المرض النفسي أسراره وآثاره 2
ـ في العلاج النفساني: هل تكفي العقاقير الدوائية؟ وهل يمكن أن يكون روحيا فقط، كما يدعي البعض؟
هناك العديد من العلاجات للاضطرابات النفسية وهي تختلف من حالة لحالة حسب نوع الاضطراب وشدته، فهناك العلاجات النفسية (من خلال الجلسات النفسية الكلامية) لحالات القلق أو الاكتئاب أو الرهابات أو الوساوس الخفيفة والمتوسطة، وهناك العلاجات الدوائية مثل مضادات القلق والاكتئاب ومضادات الذهان ومثبتات المزاج وغيرها، وهناك العلاج بتنظيم إيقاع المخ (وهو ماكان يطلق عليه العلاج بالصدمات الكهربية)، وهناك علاجات مثل التأمل والارتقاء التجاوزي والاسترخاء، والعلاج الزواجي، والعلاج العائلي، والعلاج الجمعي، وكلها وسائل تساعد على استعادة الإنسان لتوازنه وسوائه النفساني.
ـ لماذا لا يجدي العلاج النفساني مع كثير من المرضى؟ ولماذا تعاود المريض أعراضه السابقة مرات ومرات؟
الاضطرابات النفسية مثلها مثل الاضطرابات الجسمانية فيها الحالات البسيطة المؤقتة والحالات الشديدة والحالات المزمنة، والحالات النوابية، والحالات المعاودة. وقد لايعرف الكثير من الناس أن نسبة التعافي في الاضطرابات النفسية أعلى من كثير من التخصصات الطبية الأخرى، ولكن الناس لا يسمعون أو ينتبهون لحالات التعافي، ولكنهم ينتبهون للحالات الشديدة والمزمنة، وهذه نسبتها قليلة في الطب النفساني قياسا على تخصصات أخرى، ولكن ربما لأن هذه الاضطرابات النفسية تعلن عن نفسها فيشعر بها الناس ويأخذون انطباعا أن الاضطرابات النفسية لا تشفى، وربما يسعى المناهضون للطب النفساني من المشعوذين والدجالين والمعالجين الشعبيين والمعالدين بالأعشاب إلى وصم الطب النفساني وتنفير الناس منه لتخلو لهم الساحة ويمارسون نصبهم واحتيالهم ودجلهم على المرضى النفسيين . وبعض الاضطرابات النفسية قد تعاود المريض حين يتوقف عن العلاج نظرا لجهله بطبيعة المرض، أو لعدم إدراكه لفكرة العلاج الوقائي والتي قد تمتد لسنوات في بعض الاضطرابات النفسية مثل الفصام والاضطراب الوجداني ثنائي القطب. وهذا الاحتياج للعلاج المستمر في بعض الحالات مثله مثل احتياج مريض السكر والضغط والأزمات الصدرية لعلاج وقائي دائم يمنع الأعراض والانتكاسات في هذه الأمراض .
ـ إلى متى ينظر للمريض النفساني على أنه "مجنون"؟ وهل المجتمع بحاجة إلى تغيير نظرته للمريض نفسيا؟
ليس في قاموس الطب النفساني كلمة "جنون" أو "مجنون"، ولذا فهي كلمات دارجة وغير علمية وتؤدي إلى وصمة للمرض النفساني والمريض النفساني، وفي الحقيقة أن المرض النفساني مثل أي مرض يمكن أن يصيب أي شخص في ظروف بعينها، ولا يعيب أي شخص إصابته بالمرض النفساني، وهو ليس مرادفا للجنون، وأن الحالات التي يطلق عليها لفظ "مجنون" تطلق على اضطرابات ذهانية تتسم بوجود هلاوس أو ضلالات وانفصال عن الواقع وفقد البصيرة واضطراب الحكم على الأمور وإتيان أفعال غير منطقية أو غير مفهومة . وهذا الشخص لا يحتاج منا السخرية أو التنمر، وإنما يحتاج لقمة الرحمة والتعاطف حتى نأخذ هذا المريض لأقرب مستشفي ليتلقى برنامجا للتعافي .
ـ كيف عالج الإسلام المرض النفساني؟
عالج علماء الإسلام وأطباؤه الاضطرابات النفسية بكل ماتيسر لديهم من عقاقير كيميائية أو أعشاب أو أدعية أو طمأنة أو رقية شرعية، أو الإيداع في مصحات غاية في الجمال والهدوء والراحة والرعاية الحنونة من المجتمع، فالإسلام يأمر ويحث على التداوي بكل الوسائل المشروعة .
ـ وهل توجد روشتة وقائية من المرض النفساني؟
المرض النفساني الذي يحتاج لعلاجات متخصصة يصيب أكثر من 25% من الناس في أكثر المجتمعات، وهذه النسب لا يكاد يتخلف عنها مجتمع، وبالطبع توافر الحياة الكريمة في المجتمع، وتوافر الاحتياجات الأساسية للحياة، وتوافر الرعاية الصحية والاجتماعية، وتوافر الدعم المجتمعي وتوافر فرص العلاج والمتابعة والعلاج الوقائي، وشيوع القيم الأخلاقية والقيم الدينية الصحيحة والقيم الروحية الصافية، كل هذا يشكل عوامل وقائية ضد الاضطرابات النفسية .
ـ المحيطون بالمريض النفساني.. ما واجبهم، وكيف يتعاملون معه؟
يقومون بدعمه من خلال تفهم طبيعة مرضه ومعاناته ومساعدته على تلقي العلاج على أيدي متخصصين في الطب النفساني، ويكفوا عن لومه أو تأنيبه أو تحميله لأسباب المرض وعبئه، أو الانتقاص منه أو وصمه . كم يساعدونه على الانتظام في العلاج في حالة الأمراض التي قد تستمر لفترات طويلة .
ـ هل النسب التي تعالج بالمشافي وعيادات الطب النفساني تعبر عن العدد الحقيقي للمرضى؟ أم أن هناك آخرين نعتبرهم أصحاء بحاجة إلي العلاج النفساني؟
لا ليس كل شخص لديه اضطراب نفساني يتوجه نحو الطبيب النفساني، فنسبة المرضى النفسيين الذين يذهبون مبكرا ومباشرة للطبيب المختص لا يتجاوزون 2-3 %، والباقين يتوهون وسط خيارات أخرى غير علمية .
ـ لماذا يكون القتل والانتحار خيارا لدي البعض عند تصاعد المشكلات الزوجية؟ رغم أن الإسلام وضع ضوابط ومعايير وحلولا تصل للطلاق دون الحاجة للعنف أو الانتحار؟
هذا ما تحدثنا عنه سابقا، حيث يكون الشخص تحت ضغوط اضطرابات نفسية، أو يكون تحت ضغوط اجتماعية، أو يتعاطى مخدرات، كل هذا وغيره يهيئ المخ لارتكاب الجريمة الموغلة في الغرابة .
ـ ما هي العلاقة بين المرض النفساني وبين الإدمان والجريمة؟
الإدمان يسهل على الشخص ارتكاب الجريمة، فهو يثبط مراكز التحكم والسيطرة الموجودة في الفص الأمامي للمخ، كما أنه قد يصيب الشخص بهلاوس وضلالات تدفعه نحو القتل تحت وهم الدفاع عن النفس أو الشرف. والمرض النفسانيقد يكسر دفاعات الشخص التي كان من المحتمل أن تبعد الشخص عن الإدمان.
ـ البعض يمزج بين المرض النفساني والسحر، كيف يمكن التفريق بين الاثنين وكيف تتعاملون في عيادات الطب النفساني مع الذين يصرون علي أنهم مسحورون وليسوا مرضى؟
البسطاء وقليل العلم ربما يميلون إلى أن يعزوا الكثير من الأمراض النفسية وحتى الأمراض الجسمانية لتأثير السحر، وهذا المعتقد لو انتشر فسيؤدي إلى توقف الجهود الطبية لعلاج الأمراض، وسوف تلقي التبعة على السحر، وهكذا يتأخر العلم وتتفاقم الأمراض، أما لو احترمنا سنن الله في الكون وأخذنا بأسباب البحث العلمي واستخدام وسائل العلاج القائمة على الدليل، حينئذ نقدم الدعم العلاجي والإنساني للمرضى النفسيين. أما إذا غلب على ظن الشخص أنه أصيب بشيء من السحر أو الحسد طبقا لمفهومه الديني عنهما فيكفيه التوجه إلى الله بالدعاء ليكفيه شر هذه الأمور، وفي نفس الوقت يستعين بالأطباء والعلماء يصفون له العلاج الناجح والمؤثر القائم على الدليل الطبي .
ـ هناك مقولة شهيرة لكاتبة أمريكية تقول: "في مستشفى الطب النفساني لا يأتينا المرضى، بل ضحاياهم" إلي أي مدي تتفق مع هذه العبارة؟
ليس كل مريض نفساني ضحية لقهر شخص آخر، وان كانت هناك نسبة من الاضطرابات النفسية تكون ناتجة عن التعامل مع أشخاص سببوا لنا آلاما نفسية، وهذا مانراه في اضطرابات التأقلم، وأيضا هناك نسبة من الاضطرابات النفسية تحدث دون أي سبب واضح .
ـ أخيرا .. المريض النفساني: مجرم.. أم مجني عليه؟
هو ليس مجرما، إلا إذا ارتكب جريمة وهو في كامل وعيه وإرادته واختياره .. وهو قد يكون مجنيا عليه إذا وقع تحت ضغوط شخص أو أشخاص لم يرحموا كينونته الإنسانية فداسوه تحت أرجلهم بلا رحمة .
واقرأ أيضا:
ظاهرة "المستريح الدائم"3 / ظاهرة "المستريح الدائم"4