وساوس الوضوء والصلاة ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني8
وساوس وقهور الصيام
ينفرد الصيام بين عبادات المسلمين المفروضة بكونه الأكثر تهذيبا للنفس وارتباطا بمسؤولية إخلاص العبادة لله سبحانه سرا وجهرا، إذ يجب فيه الانضباط والامتناع عن الأكل والشرب وممارسة الجنس من طلوع الفجر إلى غياب الشمس أي أن مسؤولية العبد عن إدامة عبادته تستمر وقتا طويلا، فهو العبادة الأطول وقتا مقارنة بغيره، ولأن شهر رمضان، بل كل يوم من أيامه يعتبر بمثابة الفرصة التي يجدر بالعبد اقتناصها لأنها لا تعوض فإن للوساوس والقهور المرتبطة به حدتها الخاصة كما سنرى، فلا أذكر أني رأيت حالة وسوسة في الصيام إلا وكانت الأعراض من الدرجة الشديدة مقارنة بحالات وساوس غيره من العبادات حيث يمكن أن تجد الدرجة الطفيفة والمتوسطة والشديدة، فضلا عن ذلك فإن أغلب مرضى الوسواس القهري الديني يعانون من زيادة في شدة الأعراض خلال رمضان، بل إن هناك من يستطيع مناجزة الوسوسة في العبادات في غير رمضان لكنه في رمضان يفشل في ذلك. وسريريا تجيء وس. وق. الصيام على ثلاثة أشكال هي أولاً وس. وق. التهيؤ للصيام، وثانيا وس. وق. حفظ الصيام أو أداء عبادة الصيام، وثالثا وس. وق. بطلان الصيام و/أو قضاء الصيام
أولا وس. وق. التهيؤ للصيام:
ويقصد بها تلك التي ترتبط بتجهيز المريض نفسه للصيام وتتأثر صورتها بشكل واضح بمفاهيم المريض الخاصة به لما يجب أن يكون عليه ليصوم ولذلك ربما نراها تختلف اختلافا واسعا بين مريض وآخر، وتشمل وس. وق. التهيؤ للصيام
1-المضمضة المبالغ فيها وتنظيف الأسنان والتفل المتواصل بعد السحور وربما تجفيف الفم بالمنديل، خوفا من بقاء شيء بين الأسنان، بل إن هناك من لا يتناول السحور خوفا من ذلك.
2-الامتناع عن الطعام والشراب قبل مدة طويلة من أذان الفجر ويرتبط ذلك في كثير من الأحيان بالخوف من وجود بقايا من الطعام في الفم أو حتى في المعدة خوفا من ارتدادها للحلق ثم ابتلاعها أو تأثيرها على لون أو طعم الريق لاحقا أثناء الصيام، وأحيانا تراه يرتبط فقط بفرط الالتزام.
3-الإفراط في الشرب وتكرار الشرب (أو الأكل) قبل أذان الفجر خوفا من الشعور بالجوع أو العطش والذي يوقعهم في وساوس الإلحاح بأن يفطر ثم الشك في أنه قد أفطر وهكذا.
4-هناك من يجد الصعوبة البالغة عندما ينوي صيام اليوم التالي فهو يحاول استحضار النية وعقد العزم لكن الوسوسة بالتردد أو بأن لديه نية فطر.. إلخ توقعه في فخ فساد النية!
ثانيا وس. وق. حفظ الصيام أو أداء عبادة الصيام
ويقصد بها تلك الـ وس. وق. التي يمكن أن تستمر طوال ساعات اليقظة في الصيام خوفا من إفساده بشكل أو بآخر، وترتبط هذه المجموعة بشكل خاص بحيل الوسواس سواء ما يتعلق بالإدراكات الحسية الكاذبة التي تدعم الشك في إفساد الصيام، أو محاولات التذكر القهري استجابة لوسواس (لقد أفطرت) ... إلخ.
1-تحاشي الاقتراب من المطبخ خوفا من استنشاق أبخرة الطعام... وكذلك تحاشي الاقتراب من الثلاجة، من مصادر المياه وحتى الأشياء المبتلة بل منهم من يترك الصلاة خوفا من شرب الماء أثناء الوضوء، وأحيانا اتخاذ أوضاع جسدية معينة عند الاضطرار (مثلا من تقشر الخضار أو تستخدم الماء ووجهها ملتفت للوراء، ومن ترتدي كمامة لتطبخ وهكذا...) ...إلخ. وهناك من يخاف من غسل الوجه و/أو المضمضة أو حتى المشي أثناء المطر، وهناك من يتحاشى الكلام عن قرب مع الآخرين خوفا من ابتلاع الرذاذ المتطاير منهم أثناء الكلام.
2-الشك في و/أو الشعور بـوجود و/أو ابتلاع بقايا طعام، ويرتبط هذا في كثير من الأحيان بظاهرة الإدراكات الحسية الكاذبة فيشعر المريض بوجود شيء في الفم أو الحلق لكنه لا يستطيع التيقن من إحساسه فيبقى على الشك ومحاولات الاستشعار القهري والشكوى والسؤال.
3-تكرار التفل و/أو تجفيف الفم مخافة بلع الريق أو غيره، وفي هؤلاء كثيرا ما تكون معلومة أن بلع الريق لا يفطر غائبة أي أن المريض يجهلها لكن في بعض الأحيان يرجع الأمر إلى فرط التورع أو التعمق في الصيام.
4-تكرار المضمضة للتخلص مما يخشى وجوده في الفم ثم ابتلاعه، وترتبط أحيانا بظاهرة الإدراكات الحسية الكاذبة، ويلاحظ التباين بين من يتحاشى المضمضة ومن يكررها! وهناك أيضًا من يفتش فمه أو ريقه عند الاستيقاظ من النوم خوفا من وجود دم.
5-الشك في أنه أكل أو شرب رغم المعرفة بعدم حدوث ذلك، ويرتبط هذا أيضًا بظاهرة الإدراكات الحسية الكاذبة، وأحيانا بمجرد الشك القهري بمعنى أنه مثلا عند رؤية طعام أو شراب أو بعدها بقليل يأتيه الوسواس بأنه أكل أو شرب وربما مدعما بأنه كان جائعا أو عطشان قبلها مباشرة، والمشكلة أن مريض الوسواس هنا يعرف بداية أنه لم يأكل ولم يشرب لكنه عند محاولة التيقن من ذلك يفشل أو يخفق، وكلما كرر محاولة التيقن كلما ازداد شكا في أنه ربما أكل أو شرب!! وهكذا
6-كتابة أو التلفظ بأنا صائم أو إني صائم بشكل مفرط وأحيانا كتابة ملصقات كبيرة ووضعها مثلا عند الثلاجة أو في المطبخ... إلخ.
7-تحاشي الخروج من المنزل أثناء الصيام غضا للبصر! تحاشي النظر للزوج! وغالبا ما تكون الخلفية المعرفية للمريض في هذه الحالة تتسم بالتعمق الوسواسي المرضي، لكنها أحيانا تأتي بسبب نقص المعرفة الفقهية بما يبطل الصيام، ومن الملاحظ في هذه الفئة أننا كثيرا ما نجد فرط الاستثارة الجنسية ترتبط بساعات الصيام، فعلى خلفية من التحاشي المستمر للمثيرات أثناء الصيام (وغالبا أثناء الإفطار) يقع المريض في فخ زيادة الاستثارة الجنسية واتساع دائرة المثيرات التي تخضع للربط الوسواسي لكن المريض يصدقها فيفرط في التحاشي أثناء الصيام، فتجده يخاف من لمس أهله أو حتى التعامل الطبيعي معهم أثناء الصيام.
8-تحاشي قضاء الحاجة أثناء الصيام خوفا من دخول الماء في أحد السبيلين أي القبل أو الدبر لأنه يفسد الصيام، هذا إلى جانب كثيرٍ من الصور التي تنتج في كثير من الأحيان عن تضارب الفتاوى، وبحث الموسوس المستمر في الأحكام والآراء ونزوعه إلى الأخذ بالأحوط!
ثالثا وس. وق. إبطال الصيام وإعادته
1- إشكالات قطع النية والشك فيها، غالبا بسبب الوساوس، معلوم من الفقه بالنسبة للصائم صحيح العقل أن قطع النية في الصيام الواجب يفسد الصيام ويجعله باطلًا، فالنية شرط لصحة الصيام، فلا يصح الصوم بلا نية، ويجب تبييت النية قبل طلوع الفجر في الصوم الواجب (مثل صيام رمضان أو صيام القضاء)، أما بالنسبة لمريض وسواس قهري الصيام فإن الأمر مختلف لأنه معرض للتشكيك في نيته ولا يوقن من نفسه شيئا يبني عليه، ومنهم من يصل به الحال إلى ورود خواطر بِنِيَّة فِطْر هذا اليوم ثم قضائه لاحقًا، فقط لكي يرتاح من عناء نِيَّة الصوم، لهذه الأسباب نقول له أن نيته لا تتأثر بكل ذلك، ولا يطلب منه استحضار النية، فصيامه صحيح ولا يفسد حتى لو جاء يقول انقطعت نيتي أو قطعت نيتي أو نويت إبطار صيامي أو حتى قلت (أبطلت صيامي) لأنها من القهور.
2-الشك في إفساد الصيام بشكل أو بآخر كمن لديه نزيف من الأسنان أو من ابتلع النخامة أو البلغم أو الريق أو من وجد في ريقه لونا أو طعما... إلخ، أو من يحدث له ارتجاع أو يشك في حدوث ارتجاع للطعام، أو من شعر بمشاعر جنسية أو إثارة، أو خواطر تناقض العقيدة (مثلا وساوس شركية أو كفرية) ... إلخ، ويخشى من إفسادها صيامه.... إلخ... ولابد من الانتباه إلى أن الأسئلة بخصوص هذه المواضيع شائعة من الأصحاء عقليا، لكن ما يحدث لمريض الوسواس يختلف كثيرا في الشدة وفي تكرار السؤال وعدم الاقتناع بالإجابة والبحث والمقارنة بين المذاهب والفتاوى المختلفة وربما القضاء احتياطا... إلخ.
3-التأكد من أذان المغرب من أكثر من مصدر، وهنا تتداخل عوامل شخصية -كفرط الانضباط فرط الخوف من إفساد الصيام-واجتماعية وإعلامية عدة، لكن الصورة الأخيرة تبدو فرط تعمق مقارنة بالآخرين من حوله.
المراجع:
1. وائل أبو هندي، رفيف الصباغ، محمد شريف سالم ويوسف مسلم (2016) نحو فهم متكامل للوسواس القهري، البابُ الثاني: العلاج السلوكي للوسواس القهري، سلسلة روافد 138 تصدر عن إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة الكويت
ويتبع>>>>>: وساوس وقهور الصيام ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني10
واقرأ أيضًا:
استشارات عن وساوس الصلاة / استشارات عن وساوس الصيام