غربتي في وطني..!؟
بداية، بارك الله فيكم، وجعله الله في ميزان حسناتكم!!
مشكلتي ما يلي
نشأت في عائلة متوسطة، ومتحابة والحمد لله، منذ صغري أحببت القراءة، وتفوقت في الدراسة، ترقيت بوقت قياسي، وبسن صغير نسبيا في وظائف مختلفة، حتى حصلت على أصغر مدير في مؤسسة دولية، حصلت على منحة وأنهيت دراستي العليا من أمريكا، كنت ناشطة في مجالات عديدة، فبعد عناء يوم عمل كامل، أعمل أعمالا تطوعية هنا وهناك، وكل يوم تزداد قناعتي في البقاء في بلدي أرض الرباط، أعيب على البعض تركهم للبلد رغم معايشتي لعيوبها، ومعاناتي من مساوئها، كنت دائما أسأل، إن هرب كل واحد منا؟ فمتى سيحدث التغيير ومن سيحدثه؟؟
جاء النصيب، وتزوجت بشخص مغترب، وعدني بالإقامة في فلسطين، وبعد ست شهور من زواجنا وإقامتنا في فلسطين، وجد صعوبة في الاستمرار في الإقامة في فلسطين، خاصة على صعيد العمل، (كانت الظروف العامة والخاصة لا تسمح له) بالبدء من جديد في وطننا الأم بعد سنوات غربة طوال، فرجع إلى أوربا، ثم التحقت به في أوربا لأضع طفلتي الأولى، وحدث الحمل الثاني سريعا، فققرت التوقف عن العمل، كي أظل بجانب زوجي، وأطفالي الصغار، فاستقلت، وتفرغت لأمومتي وبيتي تماما بل وأنجبت طفلي الثالث، ومكثت في أوربا خمس سنوات، ورغم صعوبة الغربة خاصة في البدايات واختلاف اللغة، إلا أنني أنجزت فيهم على صعيد العلاقات الاجتماعية واللغة إنجازا طيبا؛
ولأن زوجي تعب من الغربة، ويحلم دائما بالعودة للوطن، فقد اتفقنا أن نعود لموضوع العودة مجدداً خاصة وأن صغيرتي ستدخل المدرسة العام القادم، فراسلت مؤسسة أجنبية تعمل في الوطن، واستطعت بما أملك والحمد لله من خبرة سابقة ودراسات عليا، ولغات ثلاث حية، أن أحصل على وظيفة، وسبقته الآن من ست شهور، للوطن، سافرت خلالها مرتين لزيارته، وسيلتحق بنا إن شاء الله، مع نهاية العام الجاري.
السؤال الآن ما هي المشكلة، المشكلة أنني لا أطيق الإقامة في الوطن الآن، وأصبحت أعيب على نفسي ما كنت أعيبه على الآخرين، وكل يوم يمر علي، أبكي من قراري للعودة، ولا أعلم ما الذي حدث لي؟ مساوئ المجتمع، لقد كنت أعرفها، وكنت أحتملها منذ زمن بعيد، لماذا لم أعد أحتملها الآن؟ الفوضى، عدم النظام، قلة الانضباط، شبه انعدام الضمير، الغيبة، النميمة، الواسطة...الخ، حسنا، كلها كانت موجودة، فترة إقامتي في أمريكا مثلا للدراسة، ومع حبي لهذه الفترة لكنني رغبت أكثر بالعودة للوطن أكثر وأكثر، ولم تشدني أمريكا للإقامة الدائمة فيها يوما، فما الذي جد الآن؟ بل لقد أحببت الإقامة في أمريكا أكثر بكثير من أوربا، ومع ذلك لم تشدني الإقامة فيها، ولم تنفرني من العودة لبلدي، كما يحدث لي الآن!!!
كنت أحتمل عيوب مجتمعية جسام، ومساوئ مصيرية، وأأمل نفسي أنها ستتغير، ولكنني الآن لا أحتمل زيارة أحدهم لي دون موعد مثلا، لا أحتمل الاتصال المتكرر في موضوع قد حسمته، لا أحتمل سؤال أحدهم بتدخله السافر في خصوصيتي إن كنت أنوي الحمل مجددا، لا أطيق سؤال إحداهن ببساطة عن مقدار دخلي، أوعن نقد أحدهم لصبري في تربية أطفالي أو على حد تعبيرهم (تدليعهم)، لم يعد يقوى لساني على المجاملة، فمجرد أن يسألني أحدهم، أي المعيشيتين أفضل، هنا أم أوربا، ينطلق لساني دون مراعاة لمشاعرهم، (بالطبع أوربا، فهنا لم يعد لي غير عائلتي الأم أقصد أمي وأبي وأخوتي، فلو تمكنت من إحضارهم لأوربا، لاكتملت سعادتي)
وقبل أن يظن بعضهم أنني تغيرت دينيا مثلا، فانعكس ذلك على سلوكي، فإنني أنفي ذلك، وأؤكد بأن ما حدث لي هو العكس، فقد خرجت محجبة ولا زلت والحمد لله، بل أصبحت أكثر فخرا وقناعة بحجابي في أوربا، وأطفالي يحفظون من القرآن أكثر مما يفعله أقرانهم في الوطن، كما أنني وزوجي وأطفالي نشد الرحال، نحو أية مظاهرة، أو مؤتمر، أو احتفالية، أو أية نشاط يدعم الوطن، مهما كلفنا ذلك من جهد أو وقت أو مال.
ماذا أفعل، وكيف أحتمل ما أنا به؟ هل هي فترة وستمضي؟ لكن الآن قد انقضى من الوقت قرابة الثمانية أشهر، ولا زال الشعور يشتد ويستعر؟؟!! حتى أجر الرباط لن آخذه، لأنني أمكث في الوطن الآن رغما عني، لا يعزينني غير إقامتي الحالية مع أمي، وشعوري برضاها عني وأجر خدمتي لها في هذا السن، أما غير ذلك، فلا يشدني نحو هذا الوطن إقامة، وأشعر أنني غريبة في وطني، أكثر من غربتي في أوربا!!!!!!!!!
01/08/2013
رد المستشار
سطورك تجعلنا كلنا كوطن عربي وإسلامي نخزى مما نحن فيه!، فكل ما حدث معك ليس أنك تغيرت، أو لأنك تأثرت برغد العيش في أوروبا، ولكنك "أدركت" درجة أعمق مما كنت عليه من مشاعر وطنية ورغبة في تحقيق حلم كل عربي مسلم بصدق دون أن يرى أننا نغرق أنفسنا بأنفسنا حين نتزين بالتدين السطحي، أو المغشوش، ونتحدث عن رفعة الدين وإعلاء كلمة الله تعالى، وحين نتعامل فيما بيننا بأبجديات الفساد من واسطة، ورشاوى، وكذب، ونفاق، ونميمة، وغيبة، الخ، ثم نتحدث عن تطهير البلاد من الصهاينة "الفاسدين"؛
ونتصور أن مظاهراتنا وشهداءنا وحدها كفيلة بجلب رضا الله تعالى ونصره!؛ فها أنت تشاهدين بعينيك ما فيه الوطن العربي المتخاذل الذي يلحق بآخر آخر الركب بعد جهد جهيد، ويفيق اليوم فقط من سباته العميق، على حقيقة مفجعة من تردي الأخلاق، والغرق في الفساد، والتواطىء عن جهل، أو عمد مع أعداء الإنسانية والوطن والدين، وغيره مما يدمي القلب يا ابنتي، فأنت لأول مرة بعد خوضك تجربة العمل والزواج والإنجاب والتواصل بشكل أكبر مع البشر والعلاقات الاجتماعية واكتساب خبرة من كل هذا؛ تكتشفين المقولة القديمة الشهيرة التي قالت "وجدت إسلامًا في الغرب بلا مسلمين، ووجدت مسلمين في الشرق بلا إسلام!"،
فما يحدث معك طبيعي لأي شخص سوي يعيش حياتين في قمة التناقض والزيف؛ ونطلب النصر مع وجود انقسامات وخيانات بين فصائل أصحاب قضية واحدة!، ولو تركت نفسي أحدثك عما أريده ما كفت صفحات موقعنا، ولكن عودة لسؤالك ماذا ستفعلين؟، فأقول لك: أن الحياة خيارات، ولكل خيار تبعاته ومميزاته، والحمد لله رب العالمين أنه سيحاسبنا على ما إعتقدناه بصدق من داخلنا وتصرفنا على أساسه، والحمد لله كذلك أن الله تعالى لا يحاسبنا على "النتائج"، ولكن يحاسبنا على ما قمنا به من جهد حقيقي، أو تخاذل؛
وحين نختار؛ لا يجوز لكائن ما كان أن يختار لنا، فالله تعالى سبحانه خلقنا الكائن الحي الوحيد الذي يفكر ليختار اختيارات حرة تمامًا؛ ليكون مسئولًا عنها أيضًا تمامًا؛ فاختيار العودة لأوروبا رغبة في الحفاظ على تفاصيل التدين الحقيقي، وتربية الأبناء في بيئة تنشئ أبناء مثقفين متعلمين بصدق، يستنشقون الحرية والنظام، التفرغ للتدبر والتفكير بدلًا من الدوران في حلقة الحصول على غذاء اليوم كيف ومتى؟، ويفيدون أنفسهم ومن حولهم هدف، ويمكن تطعيمه بتزويد أبنائك بانتمائهم لدينهم، وقضية وطنهم طوال الوقت، والزيارات المتتابعة بانتظام للوطن؛
وكذلك حمل قضية وطنك في مكان الغربة، وتوضيح اللبس فيما يتصوره الخارج عن قضيتنا سيكون جهادًا من نوع مختلف، والقيام بفعاليات من الغربة لتكون سندًا لأبناء وطنك من الخارج، وإفادة الوطن من علمكم بالتواصل مع أبناء الوطن وتقديم خدمات علمية وعملية لتطبيقها من خلال التواصل بشكل، أو بآخر من خلال مجموعات على الشبكة، أو أي أمر يمكنك التفكير فيه في تلك المساحة سيكون هدف ويحقق انجاز حقيقي على أرض الوطن، وكذلك اختيار بقائك في وطنك على علَاته، وتحمل عبء تركته الثقيلة من التفاصيل التي تؤلمك والجهاد في أبناء وطنك بالقول الحسن لردهم لصحيح الدين، ومشاركة أبناء وطنك أزماتهم وفعالياتهم، ورفضهم للاحتلال هدف نبيل وغالي ولن يعطيك ثوابه إلا الله سبحانه وتعالى، لذا وأنت في مرحلة اتخاذ القرار المناسب عليك بمراعاة عدة أمور:
- مجاهدة النفس ورد الناس لدينهم الحق هو أساس حقيقة النصر الذي استحقه المؤمنين منذ أن وعد الله به "إن تنصروا الله ينصركم"؛ والنصر ليس فقط بالتظاهر والهتافات، وإطلاق اللحية، وختمه الصلاة، ولكن بالعمل على تنقية النفوس والضمائر، وتعلية القيم الإنسانية والدينية في البيت، في الدراسة، في العمل، في المجتمع جنبًا إلى جنب بتعليمات ديننا.
- لكل قرار "ثمن" سيتم دفعه؛ إما بالاغتراب، أو الصبر على ما ينغص عليك عيشك داخل وطنك، فمن المهم أن تحترمي قدراتك، وطاقتك، حتى تتمكني بالفعل من تنفيذ أي من القرارين بنجاح ورضا وطاقة حقيقية؛ فلا يجوز أن تأخذي دور البطولة في البقاء في وطنك مثلًا وأنت في حالة "قرف"، و"رفض"، "وطاقة ضئيلة"، و"تجنب" فلا تحصدين شيئًا، ولا يجوز كذلك أن تأخذي قرار الاغتراب عن وطنك؛ ثم تظلي في حالة لوم وتأنيب وشعور بالدونية طوال العمر فلا تحصدين شيئًا؛ فلتناقشي الخيارات كلها، وقومي بحساباتك على أساس من واقعك أنت، وإمكاناتك أنت، ووضع هدف يرضيك عن نفسك وعن اختيارك وفي كلاهما خير في ظني.سطورك تجعلنا كلنا كوطن عربي وإسلامي نخزى مما نحن فيه!، فكل ما حدث معك ليس أنك تغيرت، أو لأنك تأثرت برغد العيش في أوروبا، ولكنك "أدركت" درجة أعمق مما كنت عليه من مشاعر وطنية ورغبة في تحقيق حلم كل عربي مسلم بصدق دون أن يرى أننا نغرق أنفسنا بأنفسنا حين نتزين بالتدين السطحي، أو المغشوش، ونتحدث عن رفعة الدين وإعلاء كلمة الله تعالى، وحين نتعامل فيما بيننا بأبجديات الفساد من واسطة، ورشاوى، وكذب، ونفاق، ونميمة، وغيبة، الخ، ثم نتحدث عن تطهير البلاد من الصهاينة "الفاسدين"؛
ونتصور أن مظاهراتنا وشهداءنا وحدها كفيلة بجلب رضا الله تعالى ونصره!؛ فها أنت تشاهدين بعينيك ما فيه الوطن العربي المتخاذل الذي يلحق بآخر آخر الركب بعد جهد جهيد، ويفيق اليوم فقط من سباته العميق، على حقيقة مفجعة من تردي الأخلاق، والغرق في الفساد، والتواطىء عن جهل، أو عمد مع أعداء الإنسانية والوطن والدين، وغيره مما يدمي القلب يا ابنتي، فأنت لأول مرة بعد خوضك تجربة العمل والزواج والإنجاب والتواصل بشكل أكبر مع البشر والعلاقات الاجتماعية واكتساب خبرة من كل هذا؛ تكتشفين المقولة القديمة الشهيرة التي قالت "وجدت إسلامًا في الغرب بلا مسلمين، ووجدت مسلمين في الشرق بلا إسلام!"،
فما يحدث معك طبيعي لأي شخص سوي يعيش حياتين في قمة التناقض والزيف؛ ونطلب النصر مع وجود انقسامات وخيانات بين فصائل أصحاب قضية واحدة!، ولو تركت نفسي أحدثك عما أريده ما كفت صفحات موقعنا، ولكن عودة لسؤالك ماذا ستفعلين؟، فأقول لك: أن الحياة خيارات، ولكل خيار تبعاته ومميزاته، والحمد لله رب العالمين أنه سيحاسبنا على ما إعتقدناه بصدق من داخلنا وتصرفنا على أساسه، والحمد لله كذلك أن الله تعالى لا يحاسبنا على "النتائج"، ولكن يحاسبنا على ما قمنا به من جهد حقيقي، أو تخاذل؛
وحين نختار؛ لا يجوز لكائن ما كان أن يختار لنا، فالله تعالى سبحانه خلقنا الكائن الحي الوحيد الذي يفكر ليختار اختيارات حرة تمامًا؛ ليكون مسئولًا عنها أيضًا تمامًا؛ فاختيار العودة لأوروبا رغبة في الحفاظ على تفاصيل التدين الحقيقي، وتربية الأبناء في بيئة تنشئ أبناء مثقفين متعلمين بصدق، يستنشقون الحرية والنظام، التفرغ للتدبر والتفكير بدلًا من الدوران في حلقة الحصول على غذاء اليوم كيف ومتى؟، ويفيدون أنفسهم ومن حولهم هدف، ويمكن تطعيمه بتزويد أبنائك بانتمائهم لدينهم، وقضية وطنهم طوال الوقت، والزيارات المتتابعة بانتظام للوطن؛
وكذلك حمل قضية وطنك في مكان الغربة، وتوضيح اللبس فيما يتصوره الخارج عن قضيتنا سيكون جهادًا من نوع مختلف، والقيام بفعاليات من الغربة لتكون سندًا لأبناء وطنك من الخارج، وإفادة الوطن من علمكم بالتواصل مع أبناء الوطن وتقديم خدمات علمية وعملية لتطبيقها من خلال التواصل بشكل، أو بآخر من خلال مجموعات على الشبكة، أو أي أمر يمكنك التفكير فيه في تلك المساحة سيكون هدف ويحقق انجاز حقيقي على أرض الوطن، وكذلك اختيار بقائك في وطنك على علَاته، وتحمل عبء تركته الثقيلة من التفاصيل التي تؤلمك والجهاد في أبناء وطنك بالقول الحسن لردهم لصحيح الدين، ومشاركة أبناء وطنك أزماتهم وفعالياتهم، ورفضهم للاحتلال هدف نبيل وغالي ولن يعطيك ثوابه إلا الله سبحانه وتعالى، لذا وأنت في مرحلة اتخاذ القرار المناسب عليك بمراعاة عدة أمور:
- مجاهدة النفس ورد الناس لدينهم الحق هو أساس حقيقة النصر الذي استحقه المؤمنين منذ أن وعد الله به "إن تنصروا الله ينصركم"؛ والنصر ليس فقط بالتظاهر والهتافات، وإطلاق اللحية، وختمه الصلاة، ولكن بالعمل على تنقية النفوس والضمائر، وتعلية القيم الإنسانية والدينية في البيت، في الدراسة، في العمل، في المجتمع جنبًا إلى جنب بتعليمات ديننا.
- لكل قرار "ثمن" سيتم دفعه؛ إما بالاغتراب، أو الصبر على ما ينغص عليك عيشك داخل وطنك، فمن المهم أن تحترمي قدراتك، وطاقتك، حتى تتمكني بالفعل من تنفيذ أي من القرارين بنجاح ورضا وطاقة حقيقية؛ فلا يجوز أن تأخذي دور البطولة في البقاء في وطنك مثلًا وأنت في حالة "قرف"، و"رفض"، "وطاقة ضئيلة"، و"تجنب" فلا تحصدين شيئًا، ولا يجوز كذلك أن تأخذي قرار الاغتراب عن وطنك؛ ثم تظلي في حالة لوم وتأنيب وشعور بالدونية طوال العمر فلا تحصدين شيئًا؛ فلتناقشي الخيارات كلها، وقومي بحساباتك على أساس من واقعك أنت، وإمكاناتك أنت، ووضع هدف يرضيك عن نفسك وعن اختيارك وفي كلاهما خير في ظني.