف عنك شعورك بالمسئولية عن معاناتك وتخفيف اللوم لذاتك وتشجيع لك للمداومة على الدواء وهي أهداف علاجية مهمة.
من الواضح أن أصبح لديك وسواس من تناول الأدوية وإصابة المكتئب بالوساوس في الحالات الشديدة أمر متوقع ولكن علاج هذه الوساوس أسهل من علاج المرض الأساسي وهو الاكتئاب، فتوقف رجاء عن إتباع فكرة أن جميع الأدوية تسبب لك الأرق وتعامل معها على أنها فكرة وسواسيه وجودها فقط هو ما يؤرقك، وأقرأ في أبحاث النوم لتجد أننا نبالغ في وجوب النوم فهو آلية طبيعية تخفف من أنشطة الجسم عندما تشعر تلك الأجهزة بالإرهاق، في كل مرة تأتيك فكرة أنك لا تستطيع النوم تجاهلها وفكر بدلا عنها أنك ستنام عندما يحتاج جسمك ذلك وليس عندما ترغب أنت في الهروب من أمر ما، وإن شعرت بالإرهاق والحاجة للراحة فلا بأس إن استلقيت قليلا وتدربت على تمرين الاسترخاء حتى وإن لم تغفو، النوم كالنسيان كلما فكرت به هرب منك وتبقى أسيرا لدائرة مفرغة لا سبيل للخروج منها إلا بكسرها.
درب نفسك على التفكير بإيجابية في كل الأمور حول نفسك وعملك وحول الآخرين والعالم وحول المستقبل مستعينا بالآيات الكريمة التي بدأنا بها فإن كان أمري كله لله فلماذا أنشغل بالتفكير وأقلق وأكتئب؟ لماذا أنا مريض إجابته "الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ" (الشعراء:78)، أي أمر الله لا تسأل عنه أنت ولا يسئل سبحانه ولكنك تؤجر عليه كما في سورة الأنعام آية 132 "وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" فاصبر على مرضك تؤجر، إلى متى ستصبر ومتى تشفى؟ تذكر أن جوابه "وإذا مرضت فهو يشفين" بيده الأمر كله، أما إن حدثتك نفسك بالموت فتذكر أن الجواب "وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ" فالإماتة والإحياء أيضا من أمر الله فلا تتجاوز ما لك إلى ما للعلي القدير الرحمن الرحيم.
أخي وحدك تملك السيطرة على طريقة تفكيرك التي تسبب لك الاكتئاب وما الأدوية والجلسات سوى مساعدات خذ منها ما تحتاجه. بالنسبة لخبراتك السالبة مع الأطباء النفسيين من جهة هم ليسوا سوى بشر منهم الخير ومنهم ما دون ذلك، والشهرة ليست دليل تميز ولا تفوق سوى غالبا في العلاقات الاجتماعية فانظر إن كنت ترتاح للحديث مع طبيب حتى ولو لم يكن شهيرا ولا باهظ التعريفة العلاجية، أما عن انتظار الطبيب لك للحديث فهو أمر طبيعي فأنت من لديه مشكلة نحتاج لسماعها وإلا فإن جلستك العلاجية ستكون تفريغ نفسي للمعالج وليس لك أو ستكون من باب التنظير الذي يمكنك الوصول إليه من مكانك على النت بتكلفة أقل.
لنجرب الموجود حاليا من الأساليب العلاجية ونلتزم بها من معرفية ودوائية دون أن ننتظر ما قد سيكون فذاك نوع من التسويف الذي سيعقد حالتك ويزيد معاناتك، ويبقى الأمل معقودا على البحث العلمي في الغرب الذي لا يتوقف عن السعي في علاج الاكتئاب وغيره ولكن لماذا تنتظر.
التعليق: السلام عليكم وبعد:-
شكراً للدكتورة الفاضلة حنان طقش على سعة صدرها و على كلماتها الرقراقة وتمكنها من أدواتها وأحب أن أسأل هل من الممكن أن تتكاتف أكثر من طريقة علاجية كأن مثلاً أن يتم اتباع العلاج العقلاني الإنفعالي والعلاج المعرفي وأيضاً العلاج الكيميائي في تخفيض الأعراض الجسدية للاكتئاب الشديد؟
وشكرا