إدمان مواقع التواصل الاجتماعي2
تأثير السلوكيات الكسولة على الصحة النفسية :
السلوكيات الكسولة هي تلك التي تتضمن الجلوس أو الاتكاء لفترات طويلة وتستهلك طاقة قليلة, وهذا ما يحدث في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي, وهذا يؤدي إلى مخاطر صحية كثيرة مثل الإصابة بمرض السكري أو السمنة أو أمراض القلب أو زملة الأيض. أما تأثير تلك السلوكيات الكسولة على الصحة النفسية فلم يدرس بعد بشكل واف, ولكن الملاحظات تشير إلى درجات مرتفعة من الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم وانخفاض الدافع للعمل والإنجاز واضطراب العلاقات الاجتماعية.
السلوك المزاح :
بمعنى أن خريطة النشاط تزاح في اتجاه سلبي, فالأشخاص الذين يقضون وقتا طويلا في السلوكيات الكسولة (مثل مستخدمي وسائل التواصل) يكون لديهم وقت قليل للتفاعل الاجتماعي والأنشطة الجسدية, تلك الأشياء التي تشكل وقاية ضد الاضطرابات النفسية. وهنا يصبح التأثير السلبي (طبقا لنظرية الإزاحة) ليس فقط بسبب مباشر من استخدام وسائل التواصل بشكل مفرط ولكن لغياب الأنشطة الأخرى المهمة للصحة النفسية.
اضطراب النوم نتيجة الضوء الأزرق :
وجد (Wright et al, 2013) أن الأشخاص الذين يخيمون لمدة أسبوع على الجبال الصخرية ويتعرضون للضوء الطبيعي بعيدا عن الوسائل الإلكترونية, يحدث لديهم تناغم بين الساعة البيولوجية للمخ وبين شروق وغروب الشمس. أما في ظروف حياتنا العصرية الضاغطة والمزدحمة فإن الساعة البيولوجية للمخ تكون عرضة لاضطرابات كثيرة, فنومنا ليس طبيعيا بسبب رفقاء الوسادة مثل التليفون المحمول واللاب توب. وقد وجد أن شاشات الأجهزة الإلكترونية مثل الكومبيوتر واللاب توب والتليفون المحمول تصدر موجات من الضوء الأزرق يؤثر في دورات النوم عن طريق تأثيره على إفراز مادة الميلاتونين التي تعتبر كيمياء المخ. وطبقا لأبحاث (Holzman, 2010) فإن موجات الضوء الأزرق المتضمنة في الضوء الصناعي يشكل خطورة قصوى على الإنسان, وهو يثبط إفراز الميلاتونين عن طريق تأثيره على حساسات معينة في شبكية العين.
ممارسة المهام المتعددة وتأثيرها على الصحة النفسية :
إن التغير السريع للمهام (أو ما يدعى تعددية المهام) الذي تدفع إليه وسائل التواصل الاجتماعي, ربما يكون أحد الأسباب الرئيسة للاكتئاب (Rosen et al 2013). وعلى الرغن من أن تعددية المهام هي إحدى السمات الإنسانية, إلا أن الوسائل التكنولوجية الحديثة قد شجعتها وعززتها من خلال تعددية نوافذ الكومبيوتر, وتعددية التطبيقات على شاشة الهاتف الذكي, والنطاق الواسع للمؤثرات والمشتتات البصرية والسمعية من خلال وسائل تواصل عديدة على طرف أصابعنا في كل ثانية من يومنا, وهكذا أصبحت تعددية المهام هي قاعدة حياتنا العصرية وليست استثناءا فيها, ومن هنا نفهم لماذا تتزايد نسب الاكتئاب والانتحار في العقود الأخيرة خاصة لدى المراهقين والشباب وحتى الأطفال. فنحن أمام مخ تمت صياغة مساراته وخرائطه تحت تأثير قصف غير مسبوق من المحفزات السمعية والبصرية تشكل مشهدا فسيولوجيا وكيميائيا غير مسبوق.
كيف تؤثر العزلة الاجتماعية على الصحة النفسية :
لاحظ (Umberson, 2012) أنه خلال مراحل التاريخ المختلفة كانت أحد أهم وسائل التعذيب والتدمير النفسي للإنسان هي العزل الاجتماعي في زنازين انفرادية. فالعزل الاجتماعي حتى للأشخاص الأسوياء يؤدي إلى تدهور وتفكك في الوظائف الجسمية والنفسية, وقد يؤدي إلى الوفاة. وعلى الجانب الآخر وجد أن الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية جيدة يتمتعون بصحة جيدة ويعيشون عمرا أطول ويكونون أكثر سعادة. وقد ثبت من خلال الكثير من الأبحاث والمشاهدات اليومية أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى عزلة اجتماعية شديدة, فالكثير من المراهقين والشباب وحتى الكبار قد يمكثون لساعات طويلة ممسكين بالهاتف الذكي أو اللاب توب أو الآي باد أو التاب, ويفقدون اتصالهم بالعالم الواقعي تماما ويتوقفون عن دراستهم وأعمالهم وعلاقاتهم وهواياتهم, وتتدهور بالتالي صحتهم الجسمانية والنفسية ويصابوا بحالات من الاكتئاب, وفقدان الشغف بكل شيء في الحياة, وتبدو عليهم علامات الإدمان واضحة, ومع ذلك يعيشون حالة من الإنكار – مثل أي مدمن – ويقاومون أي محاولة لإخراجهم من هذه الحالة, ويدخلون في نوبات من العصبية والهياج وربما العنف إذا حاول أحد المقربين تنبيههم أو منعهم من هذا الاستخدام الإدماني لهذه الوسائل. ونرى في حياتنا شبابا ومراهقين وقد أغلقوا على أنفسهم غرفهم واحتضنوا هاتفهم تحت البطانية وظلوا معه طوال ساعات يقظتهم وانسحبوا من الحياة بشكل كامل ليعيشوا في فضاء إلكتروني خادع ومدمر ولكنه بالنسبة لهم جديد وممتع.
كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية ؟ :
طبقا لما نشره (Sherry Turkle, 2012) فإن وسائل التواصل تشكل إغواءا شديدل لمستخدميها فهي تعطي وهم الصحبة دون مطالب الصداقة. وبالتأكيد فإن وسائل التواصل كان لها أثر كبير على كيفية تواصل الناس على شبكات التواصل, ولكن كيف ؟ وكيف أثرت على نوعية التواصل وعلى الصحة النفسية وعلى العلاقات الاجتماعية. هناك العديد من المسارات التي يمكن من خلالها أن نفهم كيف أثرت وسائل التواصل على نوعية العلاقات الاجتماعية وعلى الصحة النفسية نذكر منها :
1 – فقدان الخصوصية: فالتواصل على الفيسبوك مثلا يكون مشهودا لكثير من الناس وبذلك يخرج عن نطاق الخصوصية الشخصية.
2 – الخوف من الفقد: فالعلاقة على وسائل التواصل تنتهي في لحظة بعمل "مسح" أو "إغلاق" (Delete or Block)
3 – المقارنة: حيث يقارن الشخص نفسه بمن حوله, فيجد أن كثيرين منهم ينشرون الأشياء الجميلة والمغرية في حياتهم مما يجعله يشعر بالدونية والأسى ويرى نفسه سئ الحظ بما يراه من حياة الآخرين التي تعكس البذخ والرفاهية والنجاحات والإنجازات, وهو لايدري ذلك الميل لدى مستخدمي وسائل التواصل في إظهار الجانب المضئ في حياتهم.
4 – التأثير على العلاقات العاطفية والزواجية: تظهر الدراسات أن الفيسبوك كثيرا ما حطم علاقات بين الجنسين نتيجة لعوامل الغيرة والشك واتهامات الخيانة من خلال ظهور طرف ثالث يهدد حصرية العلاقة, قد يكون حبا قديما أو زواجا سابقا أو علاقة سرية أو حتى إعجابا عابرا, وقد يكون هذا حقيقيا أو متخيلا. وإن لم يكن أي شئ من هذا فقد تتدهور العلاقة بسبب الجلوس القهري لساعات طويلة على وسائل التواصل مما يعطل العلاقة بين الحبيبين أو الزوجين.
كيفية التعامل مع الآثار الضارة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي :
• لا يوجد علاج مخصص لهذه المشكلة ولكن هناك أبحاث من مواضيع ذات صلة كاضطراب إدمان الإنترنت وقد فكر الباحثون بإيجاد علاج لهذا الاضطراب ولكن يحتاجون لإجراء أبحاث إضافية.
وقد أصدرت الاكاديمية الأمريكية لطب الأطفال توصية للوقت الذي يقضيه الأطفال والأُسر أمام الشاشة تشمل بعض التدخلات العلاجية مثل :
1. المساعدة الذاتية وتشمل استخدام مؤقت للتطبيقات.
2. العلاج السلوكي المعرفي
3. دعم المنظمات والمدارس
• لم تثبت فعالية العقاقير في التجارب العشوائية المُحكَمة للحالات المتعلقة باضطراب إدمان الإنترنت أو اضطراب ألعاب الفيديو, ومع ذلك هناك نسبة من الحالات تتحسن مع استخدام مانعات استرداد السيروتونين النوعية (م.ا.س.ا SSRIS) على أساس أنها تعالج الاستخدام القهري والإدماني لمواقع التواصل وتعالج أيضا حالات القلق والاكتئاب المصاحبة أو الناتجة عن الاستخدام المفرط.
• الشركات التقنية : صانعو المشكلة يقدمون الحل :
بينما يزداد الوعي تجاه هذه القضايا تعاونت مجتمعات تقنية وطبيه لتطوير حلول جديدة، فقد أصدرت شركة أبل تطبيق طرف ثالث يعرف بـ"وقت الشاشة" وأدرجته في هواتفها كجزء من تحديثها في النسخة الثانية عشر (IOS 12), وطورت شركة تقنية ألمانية هاتف أندرويد مصمم خصيصًا لكفاءة وتقليل وقت الشاشة، وأصدرت نيوز كروب طرق عديدة لتقليل وقت الشاشة، وأعلنت فيس بوك وإنستغرام عن أداة جديدة يعتقدون بأنها ستساعد في تخفيف الإدمان على منتجاتهم، وفي مقابلة لرئيس الشؤون العالمية لفيس بوك نيك كليج أدعى أن فيس بوك عملت كل ما في وسعها لتجعل من منصتها مكانا آمنا وخاصة لصغار السن، وعملت فيس بوك للتغيير معترفة بمسؤوليتها الهامة تجاه مجتمعات العالم والتنظيم الذي دعت إليه الحكومات.
• وبعض الناس يرون أن الحل لهؤلاء الذين يتأثرون سلبيا بوسائل التواصل الاجتماعي هو الابتعاد عنها تماما, وهناك مجموعات تنادي بذلك وتتبناه وتتحدث عن مشوار تعافي مشوا فيه وتعافوا فعلا من هذه الوسائل التكنولوجية وأصبحوا يتمتعون بصحة نفسية جيدة.
• ولكن قد يكون هذا صعبا أو مستحيلا لدى بعض الناس الذين ترتبط أعمالهم ومصالحهم وعلاقاتهم بوسائل التواصل الاجتماعي, وهؤلاء يحتاجون لزيادة الوعي بمخاطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي ذكرناها, ومعرفة حدود الاستخدام المفرط وعلامات إدمان وسائل التواصل.
• وكما نمت لدينا مهارات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واستفدنا منها كثيرا فإننا نحتاج أن تكون لدينا مهارات السيطرة عليها والتحكم فيها, ولهذا طرق كثيرة فمثلا هناك دورات في بعض البلدان للتدريب على السيطرة على استخدام وسائل التواصل والتدريب على الإستعمال الآمن لها, وهناك تطبيقات على الإنترنت تساعد المستخدمين على ذلك, وهناك أصوات تنادي بأن يكون ذلك جزء من المناهج الدراسية في المدارس والجامعات.
• وتشترك كل برامج الوقاية في إجراء اختبارات لمعرفة درجة التورط في الاستخدام المفرط, ووضع حدود زمنية للإستخدام لا يتعداها الشخص, وإذا لم يستطع التحكم يتم سحب الهاتف الذكي منه لفترة لا تقل عن شهر حتى يتعافى من إدمانه ثم يعود إليه بشروط جديدة لاستخدامه, وإذا لم يستطع التحكم يسحب منه الهاتف الذكي لمدة أطول, وقد يكتفي باستخدام هاتف بسيط لا يحتوي على الإنترنت.
• ونحتاج لكي نتعافى من الآثار السلبية لاستخدام مواقع التواصل أن نحافظ على تعددية وتكامل أنشطتنا الحياتية بحيث ننظم أوقاتنا بين أنشطة رياضية وأخرى ثقافية وثالثة اجتماعية ورابعة روحية وخامسة إلكترونية وسادسة ترويحية.... وهكذا حتى لا نقع في فخ إدمان وسائل التواصل الاجتماعي فتبتلع كل وقتنا وجهدنا واهتمامنا فتدمرنا ونحن في حالة سكر إلكتروني خادع.
واقرأ أيضًا:
الابتزاز العاطفي Emotional Blackmail / لقاح كورونا والفياجرا.. صدفة خير من ألف علاج